رفع حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة شعارا جامعا تحت عنوان "محاربة الفساد والاستبداد"، بمعنى أن الحزب بزعامة عبد الإله بنكيران جعل محور حملته الانتخابية ومركز منافسته لباقي الأحزاب وعليها بنى مساره الانتخابي وبرنامجه الذي وعد بتحقيقه في حال فوزه بالانتخابات التشريعية. ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى الحكومة وهو يهدد ويتوعد بمحاربة الفساد والمفسدين، وعلى نفس المنوال سار كل وزراء العدالة والتنمية حيث أعلنوا الحرب على الفساد، لكن تبين بالنتيجة أن الأمر يتعلق بمفرقعات موسمية وليس بأفعال وممارسات حقيقية. فمحاربة الفساد ليست لعبة من لعب السياسية والسياسيين، إنها مشروع مجتمع متكامل. فبنكيران، الذي تولى رئاسة الحكومة بعدما فاز حزبه بالرتبة الأولى وفي ظل الدستور الجديد الذي منح رئيس الحكومة صلاحيات واسعة وموسعة في المراقبة وبلورة مشاريع القوانين وفي التنفيذ، لم يجد المغرب أرضا خلاء وجرداء من أي عمل ولم يتم فيها تأسيس أي حراك نحو محاربة الفساد، ولم يجد المغرب شعبا أميا ولا دولة صورية، بل وجد دولة مؤسسة منذ زمن بعيد. غير أن محاربة الفساد عرفت طريقها نحو المغرب باكرا غير أنها راوحت مكانها بين الحكومات المتعاقبة، لكنها لم تتخذ شكلا جذريا. فإذا كان الراحل الملك الحسن الثاني هو أول من أدخل وزراءه السجن بعد تورطهم في جريمة الفساد المالي، وفي عهده شهد المغرب حملة التطهير الشهيرة سنة 1996 والتي عرفت تجاوزات خطيرة بفعل تدخلات الوزير القوي إدريس البصري، فإن عهد الملك محمد السادس عرف مأسسة محاربة الفساد عبر تفعيل دور المجلس الأعلى للحسابات الذي أصبح ملزما بتقديم تقريره السنوي وتقديم بعض الملفات إلى العدالة والتي ثبت أن فيها خروقات في التدبير والتسيير، وهي الملفات التي تعرض على وزير العدل قصد تحريك المتابعة القانونية، وجاء الدستور الحالي ليعطي طابعا دستوريا للهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة والعديد من الهيئات العاملة في حقل تخليق الحياة العامة وخصص الدستور حوالي نصف بنوده لمحاربة الفساد وضرورة إقرار الحكامة الجيدة. فعندما قال الملك لبنكيران، والعهدة على هذا الأخير الذي روى قوله إن الملك اتصل به وقال له "دير خدمتك وإلى جاتك شي حاجة من الديوان الملكي ارفضها"، كان يعطيه الضوء الأخضر لمحاربة الفساد مهما كان مرتكبوه، لكن تبين أن المشكلة في حزب العدالة والتنمية وفي زعيمه، الذي يرى في محاربة الفساد لعبة من ألاعيب السياسة والسياسيين ويرى فيه سيفا يلوح به في وجه خصومه وفي وجه الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية والرسمية، وهذا هو مبلغ بنكيران من العلم في محاربة الفساد. ما ينبغي أن يعرفه بنكيران وهو متفق عليه من طرف الجميع أن مكان الفاسدين والمفسدين هو السجن. غير أن بنكيران يسعى إلى تحقيق هدفين من وراء ورقة محاربة الفساد التي يعلن الآن التخلي عنها. فالهدف الأول هو التطبيع مع الفساد خصوصا وأنه جرب مردودية التقرب من الفساد عندما قال أحد قادته ينبغي تطبيق مبدأ "الوطن غفور رحيم" في حق تجار المخدرات، فالتطبيع مع الفساد هدفه انتخابي، وثانيا ربح ورقة التخويف. فهل ما قام به بنكيران هو دعوة للمفسدين لينخرطوا في حزب العدالة والتنمية قصد البحث عن الحماية؟