يوم الاثنين الماضي، تابع المغاربة أول حلقة من حلقات السيتكوم الحكومي الجديد، الذي ستبثّه القنوات العمومية مرة كل شهر، وسيُحقّق، بكل تأكيد، أعلى أرقام الفرجة والفكاهة البرلمانية. بطل السلسلة الجديدة، هو السّيد عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة، الذي يرشّحه بعض النقاد وخبراء المؤثرات السمعية بصرية الخاصة، لمنافسة نجوم المسلسلات التركية، وموهوبي "بوليود" الهندية متعدّدي المواهب: غناء ورقصا وإثارة للعواطف. لأول مرة لدينا "وزير أول" أو رئيس حكومة يكلّم الشعب تكليما. فهو يلتقي الشعب في كل مكان، ويدعو له بالنصر المبين على العفاريت الذين يسكنونه، لقد ظهرت فيه كل البراهين الربانية التي ستجعله في حصن منيع، فشيخ الوهابية المغربي المغراوي ضمن لحكومته سلطة أبدية، وقد ملأ دور القرآن المراكشية بالمجامير لضرب "ألدون"، وطرد النحس عن وزراء "العدالة والتنمية"، خصوصا وزير الاتصال مصطفى الخلفي المفترض أن يكون متّصلا، بشكل مباشر، بالعالم الآخر، واخترع لذلك حرزا كبيرا اسمه "دفتر تحمّلات" سيتحمّلها عنه، لسوء الطالع، وزير قطاع آخر يوفّر السكنى والتعمير لكل العفاريت داخل أجساد المجاذيب والمصابين بالصرع. لأوّل مرة في تاريخ المغرب سنعرف حكومة تشاركية، يشترك فيها الوزراء وشيوخ صرع الجنّ والعفاريت، في وضع استراتيجيات للعمل الحكومي. فالحكومة "معمول لها عمل" لن يفكّ طلاسمه المكتوبة بالصمغ وماء الزّعفران سوى الشيخ الدّمياطي، فحسب ما فهمنا من أول جلسة للأسئلة والأجوبة الملغّزة في البرلمان مع رئيس الحكومة، أن كل قراراته التي يمنح صلاحياتها له الدستور الجديد، فيها الخفيّ والمعلن، وأن مرصد العفاريت للمعلومات المشفّرة يمنحه كودا، عند الضرورة، لتفكيكه والولوج للمعلومة، فالسيّد بنكيران لا يعرف معلومات عن الولاة والعمّال، وأن قانون المالية سُحب منه، وأن الحكومة السابقة هي المسؤولة عن فتح التوظيف المباشر للمعطّلين، وأن الخمسون سنة الماضية هي المسؤولة عن اقتصاد الريع والفساد، وعلى هذا الأساس اعتقدنا أن السيد بنكيران أول العاطلين عن العمل، ولتجربته في العطالة ينصح جيوش المعطّلين المنتظرين أمام البرلمان أن يفعلوا مثله، بالأخذ بالحديث الشريف :" التجارة تسعة أعشار الرزق"، ويتاجروا بشواهدهم، كما يفعل رئيس الوزراء في التعليم الخاصّ، ويعرفوا أن "الرّزق عند الله وليس عند الدولة". على المغاربة الذين ساهموا في التصويت على الدستور الجديد، أن يخضعوه للقراءات السبع، وأن ينتبهوا إلى أن البند اللامرئي لرفع أكفّ الدّعاء هو من صلاحيات السيد رئيس الحكومة الجديد، فبنكيران أول مسؤول حكومي في تاريخ المغرب تستجاب دعواته المباشرة عوض التوظيف المباشر ويقول لحملة الشهادات:" يا ربّي ارزقهم من فضلك". أربعة أشهر كانت كافية لينطفئ المصباح الزيتي لحزب "العدالة والتنمية"، فبنكيران رفعه فوق رؤوسنا، رغم ذلك راح منذ البداية يضهس في الظلمة، فالرجل لا يملك مشروعا حكوميا نيّرا، ووعوده السابقة للذين صوّتوا عليه، للقطع مع "الباكور الهندي"، حسب تعبيره، تحوّلت إلى "باكور كيراني"، حتى أننا لا نفهم كيف خرج أحد وزرائه بالدعوة "لعصيان مدني"، قد يكون ربّما على حكومته؟! أكبر قنبلة تنفجر تحت أقدام بنكيران، تقديم طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام، لنفسه إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لإجراء تحقيق معه حول ملفات رشاوى تورّطت فيها شخصيات تتحمّل مسؤوليات في السلطة، لكن آلة "القانون" الذي يعزف عليها بنكيران مقطّعة الأوتار، لذلك اختار السباعي هذا التوقيت الملتبس بالضبط، ليورّط بنكيران ووزير عدالته وحرياته. ما فعله السباعي جدير بالتأمل، فهو يريد أن يقضي تقاعده في السجن مكان من يسمّيهم مفسدين، ويطالب بمحاكمته إن كان كذّابا. الخطير في الأمر، أن يصبح ما فعله نوعا من الارتماء في الفراغ، تتلوه قفزات انتحاريين آخرين قد يتحكّموا في إطلاق مظلاتهم ولا تخونهم وهم يسقطون سقطتهم الحرّة. لقد كسر بنكيران رؤوسنا بما أحصاه وزيره من أشباح في الوظيفة العمومية، لكن كيف تطارد الأشباح؟ كيف تحوّل لقاء بنكيران مع البرلمانيين إلى مسلسل سيتكوم سخيف؟ وهل من حقّ المغاربة أن يطالبوا بنكيران بإخضاع هذا السيتكوم لدفتر تحمّلات جديد، حتى لا تختلط وظائفه وينافس برنامج "كوميديا شو".