للدبلوماسية أصول وقواعد تجمع بين النظر والعمل وهي حرفة تستعصي على تسليم قيادتها لأي كان، فهي كالحصان الحرون تتطلب سائسا خبيرا وقد تبتلى بهواة كل وقت وحين. غير أن نتائجها رهينة بمدى قدرة أصحابها على إدارة الأزمات والتفاعل معها والجواب عنها بدقة لا تترك خرقا واحدا يتسرب إليها فتصاب بالفشل. منذ وصول سعد الدين العثماني، القيادي في حزب العدالة والتنمية، إلى رئاسة الدبلوماسية المغربية ونحن نعيش على وقع الهواية في الممارسة، فالرجل يثق في الابتسامة التي تتحول معانيها حسب الشعوب والحكومات وحسب المكان والزمان. وآخر ما قام به العثماني على سبيل الهواية هو ما آثارته نائبة من الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بخصوص تعاطي الدبلوماسية المغربية مع قضية الصحراء وتقرير "كريستوفر روس"، ويعود للنائبة المذكورة فضل تذكيرنا بقدوم العثماني إلى البرلمان قبل أسبوعين مبشرا بالنصر الذي حققته الدبلوماسية المغربية على مستوى قضية الصحراء ووحدتنا الترابية. غير أن العثماني الذي بشر النواب ومن خلالهم الشعب المغربي بمنجزاته في الدبلوماسية كان يجهل أو يتجاهل أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة صدر يوم الرابع من الشهر الماضي، كما أن قرار تمديد مهمة المينورسو إلى غاية 30 أبريل من السنة المقبلة تم اتخاذه يوم 24 من الشهر الماضي. فكيف غاب عن رئيس الديبلوماسية المغربية أن الفقرة الثالثة من تقرير روس تهدد سيادة المغرب إذ حاول توسيع صلاحيات المينورسو، التي كانت محددة في مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو الذي دخل حيز التنفيذ منذ سنة 1991، وهي مهمة منحصرة في هذا السياق وظل المغرب يصر على رفضه تدخلها في أي شأن آخر، مع العلم أن المغرب لم يغلق أبوابه أمام المؤسسات الدولية للإطلاع على الأوضاع في الأقاليم الجنوبية لكن لم يسمح للمينورسو بتجاوز اختصاصاتها. هل خدعنا العثماني يوم جاءنا مبشرا بالنصر والمنجزات التي حققها في قضية الصحراء المغربية؟ هل ينبغي مساءلته ومحاسبته على ذلك؟ هل سيخضع العثماني بعد هذه الخديعة لمنطوق الفصل الأول من الدستور، "يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة"؟ كيف مرت الأمور من أمام أعين العثماني؟ هل كان على علم بها؟ هل كان يجهلها؟ هل علم بها ولم يرد الإفصاح عنها؟ لماذا غيب المنطق التشاركي في تدبير ملف ضخم أكبر منه بكثير؟ لقد عودنا العثماني على أن مبشراته تخفي وراءها نذورا سوداء، فعندما ذهب إلى الجزائر جاء ضاحكا مستبشرا ولم تسعه أرض ولا سماء وكاد يطير طربا وفرحا بما حققه، خصوصا بعد أن خصص له الرئيس الجزائري استقبالا دام ساعات، وما إن خرج من الجزائر حتى صفعه حكامها. غير أنه لم يتعظ. وهذه المرة مارس الضحك بحجم الخديعة، فهل سيحاسب؟ وهذا أول امتحان دستوري أمام عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة.