اكتشف سعد الدين العثماني، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، أن ما كتبناه حول السذاجة الدبلوماسية صحيح في كل تفاصيله، فيوم جاء ضاحكا مستبشرا من الجزائر متوهما امتلاكه المصباح السحري لحل المشاكل التاريخية بين المغرب والجزائر قلنا له إن الابتسامات العريضة لا تنفع في مثل هذه المواقف، وقد تكون ضارة إذا لم تفهم ثقافة الشعوب في الابتسام، وقلنا له إنك واهم لأنك لا تعرف المسالك المعقدة لاتخاذ القرار في الجارة الجزائر والتي ربما يجهلها حتى بوتفليقة نفسه. وقف العثماني بنفسه اليوم، على أن ما بين المغرب والجزائر أكبر من استقبال من طرف بوتفليقة وغذاء معه وحفاوة استقبال ومحادثات دامت سبع ساعات. ما بيننا وبينهم نقط استراتيجية تحتاج إلى حسم تاريخي وملفات مركبة ومعقدة لا تفيد فيها الابتسامات. بعد أول مشاركة للعثماني في مفاوضات مانهاست، والتي كذبت ادعاءاته بتغيير نوعية المشاركين، وقف على عين الحقيقة وعاد ليقول إن الطرف الآخر امتعنت. فأين هو كلامه الكبير حول التفاهم والتفهم الكبير الذي لقيه في الجزائر؟، وأين البشرى الكبرى بالفتح المبين في ملف انغلق وتعقدت حلوله؟، لقد بدأ اليوم العثماني يفهم معنى الواقعية السياسية، بدأ يفهم أن ابتسامات بوتفليقة كانت مرفوقة برؤية عبوسا قمطريرا للجنيرالات الذين لا يمكن استبعاد تصنتهم على كل ما دار بينه وبين بوتفليقة ونظيره الجزائري مراد مدلسي. ما غاب عن العثماني، هو أنه مهما كانت خطابات المجاملة، فإن هناك خطوطا حمراء لها حراسها ولا يمكن تجاوزها إلا بتغيرات تاريخية جذرية. فهل يعتقد العثماني أو كان يعتقد أن الجزائر مستعدة للتفريط في ملف الصحراء؟، أنسي أنها الورقة الوحيدة التي تلهي بها المنطقة؟، أنسي أن موضوع الحدود مازال عالقا؟، ألا يعرف أن قضية الصحراء ورقة ضغط في يد حكام الجزائر؟، العائق الكبير هو موضوع استكمال المغرب لوحدته، إذ منذ 37 سنة وحكام الجزائر يزرعون الفتيل على الحدود المغربية في السياسة والسلاح ودعم جبهة البوليساريو، بل رهن الموقف الصحراوي بالموقف الجزائري إذ لا تترك فرصة للصحراويين للتفكير بهدوء والعودة إلى وطنهم الأم المغرب. فالعلاقات المغربية الجزائرية كانت دائما متوترة وعلى فوهة بركان وراوحت مكانها، وهي مطبوعة بنتائج حرب الرمال في السابق وبالحروب غير المعلنة التي تخوضها الجزائر ضد المغرب وعن طريق وكلاء هنا وهناك وفي كل المجالات التجارية والاقتصادية والاجتماعية. ها هو العثماني اليوم، يكتشف بعضا من خبايا الدبلوماسية وربما بدأ يفهم المتغيرات الدولية ويتلمس الخطوات الأولى في فهم الجيوبوليتيك، وفهم طريقة تفكير الجزائريين وطريقة تعاملهم، التي تجمع بين حفل باذخ لدى بوتفليقة وتصلب قوي من طرف الجنيرالات، وأن حل مشكل الصحراء فيه تدخلات كثيرة وأن اليد الجزائرية لها بصمتها في الملف مما يجعله أكثر تعقيدا بالنظر لعدم استقلالية القرار لدى جبهة البوليساريو.