لعله من الطرائف المضحكة أن يلتقي صوت الدعوة إلى الخروج من الحكومة داخل الاتحاد الاشتراكي مع نفس التوقيت الذي يتولى فيه عبد الواحد الراضي )الراضي بكل شيء(، قيادة سفينة الحزب.. من الطريف كذلك أن قمة "المزايدات" الاتحادية تزامنت مع وجود هذا الرجل المهادن "بالطبيعة" في القيادة.. لنتذكر..كل شيء بدا سنة 1998 عندما صدقنا بلهفة مقولة "الانتقال الديمقراطي" آنذاك، وجدنا متعة عظيمة،ونحن نشاهد صور عبد الرحمان اليوسفي على شاشة التلفاز، وهو يردد بدون كلل تلك الأفعال التي تبتدئ بحرف السين من قبيل سنقوم ب.. وسند شن و س و س.. مرت الآن 11 سنة..آش وقع ؟ رحل اليوسفي إلى غير رجعة، صعد اليازغي، سقط اليازغي وصعد الراضي، افترق اليازغي وإدريس لشكر، صعد حسن طارق وعلي بوعبيد إلى المكتب السياسي ومعهم ثريا ماجدولين وآخرين ..انقرضت الشبيبة الاتحادية وفقد الاتحاد الاشتراكي اتصاله بالجماهير، وفقد تلك المكانة التي كانت مخصصة له حتى في قلوب أعدائه بعد أن تنكر الحزب اليساري لمبادئ اليسار التي مات من أجلها رزمة من خيرة شباب هذا الوطن.. دائما يجد الاتحاديون مبررات لكل شيء؛ حتى لو اقتضى الأمر دخول الجمل من "خرم"الإبرة..قبل الدخول إلى الحكومة كانوا يرددون بأنه لا مكان للحرية في هذا البلد ..عندما دخلوا قالوا إن هناك هامشا من الانفراج السياسي،وأقنعوا المواطنين بالتصويت عليهم مرة أخرى وهم يرددون "جميعا لمواصلة البناء".. اليوم انطلق زمن المزايدات..خلال مؤتمرهم الأخير قال الاتحاديون إنهم يطالبون بإحلال نظام الملكية البرلمانية في المغرب،لكنهم صوتوا لعبد الواحد الراضي الذي يعارض هذا المطلب (الله ينعل اللي فهم شي حاجة)،وبعدها رفعوا شعار الإصلاحات الدستورية وأصروا على مرافقة ذلك "ببروباغاندا" إعلامية ضخمة امتدت طيلة المدة التي سبقت الانتخابات وبعدها اخترعوا بدعة اسمها المساندة النقدية (اخ منو عيني فيه)..وانطلقت جريدة الحزب في ابتداع حلقات من مسلسل نقد الحكومة حتى أن إحدى عضوات المكتب السياسي شككت في نزاهة الانتخابات الأخيرة (شكون كيحكم ماشي نتوما؟..شكون شاذ وزارة العدل؟ماشي نتوما؟). الجميع يدرك اليوم أن الاتحاد الاشتراكي يسير بثبات نحو نهايته المحتمة بمن فيهم جدتي، كلنا نعرف أن الحزب القوي بالأمس مصاب اليوم بمرض نفسي حيث لا توجد سوى الأسئلة الوجودية،وخلافات الزعامة..إنها أعراض ما قبل الجنون. من طرائف زمن المزايدات أن الراضي وجد نفسه في أحد الاجتماعات أمام صاحب " الشكولاتة في الوزارة " (المالكي) وهو متخندق وراء مطالب النقابات في وقت كان هو نفسه من أنصار الاقتطاع من أجور المضربين عندما كان في الحكومة، ومن الطرائف كذلك أن الاتحاد الاشتراكي الذي اعتاد التحرك تحت كاريزما الزعيم في حاجة إلى من يحكمه،و يوحد بين أقواله و أفعاله. وا أسفاه على الاتحاد الاشتراكي،حتى لو رجع إلى المعارضة فإن لا أحد سيصدق خطابه.. تخيل حزبا ينتقد سياسة التعليم،وغياب القضاء النزيه وتفشي البطالة و..وهو من كان يحكم منذ أكثر من 11 سنة..ألا يعني ذلك أن الوزير القوي في الداخلية،إدريس البصري، كان صادقا عندما قال إن الاتحاديين ساهموا في تخلف البلاد؟ ما الذي سيمنعنا من القول إننا إزاء خيانة كبرى لتعاقد غير مكتوب.. عفوا يا سادة إن الاتحاد الاشتراكي ملك للمغاربة ،وليس للاتحاديين والتاريخ لن يعيد نفسه وحتى لو عادت جريدة المحرر فلن يكون لها نفس الإشعاع ونفس الذوق ولن يصدقها أحد، لأن مغرب اليوم هو مغرب جيل ما بعد المسيرة الخضراء.