جاء في إعلان للمجلس الإقليمي لطاطا قبل أسابيع انه يتعين على جمعيات المجتمع المدني الواقعة تحت النفوذ الترابي للإقليم الراغبة في الاستفادة من المنحة السنوية المتعلقة بدعم أنشطة الجمعيات ،ان تدلي ،الى جانب الملف القانوني، بنسخ من التقرير الأدبي والمالي السنوي عن أنشطتها مصادق عليه من قبل السلطة المحلية،الباشا او القائد ، التي تتواجد بها الجمعية الراغبة في هذا الدعم العمومي السنوي ، هذا المطلب المثير للاستغراب من قبل هذه الجهة العمومية المانحة الذي لم يحرك أي جمعية او تحالف جمعوي على حد اطلاعنا و متابعتنا من اجل الاعتراض عليه او الاستفسار عن مرجعيته القانونية او التنديد به وهذا ما يدفع الى التساؤل حول طبيعة المجتمع المدني المؤثث لجماعات وأحياء ومداشر هذا الإقليم ، ربما نحن طوباويين كثر كما يبدو ، وعلي أية حال ليس المقصد من هذا المقال تفكيك وتحليل بنية المجتمع المدني بهذا المجال بقدرما غايتنا الاساس هو إثارة الانتباه وكذا النقاش حول مدى قانونية او عدم قانونية هذا المطلب الصادر عن مؤسسة منتخبة – المجلس الإقليمي- يقودها نائب برلماني شاب موكول اليه مهمة التشريع والحرص على التطبيق الجيد لما شرع في قبة البرلمان على رأي المثل " لفقيه لي نترجاو باراكتو دخل للجامع ببلغتوا "، لذلك وحسب علمنا فان مطالبة الجمعيات الراغبة في الاستفادة من الدعم بإحالة تقاريرها المالية والأدبية على السلطات المحلية للتوقيع لا يرتكز على أي سند قانوني ، إذ وانطلاقا من قراءة مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر 3 جمادى الاولى 1378 الموافق ل15 نوفمبر 1985 بمثابة قانون منظم لحق تأسيس الجمعيات كما تم تغييره وتتميمه بقانون رقم 75.00 الصادر في 23 يوليوز 2002 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5046 في 10 أكتوبر 2002 لا يحوي أي بند يخول صلاحية المراقبة المالية والأدبية لشؤون الجمعيات للسلطة المحلية بل انه يحدد دورها الاساس في تلقي التصاريح بالتأسيس فقط وإحالتها على النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة مع إلزامية تقديمها وصلا عن الإيداع لواضع التصريح كما تفيد بذلك المادة 5 من القانون المذكور سلفا ، أما عن مراقبة الإعانات العمومية والتي تدخل ضمن حقوق الجمعيات المصرح بتأسيسها وفق قواعد ومقتضيات قانون 75.00 كما تظهر ذلك المادة 6 منه و التوقيع على صحتها ،فان الامر في فحصها ومراقبتها وطريقة ذلك موكول الى الجهة المانحة وهذا ما توضحه مواد الجزء السابع المعنون بمقتضيات عامة وانتقالية من هذا القانون وخاصة المادة 32 التي جاء في الفقرة الاولى منها انه " يتعين على الجمعيات التي تتلقى دوريا إعانات من إحدى الجماعات العمومية ان تقدم ميزانيتها وحسابها للوزارات التي تمنحها الإعانات المذكورة ..." وجاء أيضا في المادة 32 المكرر انه " يتعين على الجمعيات التي تتلقى مساعدات أجنبية ان تصرح بذلك الى الأمانة العامة للحكومة مع تحديد المبالغ المحصل عليها ومصدرها داخل اجل ثلاثين يوما كاملة من تاريخ التوصل بالمساعدة ...." بل ان المادة 32 المكرر مرتين يذهب الى ابعد من هذا حينما يضع شرط تقديم الحساب وآلياته حيث جاء فيه انه " ... يتعين على الجمعيات التي تتلقى دوريا إعانات يتجاوز مبلغها 10 ألاف درهم من إحدى الجماعات المحلية او المؤسسات العمومية أو الشركات التي تساهم الدولة او الجماعات و المؤسسات الأنفة الذكر في رأسمالها كليا او جزئيا ان تقدم حساباتها للهيئات التي تمنحها الإعانات المذكورة مع مراعاة مقتضيات القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية . وتحدد بقرار للوزير المكلف بالمالية دفاتر الحسابات التي يجب ان تمسكها الجمعيات المشار إليها في الفقرة السابقة وتجرى على دفاتر الحسابات مراقبة مفتشي وزارة المالية " ان المستخلص مما سبق يؤكد شيء واحد هو انعدام أي سند او حجية قانونية فيما أقدم عليه المجلس الإقليمي المذكور وأنا ما شرطه من ضرورة توقيع للتقريرين الأدبي والمالي للجمعية الراغبة في الحصول على الدعم العمومي السنوي من قبل السلطة المحلية هو باطل وان أي جمعية تم إقصائها او حرمانه من هذه الإعانة الدورية لهذا المجلس بحجة عدم الإدلاء بهذه الوثيقة الموقعة هو خطأ قانوني وانتهاك لحقوق هذه الجمعية كما ان قيام القواد والباشوات بهذه المهمة الجديدة التي خولها لهم المجلس المذكور هو تجاوز لصلاحياتهم المحددة قانونا وتطاول على صلاحيات أجهزة اخرى . ان هذه الخطوة خطيرة إذا ما تم ترسيمها وتحولت من بدعة لهذا المجلس الى قانون ملزم حيث ستؤدي الى الإيقاع بالجمعيات المدنية تحت رحمة السلطات المحلية والمس بمبدأ الاستقلالية عن السلطة والأحزاب والنقابات وغيرها الذي يعد احد المبادئ الاساسية للفعل الجمعوي ،كما أنها ستصبح فرصة لترويض الجمعيات وتدجينها وإخضاعها لهذه السلطات وتحويلها الى ملحقات لهذه السلطة في الأحياء والمداشر من اجل نيل رضاها وضمان مصادقتها على هذه الوثيقة في وقت مازال يناضل فيه الفاعلون المدنيون من اجل مزيد من الاستقلالية وإبعاد وزارة الداخلية عن شؤون الجمعيات وكذا التصدي لكل وصاية محتملة على المجتمع المدني مهما كانت الجهة الطامحة من منطلق ان هذا المجتمع هو حر بطبعه وقيمته في حريته . ان حماية المال العام و التصدي لتبديده او استعماله لأغراض غير نبيلة على مستوى جميع المؤسسات سواء المؤسساتية او غير المؤسساتية ومن ضمنها بطبيعة الحال الجمعيات المستفيدة من الدعم العمومي مهما كان حجمه أمر لا يمكن ان يختلف على أهميته اثنان باعتبار ان الفعاليات الجمعوية المغربية من السباقين الى المناداة بإعمال قواعد الشفافية والحكامة والمسألة في إدارة وتدبير المال العمومي ،إلا ان ما لاينبغي ان يستساغ هو ان ندك حصيلة من المكتسبات التي حصدها المجتمع المدني المغربي وفتح الباب أمام التحكم والمعاقبة من قبل السلطات المحلية ضد جمعيات المجتمع المدني بدعوى تدعيم الحكامة المالية وترشيد استثمار المال العام من قبل الجمعيات وكذا إرساء دعائم شفافية وتكافؤ الاستفادة من الدعم العمومي. * رئيس فرع الهيئة المغربية لحقوق الإنسان بفم زكيد