[email protected] النمو المعرفي الاجتماعي يتطلب تدافعا معرفيا منتظما و في غياب حدوث هذا التدافع المعرفي المنتظم يعيش العقل المغربي المعرفي خارج السياقات الدولية التي تشكل شرط وجوده و حينما يعيش هذا العقل المعرفي خارج سياقاته يمكن التسليم بان هذا العقل المعرفي دخل في سبات عميق. كل مظاهر السبات العميق هي متجلية في مجموعة خيارات نوردها هنا بالترتيب حتى يستطيع القارئ تلمس درجات ارتفاع هذا السبات العميق. اولى هذه الخيارات هي ورش الجهوية الذي لم يغير من واقع الارض شيئا حيث بقي مغيبا و بدون ان يستطيع هذا الورش النفاذ الى عمق الخيار الديمقراطي المحفز للاقتصاد و السياسة و المدمج للمكونات الهوياتية الوطنية المتعددة و القادر على استفزاز حتى المكونات الجهوية لشمال افريقيا و دفعها الى اعتماد نفس الخيار او على الأقل التماهي معه. بالإضافة الى ورش الجهوية الذي لم يستطع النفاذ الى عمق الخيار الديمقراطي يمكن ان نذكر كذلك ورش الدستورانية؛ فهذا الورش أثناء بلورته و إنجازه لم يخضع لأي معيرة ديمقراطية عن طريق الاستعانة ببعض المؤسسات الدولية المشهود لها بالريادة في المجال الدستوراني. المؤسسات الدولية المشهود لها بالريادة في المجال الدستوراني متعددة و تضم خبراء دستورا نيين من جميع القارات نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر لجنة فينيسيا التابعة للاتحاد الاوروبي و المعروفة بلجنة الديمقراطية بالقانون و المشهود لها بالمساهمة في انجاح أوراش دستورانية متعددة، حيث ساعدت هذه اللجنة على رفع مستوى المعيرة الديمقراطية في انحاء العالم، سواء معيرة الدساتير أو معيرة النصوص التشريعية المعتمدة. من الدول التي استعانت بلجنة فينيسيا و أنجحت أوراشها الدستورانية أو التشريعية و تفادت مضايقات المنظمات الحقوقية الدولية، نذكر على سبيل المثال دولة جنوب افريقيا التي استعانت بهذه اللجنة سنة1996 ، كما نذكر كذلك دولة المملكة البلجيكية التي طلب برلمانها الفدرالي الاستعانة بهذه اللجنة من اجل صياغة المعاهدة الاطار لحماية الاقليات الوطنية بداخل المملكة البلجيكية، نذكر كذلك دولة اللوكسمبورغ التي طلب وزيرها الاول سنة 2002 افتحاص احد مشاريع القوانين، كما نذكر كذلك دولة روسيا حينما كانت تزمع الانضمام الى معاهدة الاتحاد الاوروبي...مجموعة من الدول عملت على معيرة مواثيقها و دساتيرها دوليا و عملت على تفادي المضايقات التي تقوم بها بعض المنظمات الدولية كما حصل للمملكة المغربية مؤخرا حينما قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت ضغط المنظمة الحقوقية الغير حكومية كينيدي بتقديم مشروع قرار يخول لممثلية الاممالمتحدة في الصحراء، المينورسو، الاضطلاع ببعض مهام السيادة الوطنية المحددة تدقيقا في حماية حقوق الانسان بالصحراء. معيرة النصوص التشريعية الوطنية من الممكن أن تكون هي السبب الحقيقي الغير الظاهر اعلاميا و الذي هو بمثابة الدافع الحقيقي الذي جعل الولاياتالمتحدةالامريكية تغير موقفها السابق اتجاه الصحراء بل و تغيير حتى الفصول القانونية الاممية التي تندرج ضمنها قضية الصحراء. سنة 1970 اعتمدت الولاياتالمتحدةالامريكية على الفقرة الرابعة من المادة الثانية للفصل الاول المتعلق بمقاصد هيأة الاممالمتحدة و مبادئها للتصويت ضد استعمال الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة لمعالجة قضية الصحراء و اليوم على اثر تقديمها لمشروع قرار يلزم المملكة المغربية على ترك الممثلية المحلية لهيأة الاممالمتحدة المينورسو تمارس بعض مهام السيادة على ارض الصحراء، تؤكد الولاياتالمتحدةالامريكية على انها بصدد التوجه نحو تغيير موقفها عن طريق تفعيل محتويات الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة الذي لا تندرج ضمنه قضية الصحراء و الذي صوتت ضده الولاياتالمتحدةالامريكية سنة 1970. الفقرة الرابعة من المادة الثانية للفصل الاول من ميثاق الاممالمتحدة الذي اعتمدت عليه الولاياتالمتحدةالامريكية سنة 1970 لعدم التصويت على القرار الذي كان يسعى الى ادراج قضية الصحراء تحت طائل مضامين الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة تنص هذه الفقرة على ما يلي: " يمتنع أعضاء الهيئة(هيأة الأممالمتحدة) جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق و مقاصد الأممالمتحدة"؛ و اليوم مع الرغبة في ادراج ضمنيا قضية الصحراء تحت طائل المضامين السياسية للفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة تكون الولاياتالمتحدةالامريكية تضرب عرض الحائط تاريخ مواقفها اتجاه قضية الصحراء و تاريخ مواقفها اتجاه المنظمة الاممية نفسها. اذا كان الدافع الحقيقي من تغيير موقف الولاياتالمتحدةالامريكية من قضية الصحراء هو النصوص التشريعية الوطنية الغير ممعيرة دوليا و ديمقراطيا فليس كل النصوص التشريعية الاساسية و المصيرية الوطنية المعتمدة دوليا هي غير ممعيرة، فإذا كان التقسيم الجهوي غير ممعير ديموقراطيا على المستوى الدولي، و اذا كانت الوثيقة الدستورية هي الاخرى غير ممعيرة و تتميز بنفس الخصائص فان و ثيقة الحكم الذاتي المقترحة من طرف المملكة المغربية سنة 2007 لحل مشكل الصحراء هي وثيقة جد ممعيرة و تنتمي الى جيل الوثائق التشريعية الحديثة التي تساهم في وضع اليات حقيقية لممارسة مهام الحكم الذاتي المحلي بدون المساهمة في تفكيك الدول التاريخية العريقة. الغريب في الامر وثيقة الحكم الذاتي الممعيرة دوليا و ديمقراطيا تمت عملية صياغتها و ظهورها سنة 2007 في حين كل الوثائق التشريعية الغير ممعيرة ديمقراطيا و دوليا بدأت في الظهور تسلسلا مباشرة بعد سنة 2011، فماذا حصل في المملكة المغربية بعد هذا التاريخ حتى تبدأ في صياغة و اعتماد نصوص تشريعية غير ممعيرة؟ بالتأكيد أن أشياء كثيرة حصلت ما بين سنة 2007 و سنة 2011 و هذه الاشياء الكثيرة هي التي جعلت المنظمات الحقوقية تتكالب على المملكة المغربية و تجعل عقلها المعرفي يدخل في سبات عميق. يوم الخميس 15 مارس 2007 نشرت مقالا بجريدة المساء المغربية تحت عنوان "الحكم الذاتي... الخيار الأوروبي بالقانون" آنذاك لا زالت وثيقة الحكم الذاتي المقدمة من طرف المملكة المغربية لم تخرج بعد إلى العموم. حينما أصدرت هذا الحكم على مشروع الحكم الذاتي المغربي و اعتبرته خيار أوروبي بالقانون كنت في واقع الأمر احتكم إلى محتويات وثيقة "الحكم الذاتي المحلي الأوروبي" و كنت استند إلى الدوافع التي جعلت الأوروبيين يتبنون هذا النوع من الحكم ولم يختاروا غيره. بعد صدور نسخة مشروع الحكم الذاتي المغربي لم يخب ظني في ما يخص تقديراتي الفكرية، لآن مشروع الحكم الذاتي المغربي جاء تقريبا على المقاس انه فعلا، إن لم يكن خيار أوروبي بالقانون فهو خيار غربي بالقانون وهذا ما نصص عليه حتى مشروع الحكم الذاتي المغربي حينما حدد احد عناصره الأساسية قائلا بأنها مستلهمة من " المقتضيات الدستورية المعمول بها في البلدان القريبة من الغربية جيوسياسيا و ثقافيا". المشروع المغربي لم يستلهم فقط المقتضيات الدستورية الأوروبية بل قد استلهم حتى شكل صياغة الوثيقة التشريعية الاوروبية حيث ميثاق الحكم الذاتي الأوروبي يتكون من ثلاثة أقسام و نفس الشيء بالنسبة لمشروع الحكم الذاتي المغربي. كما يتكون المشروع المغربي من 35 فقرة تشريعية و المشروع الأوروبي ليس بعيدا عن هذا العدد حيث يتكون من 31 فقرة تشريعية. مشروع الحكم الذاتي في الصحراء ترك كل شيء لمسلسل التفاوض، و انتظار ما سيترتب عن هذا المسلسل الذي ترعاه الاممالمتحدة بواسطة مبعوثها الشخصي و هذا المسلسل من التفاوض الذي طال اكثر من اللازم هو الذي جعل المملكة المغربية تؤجل كل مشروعها التحديثي الذي سبق لعاهل البلاد ان وضحه بالتدقيق في خطاب التاسع من شهر يوليوز لسنة 2011.