تقع الجماعة القروية تكليت بجنوب المغرب،تبعد عن كلميم بحوالي 74 كلم تحدها السمارة جنوبا وكلميم شمالا، أسا شرقا و الطنطان والمحيط الأطلسي غربا، تم إحداثها بموجب التقسيم الجماعي لسنة 1992 لتصبح بذلك جماعة قروية ادارية بعدما كانت مجرد دائرة انتخابية تابعة للنفوذ الترابي لجماعة فاصك. هكذا حدد مرسوم إحداثها على أنها جماعة قروية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الاداري والمالي، تتوفر الجماعة على إرث تاريخي غني فقد شكلت القرية نقطة عبور بين الشمال والصحراء في إتجاه السمارة ومنها الى دول افريقيا غرب الصحراء، ، كما تربط بين القادمين من الصحراء في اتجاه الشمال بحثا عن الكلإ للماشية وهروبا من الظروف المناخية الصعبة. كما كانت القرية نقطة أساسية من مراحل سفر الرحالة الفرنسي ميشيل فيوشانج في إتجاه السمارة قادما إليها من فرنسا مع بداية ثلاثينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى أنها شكلت نقطة أساسية و تكنة عسكرية مؤقتة خلال الحرب التي دارت بين الجيش المغربي و الجيش الشعبي لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب بداية ثمانينات القرن الماضي، كما كانت نقطة أساسية ومركز اعتقال سري لتعذيب المختطفين الصحراويين المعارضين لنظام الحسن التاني، حيث تؤكد الروايات الشفوية أن تكليت كانت مركزا للتعذيب و الاستنطاق في أحد بيوت رجال السلطة المعروفين بولائهم الشديد للنظام، قبل نقلهم الى باقي المراكز التي ميزت التاريخ الأسود لسنوات الرصاص كأكدز وتازمامارت ومولاي علي الشريف وتمارة وغيرها من المعتقلات السرية. تتميز تكليت بتوفرها على عين مائية متواصلة الجريان الشئ الذي ساهم في تتوفرها على واحة من النخيل تعد منتجا أساسيا للتمور بالمنطقة، كما تعد مصدرا أساسيا للتين وبعض الخضروات المعيشية. فرغم توفر المنطقة على مؤهلات طبيعية أساسية إلا أنها لا تستغل على أحسن وجه نظرا لضعف البنيات و التجهيزات الأساسية من جهة وإنتشار الأمية والفقر من جهة ثانية. ستكون هذه المقالات الثلاثة عبارة عن إطلالة على الواقع المرير الذي تعيشة القرية بعد 20 سنة من تأسيسها كجماعة قروية، حيث سأحاول تعرية ما تعيشه القرية سواء من طرف المنتخبين من جهة ورجال السلطة وسلطة الوصاية من جهة ثانية، ثم التعريف بالإمكانيات التي كان بالامكان تطويرها لخدمة الساكنة من خلال التنمية البشرية، وفي الأخير خلاصات لأستشراف المستقبل والبحث عن حلول للأزمة التي صارت تكليت تتخبط فيها. جرت أول انتخابات جماعية بتكليت سنة 1992 لتفرز الخريطة الانتخابية أول مجلس منتخب في القرية مكون من 11 عضوا انبثق عنه مكتب المجلس وفق ما ينص عليه القانون الانتخابي الساري أنذاك، وفي الوقت الذي كان المنطق العلمي و الاكاديمي يفرض أن يتقدم إلى الانتخابات شخصيات ذات كفاءة علمية وتدبيرية عالية، إلا أن المنطق السوسيولوجي فرض نفسه بقوة حيث تمت هندسة الدوائر الانتخابية وفق تحالفات مشبوهة مع السلطات المحلية التي كانت تهدف إلى ضمان وصول موالين لها بغية الحفاظ على مصالحها، لتعطي هذه التحالفات مجلس مكون من أغلب أعيان القبيلة ومعظمهم من العمال السابقين ومتقاعدي أوربا الذين تتجاوز أعمارهم الستين، حيث استطاعوا بفعل الموارد المالية التي كانوا يتوفرون عليها من استمالة أصوات الغالبية العظمى من الساكنة التي تعاني من الفقر و الهشاشة كم سأبين لاحقا. وبالرغم من وصول بعض الشباب الطامح آنذاك الى تبوء مركز القرار المحلي لتطوير والمساهمة في تنمية القرية على إعتبار التجربة العلمية التي يتوفرون عليها و المنطق الحداثي الذي يفرض نفسه في مثل هذه الحالة، إلا أن التحالفات التي كانت تحاك خارج منطق علم السياسة الحديث و الضغط الذي كان يمارسه لوبي متحالف مع السلطة المحلية جعل كل أحلام هولاء غير ممكنة ليتحولوا الى مجرد لعبة تشارك في المشهد. وتواصلت الانتخابات الجماعية مع موعد 1997 و2003 وزادت تجربة اللوبي الانتخابي الذي استطاع ان يفرض شروطه على الساكنة حيث ظل التحكم في هندسة الدوائر عبر تسجيل المواطنين الجدد في الدوائر التي تسمح بنجاح منتخبين معروف عليهم انتهازيتهم وولعهم بالمال، وفي المقابل يتم رفض كل الذين سيصوتون لمرشحين لا ينفدون أوامر المخزن،كما برز في نفس الوقت مشهد سياسي غريب ففي الانتخابات البرلمانية مثلا يظهر سماسرة انتخابات تكليت النشيطين عبر إجراء مفاوضات لشراء جماعي للأصوات وكأنهم يملكون وكالة من الناخبين، لكن المثير في الأمر و الذي لم و لن أستطيع فهمه هو غياب وعدم توفر الساكنة على إرادة حقيقية للتعبير عن إرادتها الحرة في الاختيارالحر، فبعدما يتم التوافق بين السماسرة والمرشحين يتم نقل الأوامر للساكنة ( قطعان الأغنام ) للتصويت دون أي إعتراض مقابل أثمان قد لا تتجاوز 100 درهم في بعض الحالات، فيما يغتني السماسرة من الأموال الطائلة التي تدرها عليهم الانتخابات، ولن يستطيع أي كان أن ينكر تحول بعض الذين كانوا إلى وقت قريب يعانون الفقر المدقع في وقت قياسي إلى أغنياء يملكون 3 منازل في مدن مختلفة وسيارة وحسابات بكية. وفي الوقت الذي كان من المفروض أن تتطورتيكليت سكانيا وعمرانيا وبنية تحتية، فإنه وبعد مرور حوالي 20 من إحداثها فإنها لا تزال تتخبط في التهميش، وإذا كانت الانتخابات الجماعية لسنة 2009 قد أعطت لأول مرة رئاسة المجلس لشخصية ذات تكوين دراسي لابأس به، فإنه بالعودة إلى معظم الأعضاء الذين تعاقبوا على المجالس منذ 1992 فإن الغالبية العظمى من الأعضاء تعاني من الأمية والإفتقاد إلى القدرة على المبادرة الحرة والابداع وإتخاد القرارات المناسبة في الوقت المناسب، الشئ الذي إنعكس سلبا على على مكاتب المجلس باعتبارها الفاعل الأساسي في التنمية المحلية، لكن غياب الجرأة السياسية والحنكة والخوف من غضب السلطة جعل معظم المجالس التي تعاقبت على تسيير الجماعة تبحث لنفسها عن مصالحها وتنغمس بالتالي في فساد سياسي مع رجال السلطة المحلية من مقدمين وشيوخ وخلفاء وقياد، إذ عملت وزارة الداخلية على توزيع العديد من المناصب في درجات مقدمين دون احترام للقوانين المعمول بها في مجال التوظيف وذلك لمراقبة الساكنة و معاقبة كل معارضي توجهات الحكومة، كما كانت في كل مرة تعين من المخلصين لها من القياد وخلفائهم الذين عملوا على تغليب مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة للجماعة. هذا هو الواقع السياسي للقرية الذي انتج لنا واقع اقتصادي واجتماعي وتنموي متردي كان الضحية الأول فيه هو ساكن القرية المغلوب على أمره حيث تحول إلى مجرد نرد تتقادفه الأيادي مرة هو ضحية المنتخبين و مرة أخرى ضحية السلطة المحلية، فماهي الامكانيات التي تتوفر عليها تيكليت وما هو واقعها، انتظروني في الأسبوع المقبل.