يعيش القطاع الصحي بالمغرب أزمة كارثية لم يستطع المخزن إيجاد حل لها منذ" الاحتقلال " إلى يومنا هذا ، وان كانت تصريحات كبار المسؤولين بالقطاع الصحي ببلادنا تأخذ طابعا تفاؤليا ضدا على الواقع ،فكلما توالت الأيام إلا ويزداد هذا القطاع تدهورا ينذر بكارثة إنسانية خطيرة . وترجع أسباب هذا الوضع المتردي للقطاع بالمغرب إلى عدة أسباب نذكر من بينها على سبيل المثال ، قلة الأطر الصحية من أطباء وممرضين ،وغياب التجهيزات الضرورية داخل نذكر من بينها قلة الأطر الصحية من أطباء وممرضين ،وغياب التجهيزات الضرورية داخل المستشفيات . ناهيك عن مظاهر عدة من الفساد التي تنتشر وسط القطاع الصحي ، منها الرشوة وصعوبة الولوج إلى المرافق الصحية، ثم ضعف التغطية الصحية. فالفقراء والطبقات المهمشة هي أكبر الفئات المتضررة من انتشار ظواهر الفساد في هذا القطاع الحيوي، وذلك من خلال عملية الابتزاز التي يمارسها بعض العاملين في القطاع، وعدم قبول "شهادة الاحتياج" مقابل التفاوض مع المرضى على أداء ما يشبه"الإتاوات" التي قد تصل إلى مئات الدراهم ، وهو مبلغ لا قدرة للمرضى الفقراء على دفعه في بعض الحالات، مما يؤدي في الغالب إلى تفاقم مشكلاتهم الصحية،والأمر الذي زاد الطين بلة هزالة الميزانية المرصودة لقطاع الصحة العمومية بالمغرب. ولاشك أن تردي وضع قطاع الصحة بالمغرب يتحمل مسؤوليته المخزن نتيجة إهماله وتهميشه الممنهج لهذا القطاع ،وهكذا نجد قطاع الصحة في بعض الأقاليم في المغرب يعيش حالة يرثى لها أكثر بكثير مما نسمعه في المدن الكبرى ويعتبر قطاع الصحة بإقليم كلميم نموذج لهذا الوضع الكارثي نتيجة الإهمال والفساد ،فحال المستشفيات والمراكز الصحية بهذا الإقليم شبيهة بالمجازر،فما فائدة ما يسمى ببرامج التنمية البشرية ،ووكالات تنمية الجنوب والجهوية الموسعة ،وماذا قدمت لقطاع الصحة ،كل ذلك يبقى شعارات مزيفة فارغة من أي مضمون ،فليست التنمية أن تجوب المغرب شرقا وغربا ... يوجد باقليم كلميم مستشفى عسكري بالمدينة والمستشفى الإقليمي الذي يعاني من وضعية مزرية كالنقص الحاد في الأطر الطبية وتردي في خدمات قسم المستعجلات، و سوء معاملة المرضى و زوار المستشفى مما يمس بكرامة المواطنين، والانتظار لمدة طويلة لإجراء العمليات الجراحية،وكذا عدم إشعار مرافقي المرضى مسبقا بضرورة الأداء في حالة المبيت رفقتهم،و التأخير في نقل المرضى إلى المستشفيات الأخرى المجاورة بسيارات الإسعاف وكما يتم إخراج أحيانا بعض المرضى دون استكمال العلاجات الضرورية وعدم توفير الأدوية و مستلزمات إجراء العمليات الجراحية،أضف إلى كل هذا غياب التنسيق بين مندوبية وزارة الصحة و إدارة المستشفى الإقليمي (ملف مستودع الأموات نموذجا ). وكما يتوفر الإقليم على مراكز صحية منتشرة في بعض القرى تفقد للعديد من الضروريات وترزح تحت طائلة الإهمال الصحي والعشوائية في تدبير الموارد البشرية وتدني الخدمات الطبية والافتقار إلى التجهيزات والبنايات الضرورية والكافية،كما هو الواقع في المركز الصحي بافران و تيمولاي وتكانت و تغجيجت وبويزكارن ...،وهناك مناطق لا تزال تفتقر للمراكز الصحية فما هي وضعية بعض المراكز بالإقليم ؟ تتوفر منطقة تغجيجت على مركز صحي وحيد ،يعيش وضعية مزرية نظرا لضعف الخدمات التي يقدمها للساكنة ،وهذا نتيجة قلة الأطر الصحية بالمركز الصحي ،فكيف يعقل لطبيب واحد و أربعة ممرضين أن يقدموا خدمات استشفائية جيدة لما يزيد عن 1100نسمة، فكلما توالت الأيام والشهور إلا ويزداد تدهور وضعية هذا المستوصف ،فمند بنائه لم يتم إضافة ولو طبيب أو ممرض ،حتى أن في بعض ألأحيان لا تجد بالمستوصف إلا ممرض واحد ينوب عن الطبيب وباقي زملائه . ففي أبريل الماضي ذهبت لقضاء غرض إداري بهذا المركز الصحي فلم أجد أحد داخله ،جلسنا ننتظر لمدة تقارب الساعة، فإذا بالممرض الوحيد يأتي إلينا تبدو عليه علامات التعب والإرهاق وقال لنا بأنه كان نائما لأنه منهك القوى باعتبار أنه كان يقدم الخدمات للمواطنين بمفرده على طول النهار،بمعنى أنه كان يقوم بمهمة الطبيب ومهمة باقي زملائه ،سألته عن الطبيب فقال لي بأنه سيغيب لمدة أربعة أيام ،وغيابات الطبيب تتكرر في كل أسبوع تقريبا وهو ما يستنكره باستمرار سكان تغجيجت ويعتبرون ذلك اهانة لكرامتهم ولحقوقهم التي كفلتها لهم القوانين الوطنية والدولية ،وفي هذا الصدد قام طلبة تغجيجت مدعومين بالساكنة بمطالبة المخزن بحل هذا المشكل المتكرر وكل المشاكل التي يعاني منها المستوصف ،لكن للأسف تعامل المخزن مع هذه المطالب المشروعة للساكنة بالرفض وأعقب ذلك التدخل الهمجي للمخزن الجبان وقام باعتقال أبناء المنطقة لا لشيء إلا لأنهم لم يقبلوا الالتزام بالصمت أمام هذا الواقع المر و الرضى بالذل والظلم المسلط على الشعب، فطالبوا بحقوقهم البسيطة والمشروعة فوقع ما وقع ،فمثل هذه المشاكل كان من الممكن قبولها في القرون الماضية الغابرة أما ونحن في القرن الواحد والعشرون عصر التكنولوجيا وغزو الفضاء فان ذلك أصبح غير مبرر ولا يمكن للعقل أن يتقبله . ومن جهة أخرى يعاني المستوصف من انعدام لأبسط التجهيزات اللازمة الضرورية التي يلزم توفرها في أي مشتشفى ،نجد أبسط الوسائل منعدمة في هذا المستوصف وعلى سبيل المثال لا الحصر المحرار الذي يقاس به درجة الحرارة في جسم الإنسان وغياب آلة لقياس نسبة السكر في الدم ،أما المعدات الأخرى فحدث ولا حرج لاشيء متوفر ،كأننا نعيش في العصر الحجري فأين المخزن من كل هذا ؟ أم أنه يجيد فقط لغة القمع والترهيب ،... وهذا الواقع يعم المستوصفات بالإقليم كلها،خاصة في القرى وهذا نتيجة الفساد والنهب الذي تقوم بها الجهات المسؤولة في الإقليم سواء فيما يتعلق بهذا القطاع بالذات أو القطاعات الأخرى ،فلا يوجد على رأس هذه القطاعات إلا المفسدون والواقع خير شاهد على ما أقول. وتزداد معاناة المواطنون بالليل نتيجة لعدم وجود حراسة ليلية بالمركز من قبل الأطر العاملة بالمستوصف ، وهو الأمر الذي يجعلهم يتوجهون إلى مستشفى أخر بالإقليم والذي يبعد عن المنطقة 70كلم هذا إن توفرت لديهم الإمكانات أما بالنسبة لمن لا يتوفر على ذلك فعليه أن يتحمل الألم إلى غاية الصباح ،أو أن يلجأ إلى أحد الممرضين في بيته الذي قد يساعده أو لا يفعل ، ففي الصيف مثلا يكثر من يتعرض للسعات العقارب فلا يجدون من يقدم لهم العلاجات ،ففي الأيام القليلة الماضية تعرض أحد المواطنين للسعة عقرب فتوجه إلى بيت دكتور المستوصف وأيقظه من نومه ،فقدم له الدكتور بعض الأقراص من الدواء فلم تفد المريض بشيء لان مفعول اللقاح بالإبرة أكثر فعالية لسم العقارب ،وقد يكون عدم تقديم الطبيب اللقاح لهذا المريض ناتج لعدم توفر هذا النوع من اللقاح في المستوصف أو لشيء أخر، المهم أن المواطن السالف الذكر توجه إلى بيت أحد المواطنين الذي يتوفر على دواء فعال ضد اللسع يجلبه من فرنسا ،عبارة عن مرهم ،ويستعمل آلة عبارة عن منفاخ تشبه منفاخ العجلات يمتص بها سم العقارب،بعدما تم استعمال هذا الدواء ونجاعته ضد سم العقارب أصبح العديد من المواطنين يلجأ إلى هذا المواطن لتداوي عوض الذهاب إلى المستوصف، فلماذا لا يتم تزويد المستوصف بمثل هذه الوسائل البسيطة والرخيصة الثمن أم أن المخزن لاتهمه صحة المواطنين. ففي الأيام القليلة الماضية توجهت امرأة حامل تنحدر من منطقة تكموت التابعة لجماعة تغجيجت إلى المستوصف ،فتم إرسالها إلى مستشفى بمدينة كلميم ،فقاموا بدورهم بإرسالها إلى مستشفى الحسن الثاني بأكادير ،كانت سترسل مجددا إلى مستشفى بمراكش لولا تدخل أحد أفراد عائلتها الذي قام بتقديم رشوة إلى أحد المسؤولين بمستشفى أكادير ليتم بعد ذلك قبول طلب السماح لها بالولادة بهذا المستشفى، لتتمكن في الأخير من وضع مولودها ،فنقلها من مستشفى كلميم إلى أكادير ليس مبررا لكون هذا الأخير يتوفر على معدات الولادة الضرورية ،قس على هذه الحالة المئات من الحالات بالمغرب التي يرفض استقبالها بالمستشفى بدون مبرر حتى أن منهن من وضعن حملهن بقرب من هذه المستشفيات أو على مثن السيارة التي حملتهن،فأين تطبيق مبادئ حقوق الإنسان التي يتغنى بها المخزن في كل المحافل ؟فأبسط الحقوق منتهكة بشكل بشع في هذا البلاد بسبب المخزن الذي لا يحترم كرامة الإنسان ولا أبسط حقوقه . أما المواطن الآخر فقد توجه لإجراء عملية الفتق لزوجته بالمستشفى الإقليمي بكلميم بعد أن تم تحديد موعدا لها من طرف الدكتور ،لكن لم يتم إجراء أية عملية له في ذلك الموعد بدعوى أن طبيب المكلف بالتخدير غير موجود ، ،فأعطي له موعد أخر فلم يتم ذلك ،وحدد له موعد أخر وهو بعد شهر رمضان ،انتظر هذا المواطن حتى انقضى شهر رمضان فتوجه الى المستشفى الذي يبعد عن سكناه ب75كلم ،فلما سئل عن الدكتور الذي أعطاه الموعد ،قيل له بأن الطبيب حصل على الانتقال إلى منطقة أخرى وقد مر على انتظار المواطن لإجراء هذه العملية لزوجته ما يزيد عن أربعة أشهر ،كلما وصل الموعد المحدد من قبل الدكتور إلا وتم تأجيله إلى وقت أخر والى حد الساعة لم تتمكن زوجته من إجراء العملية وهذا المواطن لا يملك حتى قوت يومه، وهذا قد يكون سببه راجع إلى قلة أطباء الجراحة والممرضين المتخصصين في التخدير بعد أن استفاد العديد منهم من المغادرة الطواعية التي تسببت في تزايد الأزمة التي يعاني منها قطاع الصحة ،والى حد ألان لم تبذل الوزارة أي مجهود يذكر للتخفيف من حدة هذه المشاكل ، مما يؤدي إلى ضياع مصالح المواطنين ،وهذا يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان في المغرب . وقد يرجع السبب الثاني إلى الأطر العاملة بنفسها في مثل هذه المستشفيات ،حيث أنهم لا يعيرون أي أهمية للمرضى إلا بعد أن يتم تقديم رشى لهم أو عن طريق واسطة بين الطبيب والمريض وهذه الظاهرة منتشرة بكثرة في كل مستشفيات البلاد ا نتيجة غياب الرقابة من قبل الوزارة الوصية على القطاع . نذكر حالة أخرى هذه المرة وقعت أحداتها بالمستشفى العسكري بمدينة بويزكارن خلال شهر غشت من العام الماضي ،بحيث تعرضت طفلة في السابعة من العمر للسعة عقرب و هي بمنزلها بجماعة تكانت ،فاضطر الأقارب لنقلها عن طريق سيارة طاكسي إلى المستشفى العسكري بمدينة بويزكارن ، بعدما لم يستطع الممرض المحلي للمركز الصحي لجماعة تكانت تقديم الإسعافات الضرورية لهذه الطفلة ، فتم نقلها إلى المستعجلات بالمستشفى العسكري ببويزكارن لم يستطع ممرض هذا المستشفى علاجها ،فطلب منهم نقلها إلى المستشفى المدني بمدينة كلميم ،لكن لحظات تفارق الطفلة الحياة بمدينة بويزكارن قبل أن يتم نقلها إلى كلميم ،تصوروا معي لو أن المخزن وفر الأدوية والمعدات الضرورية للمستشفيات لتم انقاد حياة هذه الطفلة ،وآلاف الأرواح الذين يموتون بسبب تقصير المخزن من أداء المسؤولية على أتم وجه ،فكل ما يسمعه الشعب من شعارات المخزن الرنانة ماهي إلا نفاق وكذب ولاشك أن مثل هذه الحالات وغيرها التي لم نذكرها لخير دليل على صحة ما أقول. إن الواقع المزري الذي وصلت إليه المستشفيات بإقليم كلميم والمغرب بصفة عاملة جاء نتيجة التهميش الممنهج للمخزن للقطاع الصحي العمومي ،وذلك من أجل إرغام المواطنين إلى اللجوء إلى القطاع الخصوصي ، لان فعلا تردي وضع هذه المستشفيات والزبونية والرشوة المنتشرة ،ناهيك عن ضعف مستوى الخدمات الاستشفائية والاكتظاظ الكبير داخل هذه الأماكن كل هذا يجعل المواطن يهرب باتجاه المصحات الخصوصية خاصة الذي يتوفر على دخل قار ،لكي ينجو بنفسه من المخاطر والآلام التي ستهدده في حالة إجرائه العملية في مثل هذه المستشفيات التي يطلق عليها المواطنون اسم المجازر. لأنه كم من مواطن أجريت له عملية وبعدها يفاجأ بأن العملية لم تجرى له ،حيث يكتفي الطبيب الجراح بفتح جلد بطنه ثم يقوم بخياطته لا أقل من ذلك ولا أكثر، وهذه واقعة حقيقية وقعت لشاب حيث تم إحضاره إلى مستشفى الحسن الثاني بأكادير ليلا ،وتم الاتصال بالدكتور وأول شيء قاله لعائلة الشاب بعد وصوله ،لماذا أتيتم في هذا الوقت المتأخر؟ كان عليكم الانتظار إلى الصباح وهو الأمر الذي لم يعجب العائلة فبدأت المشاجرة بين الطبيب وعائلة الشاب ،فقام الطبيب بإجراء عملية مزيفة للشاب حيث قام بفتح جزء من بطن الشاب ثم قام بخياطته دون أن يقوم باستئصال كيس المرارة الذي أنفجر وتسبب في معاناة الشاب ،بعد هذه العملية تدهورت صحة الشاب فتم نقله هذه المرة إلى مصحة خاصة ليخبرهم الطبيب بأنه لم تجري له أية عملية من قبل ، فالشيء الذي قام به الدكتور الأول هو أنه فتح الجلد الفوقي لبطن الشاب وعمل على خياطته بدون أن يقوم باستئصال كيس المرارة،وما أكثر مثل هذه الحوادث في المستشفيات العمومية بالمغرب حيث لا يسمح الوقت بذكرها كلها .
في ظل هذا الوضع المتردي للقطاع الصحي بالمغرب كباقي القطاعات الأخرى يستدعي من مكونات الشعب التحرك للاحتجاج وعدم الاكتفاء بالتفرج والانتظار لكي لا نقع في كارثة إنسانية لقدر الله في المستقبل القريب ،فالمخزن حيوان فاسد يجب الضغط عليه ،فهو إذا تركناه فإنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون ولا يمكن أن ننتظر منهم شيئا يذكر، فكل ما يرفعونه من شعارات الإصلاح ما هي إلا كذب على الشعب ،نفاق على نفاق وكل همهم هو مصالحهم أما مصالح الشعب فلا شأن لهم بها، و ينطبق عليهم قوله تعالى :" وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ( 11 ) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ".