شكلت الوضعية الحالية للمخطط الأزرق المادة الدسمة للقاء الإعلامي الذي نظمه وزير السياحة محمد بوسعيد، وركز ممثلو وسائل الإعلام على ضرورة معرفة الأسباب الحقيقية لتعثر محطات تاغزوت وليكسوس والشاطئ الأبيض. وفي الشق العام اعتبر أن السياحة الوطنية تعرف تراجعا وليس أزمة، ولكن الأرقام المقدمة توضح أن هناك إعادة للنظر في الأهداف الكبرى المسطرة في رؤية 2010 للتنمية السياحية. لأول مرة يعلن وزير السياحة محمد بوسعيد أن هدف بلوغ 85 ألف سرير في أفق 2010 كان «هدفا غير واقعي ولا يعكس إمكانيات البلاد»، وأعلن بالمقابل أن أقصى ما يمكن تحقيقه هو 34720 سريرا لكن في العام 2016، وليس 2010، أي أن المغرب لن يحقق في السنة القادمة أكثر من 25 % من توقعاته، وهذا الرقم بعيد كل البعد عما ظلت حكومة إدريس جطو ووزير السياحة فيها عادل الدويري يرددونه لسنوات، وواصلت حكومة عباس الفاسي الحديث لفترة عن نفس الأهداف قبل أن يتبين لها أن الواقع لا يعكس الأرقام المعلن عنها. تصريح المسؤول الحكومي جاء خلال لقاء إعلامي عقده زوال أول أمس الاثنين بالدار البيضاء، خصص لتقديم الوضعية الحالية لرؤية 2010 والأوراش المتعلقة بالمخطط الأزرق. وحاول الوزير بوسعيد أن يضفي على اللقاء طابعا تفاؤليا، بحيث أكد أن المخطط الأزرق حمل عدة إيجابيات، منها دفع نمو القطاع السياحي إلى الأعلى وذلك بالتحاق عدة مستثمرين خواص في إنشاء مشاريع سياحية، لما اتضح أن الدولة وضعت القطاع السياحي ضمن أولوياتها وخصته بتحفيزات ضريبية، مما سيمكن المغرب من تحقيق 200 ألف سرير في أفق 2010، عوض 230 ألف سرير كما كان مرتقباً، بمعنى أن المبادرات الخاصة عوضت عن تأخير الأشغال في عدة محطات من المخطط الأزرق. وتركزت أسئلة الصحافيين حول تأخر الأشغال ببعض المحطات الشاطئية، و«هروب» مجهزين لمحطات أخرى، وهي أمور قد ترجع إلى ضبابية تفويت بعض المحطات كتاغزوت وليكسوس، فمحطة ليكسوس التي سبق وفوتت ل «طوماس وبيرون» على مساحة 462 هكتاراً لم ينجز منها شيء وعادت الدولة لتمنح حق التجهيز لمغاربة وهما «أليانس» وصندوق الاستثمار «بارتنر»، وهكذا يسير هذا المشروع على منوال محطة السعيدية التي كادت أن تتوقف بعد أن أفلست «فاديسا» فتدخل فاعل مغربي آخر هو «الضحى» لينقذ الموقف، الشيء الذي أثنى عليه الوزير كثيرا. أما محطة تاغزوت التي يطلق عليها الإعلاميون المحطة اللغز فمازالت تتخبط بين سحب الترخيص من هذا المجزئ و«هروب» ذاك المستثمر.. وهو لغز بدا أن الوزير وفريقه عاجزان عن فك طلاسيمه. لقد انسحب الأمريكي «كلوني كابيتل» الذي استقدمه الوزير السابق عادل الدويري وتم تقديمه على أنه الفاعل السياحي الذي سيغير معالم محطة تاغزوت، لكن الأزمة العالمية قضت على هذه الآمال. وبمحطة الشاطئ الأبيض جنوب مدينة كلميم، حيث تم تفويت المشروع الممتد على مساحة 695 هكتارا إلى الفاعل الدولي «فاديسا»، فيبدو أن مصير هذا المشروع سيكون هو نفس مصير محطة تاغزوت، بحيث إن «فاديسا» تركز كل مجهودها نحو السعيدية، في وقت لم تنطلق فيه بعد بالشاطئ الأبيض، وكل الاحتمالات تتجه إلى عدم تمكن «فاديسا» من ذلك، لذلك بدأت الدولة تفكر في حلول بديلة قد يصعب إيجادها في هذه الظرفية الصعبة. كمال بنسودة، مدير مرصد السياحة، قال إن السياحة المغربية تعاني من هشاشة بنيتها، بحيث تعتمد على سوقي فرنسا وإسبانيا اللذان يشكلان ثلثي مجموع السياح، كما أن وجهتي مراكش وأكادير هما قطبا السياحة المغربية، ودعا إلى ضرورة تنويع الأسواق والاعتناء بالوجهات المغربية الأخرى، مذكراً في سياق آخر بأنه على الفاعلين السياحيين أن يبقوا حذرين خلال الصيف القادم ما دام شهر رمضان سيحل منتصف شهر غشت وهو شهر الذروة بالنسبة للعطل. وذكر الوزير بوسعيد بأنه يصعب على أي كان أن يتنبأ بمستقبل السياحة أو توقيت اجتياز الأزمة قائلا: «الرؤية غير واضحة والأصعب ما زال في انتظارنا»، لكنه أراد أن يختم بنبرة تفاؤلية قائلا إن المغرب أصبح يعد مرجعاً سياحياً وإن سياحتنا لا تعيش أزمة لكنه مجرد تراجع، يجب أن تتكاثف الجهود للتغلب عليه. خلال اللقاء قدم أطر الوزارة عرضا حول الأداء السياحي خلال الثلاثة أشهر الأولى من السنة الجارية، بحيث سجل ارتفاع لعدد السياح ب 4,4 %، لكن مع تقلص عدد الليالي ب 7 %، وهذا ما فسره الوزير بعادة جديدة في استهلاك السياح الذين أصبحوا يتوجهون إلى الرياضات والفيلات التي تنافس الفنادق ولا يندرج نشاطها ضمن الإحصائيات الرسمية. ويتضح أن مراكش هي التي تضررت أكثر، بحيث فقدت 15 نقطة في معدل المبيت، وتقلص حجم نسبة ملء الفنادق من 42 % إلى 27 % فقط، وعزت الوزارة ذلك إلى تعدد عروض الاستقبال الموازية للفنادق، إضافة إلى تشييد عشرات الفنادق وتأثير الأزمة بشكل مباشر على حجم الوافدين من السياح، لكن كذلك إلى السمعة التي أصبحت تطبع المدينة الحمراء بخصوص غلاء أسعار منتوجها السياحي.