على الرغم من الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلدان المصدرة للسياح، فإن السياحة المغربية تواصل تأكيد قدرتها على امتصاص الصدمات، بتحقيقها لأرقام مشجعة تكشف عن طموحات كبيرة خلال السنوات المقبلة. وشكلت المناظرة الوطنية التاسعة للسياحة، التي انعقدت الجمعة الماضي بالسعيدية، مناسبة سانحة لإبراز أن السياحة الوطنية بصحة جيدة، وأن الأزمة العالمية بعيدة عن كل البعد عن التأثير على الإرادة المشتركة للقطاعين العام والخاص للمضي في إطار التزاماتهما لتطوير الصناعة السياحية الوطنية بشكل أمثل. وكان وزير السياحة والصناعة التقليدية السيد محمد بوسعيد ورئيس الفدرالية الوطنية للسياحة عثمان شريف العلمي قد أكدا خلال افتتاح المناظرة التاسعة أن «95 بالمائة من الالتزامات التي تمت اعتمادها في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص خلال مناظرة تطوان، تم تحقيقها". وأشار بوسعيد إلى أن "الإبقاء على دينامية الاستثمار السياحي التي أطلقتها رؤية2010 وتعبئة شركائنا تعد التحديات الرئيسية التي يتعين علينا رفعها برسم الفترة2009 -2010 " . ٭أرقام مشجعة على مستوى الاستثمارات: منذ المناظرة الوطنية الأولى للسياحة (مراكش2001 ) وبفضل التعبئة التي تمت حول رؤية2010 ، تم توقيع أزيد من120 اتفاقية استثمار واتفاقية إطار بين الحكومة وحوالي100 منعش سياحي وطني ودولي، حسب أرقام نشرت خلال مناظرة السعيدية. هذه الاستثمارات تفوق ال100 مليار درهم، وستمكن من إحداث165 ألف سرير و58 ألف منصب شغل مباشر. وسجلت سنة2009 حصيلة استثمار سياحي بقيمة11 مليون درهم، في مقابل 8 ملايير تم تسجيلها خلال2008 ، تهم إحداث12 ألف و64 سريرا، و2250 منصب شغل. وتعكس هذه الأرقام قدرة المغرب على الإبقاء على جاذبيته لدى المؤسسات الفندقية الكبرى على الرغم من الأزمة، حيث وفتحت سلاسل فندقية عريقة من قبيل (رافل، إيبروستار، ماريوت، أكور، لوسيان باريير، لوفر أوتيل، فور سيزنس، إنتركونتينونتال...) أبوابها برسم سنتي2008 و2009 . وهناك رقم آخر يحمل دلالة أكبر ، ويعكس وتيرة إحداث الأسرة التي بلغت خلال السنوات الأخيرة9000 سرير. ويؤكد المهنيون أن الوتيرة سيتم تسريعها خلال السنوات الأربع المقبلة، لتبلع18 ألف سرير سنويا في الفنادق المصنفة. ٭ استراتيجية إرادية وطموحة: تحققت هذه النتائج بفضل انخراط قوي لمختلف الفاعلين الخواص والعموميين في مختلف المجالات المرتبطة بالقطاع ولكن أيضا بفضل استراتيجية إرادية وطموحة تهم أربعة محاور تتمثل في الدينامية التجارية والصناعية والمالية والمؤسساتية. ويمثل"مخطط أزور" الذي يشكل القاعدة الأساس لهذه الاستراتيجية السياحية في مجال تطوير المنتوج السياحي الشاطئي والذي أطلق جلالة الملك محمد السادس المحطة الأولى منه الجمعة الماضي ، إجراء جديدا يهدف إلى تشييد محطات شاطئية مدمجة من جيل جديد. وقد خلق نجاح هذا المخطط، الذي ينصب اليوم على إنجاز ست محطات بدل الأربع المقررة أصلا، دينامية جديدة مما أدى إلى بروز مشاريع جديدة خاصة باولاد شبيكة بجهة طانطان وكالا إريس (الحسيمة). وسترى النور محطة أخرى لمخطط أزور (مازاكان بالجديدة) خلال السنة الجارية، فيما ستفتتح أخريان هما ليكسوس بالعرائش ، وموغادور بالصويرة السنة المقبلة مما ستكون له تاثيرات إيجابية على التنمية والتشغيل في هذه المناطق. ٭ مخطط تفاعلي للتصدي لتأثيرات الأزمة لقد وضعت وزارة السياحة والصناعة التقليدية مخططا (كاب2009 ) لاستباق التأثيرات المحتملة التي يمكن أن تكون للأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني. وحسب واضعي المخطط، فإنه يهيئ أيضا للخروج من الأزمة عبر الحفاظ على جاذبية القطاع، وتعزيز أجزاء السوق العالمية على مستوى البلدان المصدرة التقليدية. وينقسم إلى محورين منفصلين يتعلق الأول بتعزيز الإنعاش والتواصل. وقد خصص غلاف مالي ب100 مليون درهم بأجزاء متساوية من قبل القطاع الخاص والحكومة لإنجاح هذه العملية، فيما يهم الثاني الإجراءات الظرفية والبنيوية الإضافية. وخصص غلاف إجمالي ب300 مليون درهم لتعزيز الرؤية في الأسواق التقليدية ولكن أيضا في الأقطاب الجديدة للتنمية (روسيا، البلدان الشرقية، الشرق الأوسط) وتحريك النشاط الجوي عبر عقود للتسويق المشترك، ووضع مخطط خاص بمراكش يمثل40 في المائة من النشاط السياحي الوطني. ٭ رؤية 2020 لتعزيز المكتسبات. ومن أجل رفع المكتسبات إلى الحد الأقصى والحفاظ على الدينامية التي أطلقتها رؤية2010 (ارتفاع الوصولات إلى7 في المائة في2008 بحوالي8 ملايين زائر)، قرر المغرب أن يعتمد مقاربة استراتيجية تمنح رؤية استشرافية للقطاع السياحي في أفق 2020 عبر تشييد طلب صلب ومختلف ومتنوع. وكان جلالة الملك محمد السادس قد أكد في رسالة إلى المشاركين في أشغال الدورة الوطنية التاسعة للسياحة أنه "ينبغي للحكومة أن تنكب قبل نهاية هذه السنة على بلورة رؤية سياحية مستقبلية في أفق2020 ، رؤية مضبوطة عمادها الواقعية وغايتها تعزيز المكاسب الهامة التي تحققت في إطار تفعيل رؤية2010 ، وقوامها استخلاص العبر والدروس من جوانب ضعفها ونواقصها". وستتم إقامة هذه الرؤية الجديدة بناء على مقاربة تصاعدية ترابية، ستتوصل إلى مخططات جهوية للتنمية السياحية. وستأخذ هذه الرؤية أيضا بعين الاعتبار حالة الطلب الدولي والمنافسة في أفق2020 ولكن أيضا متطلبات السياحة الدائمة بهدف الحفاظ على الموارد الطبيعية والتراثية الوطنية. وقد تم إحداث لجنة منذ انطلاق الدراسة المتعلقة بهذه الرؤية التي تحضر للسياسة السياحية الجديدة للبلاد. (وم.ع)