بقلم : عادل دريدر [email protected] عندما نقلت إلينا شاشات التلفزيون صور جنود مصريين يلحقون بفلول من المحتجين، فيستفردون ببعضهم و هم عزل من أي سلاح، فتتجمع عصابة منهم [العصابة هنا بمعنييها اللغوي و الاصطلاحي] حول امرأة لا حول لها و لا قوة سقطت على الأرض و انكشفت عورتها، لتبدأ معها لعبة هيجانهم و غضبهم..الرفس و الركل بتلك الأحذية النتنة في جميع مناطق الجسم دون مراعاة لضعفها أو أنوثتها، حتى أصبحت المسكينة مثل قنفذ بئيس أزيل عنه شوكه فتقوقع على نفسه ينتظر نهايته و رحمة ربه. لقد تساءلنا هل هؤلاء فعلا هم الجنود الذين كانت ثورة مصر تفخر بهم و تصفهم بحماة الأهل و الديار الذين انتصروا لقيم الحق و العدالة و رفضوا أن يقتلوا شعبا انتفض ضد طاغيته؟ ما الذي يعنيه أن يتصرف جنود بمثل هذه الطريقة الوحشية، فيحرقوا الخيام عوض جمعها، و ينهالوا بالضرب الجماعي الجنوني على جسد امرأة أو طفل أو شاب أعزل من السلاح، عوض أن يعتقلوا المتهم و يحترموا آدميته؟ لا نجد تفسيرا ملائما لمثل هذا السلوك إلا أن هذه الكائنات البشرية التي ترتدي بدلات عسكرية أو ما شابهها، تعاني من حالة نفسية شديدة النعقيد، نسجت الدولة الأمنية خيوطها بعناية فائقة لتؤدي وظيفة واحدة و محددة بدقة...إرهاب « العدو» الذي يعد مسؤولا عن كل ما أصاب و يصيب هذه الفئة من ظلم و معاناة. إن رجل الأمن( الذي لا يحس بالأمن!) لم يعد معنيا بتوفير الأمن و تطبيق القانون أو حتى إنزال العقاب بمن يهدد الأمن الجماعي أو الفردي، بقدرما هو معني في الأول و الأخير بالانتقام..لأن المدرسة التي تخرج مثله، عملت على برمجته و زرع قناعة في داخله مفادها أن الذي لا يرتدي مثل بذلته، هو أحق أن يبتذل و يهان و يعذب و ينكل به، ما دام هو سبب البعد المستمر عن الأهل و الولد، و سبب هزالة الرواتب و سبب الشتم و الضرب والصفع و العقوبات المتوالية التي يكرمه بها رؤساؤه!.إن الآخر باختصار هو العدو بل هو المأساة بعينها! الوقائع التي نشاهده تؤكد لنا مثل هذه المقولات النظرية، فأنا أذكر أنني شاهدت، في عاصمة بلدنا الحبيب، كيف كان يتم تكديس أفراد من قوات مكافحة الشغب في حافلات و شاحنات، و كيف كان يتعمد رؤساؤهم اختيار أماكن لم يجعل الله لها من دون الشمس سترا، فيمنعوا على الجنود مغادرة مقاعدهم و الخروج من الحافلة أو الشاحنة التي تشتعل حرارة لاستنشاق كمية من الهواء النقي أو لأخذ قسط من الراحة أو حتى لقضاء الحاجة! و أتذكر أنهم كانوا،لساعات طوال، ينظرون من خلف زجاج نوافذهم إلى المدنيين الذين تجمهروا و هم يهتفون بحناجرهم و يحتجون. لقد كان حلم العودة إلى البيت و إطفاء ثورة الجوع و العطش و التعب و«البول» -أعزكم الله-، كان هذا الحلم يتحقق بمقدرا اقتراب ساعة الصفر، التي يؤذن لهم فيها، فينطلقون ليتفننوا في إيذاء الكائنات المدنية المزعجة و قمع رغبتها في التجمهر و الهتاف. إن مثل هذه الحالة النفسية تجعل صاحبها يتحرر بسهولة من أي حمولة أخلاقية يمكن أن تعرقل رغبة الانتقام و عملية تفريغ شحنات الغضب و اليأس...لقد نجحت الدولة إذن في تحويل جزء من مواطنيها إلى آلات مستلبة لا تفكر و لا تحلل و لكن تطيع الأمر ثم تنفذ. لهذا عندما تلقى كتاب" الأمير" سيلا من الانتقادات بلغت حد اتهام مؤلفه بالزندقة و الكفر ما دام يقول بأن الدولة لا دين لها غير إحكام سيطرتها و قبضتها و الحفاظ على استمراريتها، عندئذ حاول البعض الآخر إنصاف ميكيافيللي و تبرئته على أساس أنه لم يفعل شيئا سوى أنه وصف السياسة "عارية" بوجهها القبيح كما تمارس فعلا على أرض الواقع و ليس كما ينظر لها في الكتب و الدساتير. ماذا سيفعل كل وجه قبيح يا ترى بعدما ثار أعداؤه الذين كان يكمم أفواههم و أمعاءهم و أفكارهم؟ هل يملك مقدارا من الجرأة و عزة النفس ليقنع نفسه أولا ثم يقنع بعدها عشيرته التي ضاقت بقبحه ذرعا، فيجمع ما تيسر من أغراضه و يهيم على وجهه في أرض الله الواسعة؟ أم يصر على خوض النزال إلى آخره تماما، فإما أن يبيد شعبا و يشرب قهوته الساخنة و هو يستمع إلى خرير دمائه المتدفقة مثل الأنهار، أو يموت، كما يتخيل نفسه، بطلا مبجلا، و لا يهم عندئذ أن يواريه قومه التراب...أو يلقون بجثته للكلاب. و لله في خلقه شؤون، و له الأمر من قبل و من بعد و هو العزيز القدير.