و أخيرا أسدل الستار على أسطورة القذافي..انتهى العرض المسرحي بعد أن قتل الساموراي الأخير..و قتلت معه عقيدة الاستكبار و التعنت و التأله التي ما فتئ القران الكريم يحذر البشر من عقوبتها..لكنها استحكمت في ساموراي ليبيا الذي خال نفسه قائدا بالفطرة و ينبغي له أن يخلد و يموت قائدا و بطلا..فكان، و هو الذي يصلي بالناس وقتما يشاء صلوات بسور طوال، يمر على ما احتفظ لنا به القران من عبر لأقوام و أناس أوتوا من القوة و البأس الشديد و المال ما لم يؤت أحد من العالمين، و كيف انتهى بهم المطاف بالإغراق و الخسف و النهايات البشعة، لعل من يخلفهم يقرأ في قصصهم سنن الله الكونية و العمرانية التي أودعها عز و جل في عالمنا. و لكن الوهم عندما يستبد بصاحبه، يوسع من أفق رؤيته فيرى ما لا يرى الناس ( ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد) آية، و يجعل من نفسه الاستثناء الذي يشذ عن كل قاعدة، بل يصير ه هو نفسه قاعدة يشذ عنها ما سواها ..ما أسوأها من خاتمة! أن تقع أسيرا ذليلا بين أيدي من كنت تصفهم بالجرذان و العملاء الجبناء الذين يقتاتون من خشاش الأرض و أفيون القاعدة..أن تقع أيها الساموراي الذي كنت طيلة سنوات حكمك الطوال تزهو مثل الطاووس بلباس المجد و الخيلاء..و أنفك لا يلتقط جزيئات الأوكسجين إلا من علياء السماء..أنت الذي كنت تسخر من الملوك و الأمراء، و تتفضل على أبناء شعبك، الذي أنعمت عليهم السماء بقائد ملهم مثلك، بخطب مجلجلة تأسر قلوبهم و تذكي حماستهم قبل أن تلفح أشعة الشمس المحرقة وجوههم و تذوب عقولهم التي في رؤوسهم، بينما أنت تصيح بأعلى صوتك من تحت مظلة مكيفة و من فوق منصة عالية تجعلك لا ترى إلا رؤوسا ..و بغالا قد أينعت و حان ركوبها !..أنت أيها الساموراي الذي جئت إلى شعبك تسعى من ساحات الوغى ..جئت لتخلصهم من العبء الذي كان يجثم فوق صدورهم...و تبشرهم بأفكارك و كتابك الأخضر..كما يبشر نبي قومه بجنة نعيم و ينذرهم في الوقت نفسه بين يديه عذاب شديد..ها أنت تسقط وحيدا خائفا مذعورا تتمرغ في دمائك و ذكرياتك..و تتمنى في داخلك لو أن الأرض انشقت و ابتلعتك قبل أن تستجدي العطف و الرحمة من أعدائك الذين يتراقصون حولك فرحا بالظفر بك كما يتراقص الأكلة حول قصعتهم..و ها هو العالم الذي كان يقول يا ليت لنا مثل ما أوتي القذافي إنه لذو حظ عظيم !يقول الآن و يكأنه لا يفلح المتجبرون..و ها أنت تحمل بين أيديهم مثل خروف عيد ينتظره الموعد الأليم..و هو يحدق بشرود في عيني من سيجهز عليه..و لسان حاله يقول ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)آية..لقد علمت بعد أن فات الأوان أن القوة لله وحده و أنه تعالى يؤتي الملك من يشاء و ينزعه ممن يشاء...وأنك في حقيقتك لا تملك شيئا...كم كنا نكرهك أيها الساموراي و نمقت عجرفتك و نستهزئ من حماقاتك و طرائفك...و كم كنا ننتظر بفارغ الصبر نهايتك عندما أخذت تبيد شعبا..تيتم شعبا..ترمل شعبا..من أجل حظوة نفس ..و غرور..و عزة بالإثم..و في الوقت نفسه، كم أشفقنا عليك و نحن ننظر بأم أعيننا نهاية مأساوية لساموراي من ورق..ننظر إلى إهانة كان ينبغي لمرتكبيها أن يحترموا صفة الإنسان في الإنسان و لو كان كالأنعام أو أضل سبيلا..ننظر إلى انتقام قاس كان ينبغي لأصحابه أن يجعلوه عقوبة و قصاصا تنفذه العدالة التي ينشدونها و يسهر عليه النظام الذي يحاربون من أجله، و ليس رغبة جنونية أعمت القلوب و العقول..ننظر إلى أسير ذليل يجهز عليه، و تتلاعب الأيدي العابثة بجثته و تلتقط لها صور للتذكر و الفخر و الشماتة!..و كان ينبغي أن تحترم فيها الإنسانية التي نشترك فيها جميعا أحياءا كنا أو أمواتا..حتى لا نسيء إلى أنفسنا ..و حتى إذا ما أشرقت علينا شمس يوم جديد، و تذكرنا كيف كنا و كيف أصبحنا..علمنا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، و هو القوي العزيز.