كيف تستوي الطريق نحو القمة؟ و من يعبد تلك الطريق نحو قشدة المجتمع؟ و كيف يصير بالامكان احتلال موقع ما ضمن خارطة الذين هم فوق؟ بهذه الأسئلة يبدأ عبد الرحيم العطري بحثه عن حقيقة السبل المؤدية إلى فضاءات صنع القرار و حياكة اللعب السياسية الكبرى. و حتى يصل إلى جواب شاف و كاف لهذا السيل الغزير من الأسئلة يضع الكاتب مسألة أساسية و ضرورية موضع نقاش، ألا و هي الكشف عن شروط انتاج و إعادة انتاج النخبة؟؟ يقر الباحث العطري كون طرح من هذا النوع لا يمكن الاكتفاء فيه بإجابات نابعة من اجتهادات فكرية فردية كانت أو جماعية كسولة و اختزالية، بل هي رهان يتوجب على الفكر السوسيولوجي المتسم بالجرأة و التأصيل، أن يصل لفك شفراته المعقدة كتعقيد بنية المجتمع المغربي نفسه. جرأة هذا الفكر تتجلى في التفكيك و الاجتياح ألقصدي لمناطق الظل و العتمة المسكوت عنها باستمرار. لقد احتلت النخب دوما مكانة مركزية في الهرم السياسي، و كانت مساهمة بدرجة عليا في تدبير صراعات النسق المجتمعي و تحولاته، و هو ما جعلها تحظى بكثير من الاهتمام من لدن مسيري و مالكي هذه الأنساق. وبذلك توزعت وظيفتها بين المباركة و الدفع بإعادة انتاج نفس الأوضاع من جهة و بين المعارضة و الدعوة إلى التغيير من جهة ثانية. هاتان الوظيفتان المتناقضتان جعلتا من النخبة فئة مخطوبة الود أو مستهدفة بالحصار و القمع حسب اختيارها و مواقفها من إشارات و أوامر مسيري ذات الحقول. حتى تتضح الأمور أكثر للقارئ عمد الكاتب إلى إقحام مثال الاستوزار بالمغرب، فجعل هذه الثيمة محط تساؤلات من قبيل : - من بمقدوره بلوغ درجة الوزير و المساهمة بالتالي في صنع القرار؟ - هل في مقدور أي كان أن يتخطى المتاريس الطبقية و يرضي نخبة النخبة ليكون وزيرا؟ - هل هناك شروط محددة سلفا لإنتاج و إعادة إنتاج الوزراء في المغرب؟ - كيف بالتالي يصير المرء وزيرا في المغرب؟ يسوق في هذا المنوال الباحث العطري مثالا لدراسة في هذا المجال قامت بها الأستاذة أمينة المسعودي بعنوان " الوزراء في النظام السياسي المغربي" حددت فيها الشروط الضرورية لانتاج هذا النوع من النخبة " الوزراء" و منها : - الأصل النبيل - المال - الرضا المخزني فمن خلال الدراسة السالفة تبين بأن الوصول إلى منصب الوزير ظل و إلى حد بعيد حكرا على الأفراد المتحدرين من العائلات الفاسية و الرباطية الراقية و المسلحة بالمال و الرساميل الثقافية و الاجتماعية. فقد هيمنت هذه الأسر منذ قرون خلت على الحياة الثقافية و التجارية في العواصم الشمالية للمملكة و هو ما مكنها من التحكم الشبه التام في مختلف مفاصل الحياة الاقتصادية و السياسية راكمت خلالها و لزمن طويل سلطا مادية و رمزية تجعل من اليسير جدا أن تشرع كل أبواب القرار في وجهها.