* باحث في علم السياسة بمراكش من خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها مجموعة من الدول العربية جراء الانتفاضات الشعبية العفوية التي أطاحت ببعض الأنظمة السياسية وتحرير شعوبها من مظاهر التخلف والاستبداد الذي باتت ترزح تحته ردحا من الزمن. بدأت بوادر التغيير تطفو على السطح محليا وجهويا ودوليا مطالبة بمزيد من الانفتاح السياسي والديمقراطي والإصلاح الاقتصادي والدستوري ,من اجل إشراك الشعب في عملية صنع القرار السياسي ومحاربة الفساد السياسي الذي استشرى كثيرا في الكثير من الأنظمة السياسية العربية بصفة خاصة والعالمثالثية بصفة عامة.وبطبيعة الحال لم يكن المغرب بعيدا من التأثر بهذه المتغيرات الجيو-إستراتيجية إما بحكم الجوار ( كدولة من دول شمال إفريقيا) أو بحكم تشابه ظروفه الاقتصادية والاجتماعية مع العديد من هذه الدول. فكثرة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي بات يعاني منها المجتمع المغربي جراء ارتفاع نسب البطالة في صفوف الشباب وتدني مستويات العيش في المدن والقرى المغربية وتزايد معدلات الجريمة والانحلال الاجتماعي وكثرة الإضرابات في القطاعين العام والخاص وتزايد مصادر الاحتجاجات الشعبية جعل الشارع المغربي قاب قوسين أو أدنى من الانفجار.فعبر المجتمع المغربي عن موقفه الاحتجاجي من خلال الخرجات العفوية التي قادها مجموعة من الشباب في شكل خرجات أطلق عليها حركة 20 فبراير.لم تكن هذه الحركة وليدة تنظيم سياسي أو مؤسساتي مسبق بل كانت وليدة العالم الافتراضي (الفايسبوك على شبكة الإنترنيت) الذي وحد جميع مكونات المجتمع على كلمة واحدة هي "نعم لمطلب الإصلاح ومحاربة الفساد".لم يكن هذا المطلب وليد حركة 20 فبراير بل كان مطلب جميع مكونات قوى الشعب المغربي من أحزاب ومؤسسات المجتمع المدني من قبل,إلا أن عدم توحد هذه القوى بنفس الطريقة التي توحدت بها فيما يسمى بحركة 20 فبراير والمزايدات السياسية التي كانت تمارسها بعض الأحزاب السياسية على أفراد الشعب لم يجعل من تحقيق مطلب الإصلاح ومحاربة الفساد مطلبا ملحا وهدفا جديا يجب تحقيقه مهما كلف الثمن مثلما أصبح الحال اليوم ,وخصوصا بعد الحراك لشعبي وغليان الشارع الوطني الذي تزامن مع ما شاهدته بعض الأنظمة المجاورة من هزات سياسية.بل كان مطلبا يشهر به في فترات معينة كفترة الانتخابات مما جعل المواطن المغربي يفقد الثقة في دور الأحزاب والمؤسسات خصوصا بعدما جربت أحزاب المعارضة دورها في تسيير الشأن العام مع تنصيب ما عرف آنذاك بحكومة التناوب السياسي سنة 1998 بزعامة الاتحاد الاشتراكي في شخص زعيمه عبد الرحمان اليوسفي. إذ لم يعد هناك خيار آخر أمام المواطن أمام فشل أحزاب المعارضة في تغيير الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد توليها إدارة الشأن العام سوى مقاطعة الانتخابات وهجران أو عزوف العمل الحزبي والسياسي لأنه لم تعد فيه فائدة حسب قناعات هذا المواطن بعدما جرب كل الخيارات. لا يمكن أن نختزل التحرك والحراك السياسي والاجتماعي وكذا الغليان الشعبي الذي بات يعرفه الشارع المغربي في الآونة الأخيرة وخصوصا منذ نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي في ما يسمى اليوم بحركة 20 فبراير,لأن هذه الحركة هي جزء من الشعب الذي كتم غضبه الى حين ,وبالتالي فالمواطنون الذي خرجوا للشارع بصفة قوية ابتداء من 20 فبراير للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد يتكونون من شرائح اجتماعية مختلفة من حيث الانتماء السياسي والتوجه الإيديولوجي منهم اليساريون ومنهم الإسلاميون ومنهم المواطنون العاديون غير المنتمون ومنهم العمال والنقابيون ومنهم اليمينيون ومنهم الفقراء والمهمشون ومنهم الطلبة والمعطلون ومنهم الموظفون والمتقاعدون....الخ.مظهر الاختلاف بين التحركات التي كانت تخرج من حين الى حين وفي مناسبات معينة قبل 20 من فبراير والتحركات التي ظهرت بقوة منذ 20 من فبراير هي أن هذه الأخيرة وجدت لها سند نفسي في الثورات الشعبية التي انطلقت قبلها في أرجاء الوطن العربي ناهيك عن عدم تبنيها من قبل أي توجه سياسي حزبيا كان أو نقابة بل وجدت ضالتها في التواصل عبر شبكة الانترنيت لتوحيد صفها ورفع مطالبها بعيدا عن وصاية الأحزاب السياسية والنقابات والحركات الإسلامية .بعدما كسرت ثورة تونس جدار صمت الشعوب وتصحيح أخطاء الحكام والمسؤولين.ناهيك عن التراكمات التي ظلت بمثابة نار تحت الرماد نتيجة للإختلالات السياسية والاقتصادية التي عرفها وظل يعرفها المجتمع المغربي منذ مدة طويلة والتي لم يكن بمقدور المجتمع التعبير عن رفضها بنفس الطريقة التي عبر عنها منذ 20 فبراير نتيجة قمع السلطة وسيطرة الدولة على المجتمع دون التفكير في حلول موضوعية من جانب الدولة لهذه الاختلالات,مما أدى الى كبت هذه المطالب وتراكمها سنة بعد أخرى دون أن يفكر الفاعلون السياسيون في تغيير طريقة عملهم وطريقة تعاطيهم مع شؤون الدولة والمجتمع,فكانت النتيجة أن خرجت الحشود من الجماهير الشعبية في جميع أنحاء الوطن لإسماع صوتها للفاعلين الذين همشوها ولم يستشيروها يوما في صناعة القرار السياسي إلا إذا تطلب الأمر المطالبة بأصواتهم في العمليات الانتخابية أو الاستفتاءات الدستورية. أمام هذا الواقع المبني على تغييب الشعب كمصدر من مصادر السيادة الوطنية والشعبية في عملية صنع القرار السياسي وتسيير شؤون الدولة والمجتمع, كان لابد أن يكون رد فعل الشارع شيئا أكيدا مهما طال الزمن أو قصر فتزامنت حركية الشعب مع السياق السياسي العربي المطبوع بالثورات الشعبية والسياق الوطني المطبوع ببعض الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعدما ظل المجتمع يؤجل انتفاضته الى اجل غير مسمى فخرجت حركة 20 فبراير التي أراد البعض أن يختزل فيها بداية ثورة المجتمع على الفساد والمطالبة بالإصلاح. لكن السؤال المطروح هو هل حركة 20 فبراير تعتبر حركة ديمقراطية؟ هل تملك الشرعية لتمثيل الشعب في مطالبه؟وهل طبيعة وطريقة تشكيلها تتماشى مع قواعد الممارسة الديمقراطية؟كيف يمكن لهذه الحركة أن تدلي برأيها في عملية الإصلاح السياسي والدستوري إذا ما اعتبرنا أن من يملك إبداء رأيه في عملية الإصلاح يجب عليه أن يتوفر على مصدر من مصادر التمثيلية المؤسساتية أو الشعبية؟وهل تتوفر في عناصر هذه الحركة الشروط الموضوعية والقانونية لتمثيل الرأي العام الوطني في المساهمة في عملية الإصلاح؟. إذا احتكمنا الى قواعد الديمقراطية التي تنطلق منها مطالب الحركات الاحتجاجية المجسدة في حركة 20 فبراير الأخيرة,وإذا أردنا أن ننطلق في المسار الصحيح للإصلاح بدل تشويهه كما تم من قبل وأردنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها لا يمكننا أن نسمي حركة 20 فبراير بحركة ديمقراطية لها الصفة الشرعية لتمثيل الشعب في التعبير عن مطالبه الإصلاحية وتقديمها في شكل مقترحات للجهات المعنية بوضع الدستور وصياغة ميثاق التعاقد السياسي.بكل بساطة لأنها لم تكن منتخبة ولا تملك قرار تفويض من قبل الشعب يخول لها الحديث باسمه والتعبير عن مطالبه وأمنياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية,كما أنها ليست مؤسسة أو تنظيم أسس وفق المساطر القانونية المعترف بها طبقا لقانون أو ظهير 1958 المنظم للحريات وتأسيس الجمعيات والمنظمات السياسية والمدنية بموجبه يمكن لهذه الحركة أن تفرض نفسها وذاتها على السلطة طبقا للقانون الذي يبقى الفيصل والحكم بين الجميع في أية دولة أو شعب يتوق الى تكريس قواعد الديمقراطية في طرق تدبير شؤونه السياسية والاقتصادية.بل الحركة هي نتاج عالم افتراضي غير خاضع لضوابط القانون والرقابة القبلية منها والبعدية رغم أنها تحمل هموم ومطالب نابعة من واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي معين.قد يتفق الجميع اليوم مع جميع المطالب التي رفعت في الخرجات التي دعت لها مؤخرا ما يسمى بحركة 20 فبراير لكن لا احد ينكر أن الحركة لا تملك أو تفتقد الى قناة قانونية لتمرير مطالبها بقوة الى المؤسسات المعنية رغم أن الدولة قد تأخذ بعين الاعتبار هذه المطالب وتتجاوب مع بعضها كما لاحظنا مؤخرا ( إطلاق سراح المعتقلين السياسيين-مراجعة الدستور كما جاء في الخطاب الملكي بتاريخ 9 مارس 2011- توظيف بعض حاملي الشهادات العليا في أسلاك الوظيفة العمومية....الخ),لان هذه المطالب تبقى مطالب الشعب المغربي برمته لا يمكن أن تختزل في ما يسمى بحركة 20 فبراير رغم تفاعل جميع الشرائح الاجتماعية مع الحركة لان استجابة الدولة لهذه المطالب رهين بقوة ما يسمى بحركة 20 فبراير وقوة هذه الحركة رهين هو الأخر بتنظيم الحركة في شكل تنظيم سياسي آو مدني يضمن لها بقوة القانون قوة التفاوض وفرض المطالب بل التعبير عنها بطريقة يجعل من الدولة تطرح لها ألف حساب.زد على ذلك فعندما تتمأسس الحركة تصبح لها شرعية ومشروعية للحديث عن مطالب الشعب والمساهمة في صنع الدستور الذي يبقى الوثيقة التي تضمن حقوق الحاكم والمحكوم. فما أشارت له مؤخرا وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة بخصوص أن اللجنة الوطنية لوضع الدستور لم تستمع الى حركة 20 فبراير التي كانت هي السباقة في الآونة الأخيرة الى الخروج للشارع والمطالبة بصفة علنية بمجموعة من المطالب التي ترنو الى إدخال إصلاحات سياسية ودستورية واقتصادية جذرية على الواقع السياسي والاقتصادي المغربي يعتبر تحصيل حاصل,والسبب في عدم استضافة اللجنة لحركة 20 فبراير يكمن في نظرنا في افتقاد هذه الحركة كما أسلفنا للشرعية التنظيمية أو المؤسساتية أو سلطة التفويض من باقي أفراد الشعب المغربي للتعبير باسمهم عن مطالبهم وحتى إذا أرادت اللجنة أن تستضيف الحركة سيطرح عليها مشكل من له الصفة التمثيلية من عناصرها دون الأخر لإبداء رأيه في مراجعة الدستور وكيف سيعبر عن مطالب وأمنيات الشعب في مسالة تعتبر مصيرية من اجلها سقطت أنظمة وقامت أخرى؟. وهل شباب حركة 20 فبراير يملك ثقافة سياسية ودستورية جديدة تمكنه من الإلمام ببعض الأمور الأساسية في تمفصلات اللعبة السياسية؟.وكيف ستنتقل حركة 20 فبراير من حركة خرجت من العالم الافتراضي للشارع بدون تأطير وتنظيم مسبق الى حركة تشارك في التأثير على القرار السياسي من الداخل قبل أن تؤثر فيه من الخارج ؟. نعتقد انه بقدر ما أن حركة 20 فبراير ألحت على مطلب الإصلاحات السياسية والدستورية من خلال خرجاتها الاحتجاجية بقدر ما تبقى حركة مؤثرة من خارج اللعبة السياسية ومن خارج دائرة القرار مادامت لا تتوفر على قناة تنظيمية تؤهلها لتكون طرفا مباشرا في المساهمة تنزيل مطالب الإصلاح مما بنفي عنها صفة حركة ديمقراطية تخول لها تمثيل المجتمع في اقتراح التعديلات التي يراد دسترتها في الدستور آو في ميثاق الحقوق المدنية والسياسية.