على الهاتف المحمول، يرد علي الطرف الثاني من الخط، مصطفى ولد سلمى، القيادي في البوليساريو والمدير المركزي للشرطة، ليحدد مكان المقابلة المرتقبة في الساعة العاشرة ليلاً، في مكان ما من العاصمة المغربية الرباط من أجل إجراء ثاني مقابلة، بعد الأولى التي كانت قبل أيام قليلة فقط في مدينة السمارة في الجنوب المغربي. وجدته ينتظرني في المكان المحدد، يرتدي لباسه الصحراوي الأبيض اللون، راسماً ابتسامة لا تغادره، هادئاً في الحديث، خافت الصوت في الكلام، ومنظم الأفكار في التعبير عما يريد أن يوصله بكل وضوح، بالرغم من كل الالتواءات الصحافية التي حملتها أسئلتي له في جلسة دامت حوالي الساعتين، حملني خلالها إلى الحياة في المخيمات، وإلى ما يطمح إليه كرؤية لحل النزاع في الصحراء، الذي وصفه بالنزاع الذي تقادم، وبالرغبة في أن يرى الصحراويين شعباً واحداً مجتمعاً، بعد أن فرقت بينه سبل نزاع ضحيته الأولى، وفق تعبيره، هم الصحراويون أنفسهم. حاجة إلى وجهة نظر صحراوية في ثاني مقابلة حصرية مع "العربية.نت"، أكد مصطفى ولد سلمى، القيادي في البوليساريو، أن هناك خطاباً مزدوجاً لدى الصحراويين، فوالده مغربي موجود في مدينة السمارة في الجنوب المغربي، بينما هو ولد سلمى، ويقول إنه صحراوي ويريد أن يؤسس دولة، فمن سيصدق العالم، هل هو أم والده؟ فالمبحوث عنه اليوم هو وجهة نظر صحراوية، وفي ملف الصحراء علينا أن ننطلق من ذواتنا قبل أن نطرف أي فكرة على المجتمع الدولي، بحسب تعبير ولد سلمى. فالصحراويون اليوم في مرحلة بحث عن صيغ جديدة ليساهموا جميعاً، ومن دون استثناء، وبديمقراطية، في حل نزاع طال وتقادم، وهم الآن ضحايا هذا النزاع. فالنزاع في الصحراء، بحسب مصطفى ولد سلمى، المدير المركزي للشرطة في البوليساريو، أصبح دولياً بعد أن كان مسلحاً، وذلك في إطار ما كان يتبناه الصحراويون، بأنه كان صراعاً بين المغرب والصحراويين. فالصحراويون اليوم اتضحت لهم الصورة، يفسر القيادي في البوليساريو بأن هناك من يريد أن يستغلهم، لهذا الطرف أو ذلك، فطموح الصحراويين يستغل من قبل الغير ضد منطقتهم. الصراع في الصحراء "طابعه دولي" ويغوص مصطفى ولد سلمى في تحليله للصراع في الصحراء، لينعته بأنه ليس بالصراع بين المغرب وبين الصحراويين، لكنه صراع دولي. فالصحراويون اليوم عصا، وفق تعبيره، تضرب بها المغرب والجزائر من طرف القوى الدولية الكبرى، التي ليس من مصلحتها أن يصبح المغرب والجزائر أصدقاء، وبالتالي هنالك عملية لتغذية هذا النزاع. إلى ذلك، تمنى القيادي في البوليساريو أن تتقدم الدولة المغربية بخطوات إيجابية لتجسيد الخطاب المطروح على الساحة المغربية من قبل أعلى سلطة في البلاد، وهو الملك محمد السادس، لمنح الحكم الذاتي الموسع لمدن المنطقة الصحراوية، وهو حكم ذاتي ليس بالقصري، لكنه موضوع مطروح للتفاوض مع الصحراويين، وفق توصيف ولد سلمى في حديثه ل"العربية.نت". والدعوة يطلقها مصطفى ولد سلمى من خلال مقابلته الحصرية مع "العربية.نت"، بأن الحكم الذاتي يعطي للصحراويين السلطة المحلية فيها حكومة ورئيساً وبرلماناً صحراوياً، وهذا يتسجيب لمطامح الصحراويين، وهو تسيير الصحراويين لشؤونهم. فالصحراويون بحجمهم القليل في العدد سيظلون تابعين في جميع الحالات، والاستقلال معناه أن الصحراويين سيظلون تابعين، وبالتالي فإن مسألة الحفاظ على وحدة الصحراويين الاجتماعية يكفلها مقترح الحكم الذاتي، الذي تقترحه الرباط، كما قال ولد سلمى ل"العربية.نت". خطاب لمصلحة الصحراويين وفي حديثه ل"العربية.نت" في العاصمة الرباط، يتمنى مصطفى ولد سلمى أن ينخرط الصحراويون في توجه جديد يخدم مصلحة الصحراويين، ويكون هاجسهم هو المصلحة الصحراوية فوق كل اعتبار، وليس مصلحة هذا الطرف أو ذاك. ونفى القيادي في البوليساريو أن يكون قد التقى بمسؤولين مغاربة، إلا أنه كشف عن لقاءات جمعته بموظفين صحراويين داخل الدولة المغربية في مستويات متعددة، وناقش معهم ملف الصحراء. ومن جهة ثانية، تمنى مصطفى ولد سلمى، أن تجد النخبة الصحراوية من الاستقلالية في القرار السياسي والشجاعة من أجل الانخراط في أي مشروع جاد يخدمهم مجتمعين، فهو الذي زار بمحض إرادته، بحسب ما اعترف به، في مقابلة مع "العربية.نت"، وشاهد ما نعته بالمغرب المتصالح مع ذاته اليوم، وعالج ملفات الماضي. وتمنى ولد سلمى أن تصلح سياسة جبر الضرر الجماعية في إطار العدالة الانتقالية، التي نفذتها الحكومة المغربية كسياسة تصل لكل الصحراويين، ليقف الصحراويون على أن الصحراء بلد قابل لاستيعابهم جميعاً، بحسب تعبيره. ويذهب مصطفى ولد سلمى إلى أن الصحراويين يتواجدون اليوم في عملية الهدف منها هو أن يحسموا بشكل ديمقراطي وبشكل حر خياراتهم، وهذا الحسم لم يتم بين عشية وضحاها، لأن جانباً من الصحراويين كانوا منقطعين عن العالم وعن نصفهم الآخر المتواجد فوق التراب المغربي. وهذا الانقطاع تسبب في حصول عملية تشويش للأفكار، خاصة مع الانقطاع عن الأرض التي ينتمون لها، ولا تزال لهم فيها ذكريات خاصة، المؤلم منها بعد أن دخل جانب من الصحراويين في خيار العمل المسلح مع المغرب، وسقط فيه الآلاف ضحايا للحرب. وهنا يشير ولد سلمى إلى الحاجة الماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى الشجاعة من قبل الصحراويين أنفسهم أولاً، ومن ثم على المستوى الإقليمي والدولي. وكشف مصطفى ولد سلمى أنه حمل دوماً المسؤولية للمغرب عن الوضع القائم في المخيمات في الوقت الراهن، إلا أنه بعد أن زار المغرب، وأقام فيه حوالي ثلاثة أشهر، تغيرت لديه الصورة. ويبين القيادي الحالي في البوليساريو أن الدول الغربية بتدخلها في ملف الصحراء، شتت المنطقة المغاربية، وهو واقع معاش في المنطقة. ويدق ولد سلمى جرس التنبيه للقضية، مشدداً على أنه يسعى للعودة للمخيمات من أجل إيصال صورة الواقع الذي شاهده في المغرب لعائلته الصغيرة والكبيرة، في مخيمات لحمادة في تندوف. هذا ويرجو ولد سلمى أن ينخرط المغرب في المشروع الإنساني لمساعدة المخيمات، وسكانها، فالخطاب الرسمي المغربي، وفق تعبير ولد سلمى، يعتبر سكان المخيمات مواطنون مغاربة. 57 فروا من المخيمات من جهة ثانية، وعلى علاقة بتطورات نزاع الصحراء، كشفت السلطات المغربية عن التحاق 57 صحراوياً قادمين من مخيمات تندوف في البوليساريو عبر المركز الحدودي المسمى ب"الكركارات" المتواجد جغرافياً على بعد حوالي 380 كيلومتراً جنوبي مدينة الداخلة. هذه المجموعة، بحسب ما كشفته السلطات المغربية، حضرت معها 32 امرأة، و5 أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين سنة واحدة و14 سنة، بالإضافة إلى أحد الشيوخ، الذي عاد رفقة أبنائه وزوجته ووالدتها. ويعتبر العائد إلى المغرب من بين زعماء قبائل الصحراء، الذين شاركوا في عملية تحديد التي جرت خلال السنوات الفائتة تحت إشراف من الأممالمتحدة. وبهذه المجموعة الجديدة، التي عادت إلى المغرب، يرتفع عدد الأشخاص الذين عادوا إلى المغرب انطلاقاً من بداية السنة الحالية ويتواجدون حالياً في مدينة العيون، كبرى منطقة المحافظات الصحراوية في الجنوب المغربي؛ إلى 1312 شخصاً. وسبق ل"العربية.نت"، أن التقت حصرياً مرتين متتاليتين، الأولى في مدينة السمارة، والثانية في مدينة الرباط، يوم الجمعة الماضية، بمصطفى ولد سلمى، القيادي في البوليساريو.