بعد بعض الضربات اليدوية الناجحة، كثفت البوليساريو خلال النصف الثاني من السبعينات صراعها المسلح، حيث طبق جيش تحرير الشعب الصحراوي بدقة وتحديد استراتيجيةحرب الضعيف مع القوي وجعل من حرب العصابات سلاحه الحاسم. وقد اعتمد في ذلك على دعم الجزائر التي كانت تقوم بتدريب وتكوين وحداته العسكرية وكذا على عدة آلاف من المقاتلين. فقد كانت البوليساريو خفيفة التسليح ولكنها استفادت جيدا من معرفتها الكبيرة بساحة المعركة ومنعرجاتها، واستغلت ذلك جيدا، فكانت تتحرك بسرعة عبر وحدات صغيرة أو صفوف من المصفحات الأرضية في مجموعها وتظهر في المكان الذي لم تكن متوقعة فيه، حيث تضرب بسرعة وقوة ثم تختفي قبل أن ينظم العدو نفسه وينتقل إلى الرد. وكان هدفاها هما موريتانيا التي كانت تشغل الثلث الجنوبي من الصحراء الإسبانية سابقا(منطقة الداخلة) ثم المغرب طبيعة الحال الذي كان يشغل ثلثي الصحراء في الشمال. كان القائد الحبيب أيوب هو المقاتل البارز لتلك المرحلة، والذي أطلقت عليه الصحافة لقبجياب الصحراء(جياب كان قائدا عسكريا فيتناميا قاتل ضد الفرنسيين في معركة دياب بيان فو الشهيرة عام 1954 ثم الأمريكيين وكان وزير الدفاع في فيتنام بين 1960 و1980 المترجم) إشارة إلى الاستراتيجية الفيتنامية التي طردت الأمريكيين من الهند الصينية. ولد الحبيب أيوب عام 1951 في تيفاريتي جنوب شرق السمارة، وفي نهاية الستينات ولم يبلغ بعد العشرين من العمر انضم هذا الفتى الذي ينحدر من أب كان يربي الجمال إلى حركة التحرير، التنظيم الذي أنشأه محمد البصيري، للقتال من أجل استعادة وادي الذهب. وفي يونيو 1971 تم اعتقاله بينما كان صديقه البصيري قد لقي حتفه تحت التعذيب على يد الإسبان، وقضى عاما في الاعتقال، وبعد الإفراج عنه التحق بمحيط الوالي مصطفى السيد وشارك عاما بعد ذلك في الاجتماع الذي أعلن فيه عن نشأة البوليساريو في 10 ماي .1973 وفي 30 شتنبر 1973 قاد هجوما بطوليا ضد مركز إسباني، ليصبح هذا العصامي بين ليلة وضحاها قائدا لمنطقة عسكرية وعضوا في قيادة البوليساريو. وفي بداية 1975 انضم إلى أول دفعة من مقاتلي البوليساريو الذين تلقوا تكوينا سريعا على يد الجيش الجزائري قريبا من منطقة بشارالجزائرية. وبعد عمليات ضد القوات المغربية في شمال الصحراء الغربية حمل أيوب على عاتقه مهمة الحرب ضد موريتانيا، الحلقة الأضعف في التحالفالمعادي للبوليساريو وبدأ منذ تلك الفترة يحصد النجاح تلو النجاح مع كتائبه. ويشرح الحبيب أيوب في أول لقاء صحافي معه بعد التحاقه بالمغرب عام 2002 لقد كان الجيش الموريتاني متفوقا علينا في العدة والعتاد، ولكنه كان ضعيفا من ناحية القدرة القتالية والتنظيم(حوار مع أيوب في جون أفريك21 أكتوبر 2002). ابتداء من عام 1976 بدأت البوليساريو تنوع المصادرالتي تزودها بالسلاح، والتي كانت مقتصرة في تلك المرحلة على ليبيا والجزائر قبل أن تتحول إلى كوريا الجنوبية ودول أخرى. منذ ذلك الوقت، وبداية من ,1978 بدأت البوليساريو تتوفر علىالمدافع غير المرتدة للخلف ومدافع الهاون من عيار ,120 وقذائف الصواريخ المتعددة الاستعمال(التي يطلق عليها قذائف ستالين) والصواريخ المحمولة على الكتف(صام7) والأسلحة المضادة للمدرعات إير بي جي7,,.إلخ. بعد ذلك جاءت الدبابات المصفحة تي55 والصواريخ المضادة للأسلحة الجورية سام6 والشاحنات المصفحة (بي إم بي) و(بي تي إير)، وابتداء من عام 1976 ارتفعت قدرة البوليساريو على توجيه ضربات عسكرية بعد الحصول على الأسلحة القتالية التي تحمل على الشاحنات العسكرية المكشوفة(بيك آب). وفي يوليوز من عام 1976 أظهر الحبيب أيوب الذي يرجع جزء كبير من نفوذه ليس فقط إلى كاريزميته الشخصية بل كذلك إلى تحدره من عائلة تشكل القسم الأكثر تأثيرا من قبيلة ركيبات لبويهات قدرة جيدة على كيفية توظيف هذه الأسلحة. ولكي ينتقم من الوالي مصطفى السيد الذي قتل قريبا من نواكشوط في 6 يونيو ,1976 نظم غارة على مساحة 400 كيلومترا في الصحراء ونزل من نواذيبو إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط حيث احتل ضواحيها بسرعة وقام بقصف المقر الرئاسي بالمدافع غير المرتدة للخلف. وخلال عام 1977 ضاعف من ضرباته للقطار المنجمي المصفح التابع لالشركة الوطنية للصناعات المنجمية الذي ينقل على مسافة 700 كيلومترا من الزويرات إلى نواذيبو الحديد الخام في اتجاه الشاطئ الأطلسي، والذي يشكل العصب الرئيسي الذي يغذي الاقتصاد الموريتاني. وفي ماي 1977 هجم على مدينة الزويرات المنجمية حيث يعيش بعض المتعاونين الفرنسيين مع عائلاتهم، وقد دافعت عن المدينة حامية عسكرية من 1500 مشخصا ولكن بحوالي 300 مقاتل فقط، لكن الحبيب أيوب تمكن من تخطي خطوط الدفاع واقتحام خط مضادات الدبابات واحتل الميناء ومركز المدينة وسحق الجنود الموريتانيين، وخلفت تلك المعركة مقتل فرنسيين إثنين واعتقال ستة آخرين كرهائن. لقد قام الحبيب أيوب بتلك المغامرة بناء على النصائح التي قدمها له المستشاريون العسكريون الجزائريون الذين كانوا تحت نفوذ الكولونيل ليامين زروال(الذي سيصبح رئيسا للجمهورية الجزائرية في 31 يناير 1994)، ويقول أيوب في الحوار الصحافي المشار إليه آنفا: إنهم من أصر لكي أقوم بتلك العملية ضد الزويرات ولكي أعتقل رهائن فرنسيين، وبعد ذلك قدمت لهم بيانا بمجريات المعركة. لقد كان الجزائريون يتدخلون في المعارك بشكل نادر، ولكنهم خرقوا هذه القاعدة في يناير 1976 في معركةامغالا التي تقابلت فيها قوات جزائرية ومغربية بشكل مباشر. لقد انتهت مضايقات رجال الحبيب أيوب بإعطاء النتائج. ففي غشت 1979 وضعت موريتانيا السلاح وخرجت من النزاع متخلية عن الداخلة ووادي الذهب، وابتداء من 11 غشت احتلت القوات المسلحة الملكية المغربية المدينة، ولكن الواقع أن هذه القوات المغربية لم يكن تحت مراقبتها سوى بضعة تجمعات: بوجدور والداخلة والعيون وبوكراع والسمارة، أما في الصحراء الشاسعة فكان البوليساريو يفعل ما يريد. وفي يناير 1979 أقدم الحبيب أيوب علىبذخ مهاجمة المغرب داخل حدوده الدولية المعترف بها حيث هاجم المسيد واحتل مدينة طان طان لبضع ساعات بمئات من رجاله، وفي 1980 هاجم الوحدات المصفحة التي أرسلت من الشمال لضمان أمن منطقة راس الخنْفْرة وجْبل وارْكْزيز وكبدها خسائر مهمة. يقول مسؤول رسمي مغربي من القوات المسلحة الملكية: حتى عام 1980 كان تفوق جيش تحرير الشعب الصحراوي كبيرا، فالاستراتيجية التي طبقها وتفوقه من حيث الأسلحة ومعرفته واستخدامه للميدان كبدتنا خسائر كبيرة. إن هذه هي المرحلة التي غيرنا فيها استراتيجيتنا، فعوض تشتيت قواتنا لحماية كل مدينة على حدة واستنزاف قدراتنا في ملاحقة كتائب جيش تحرير الشعب الصحراوي، قررنا أن نختار بأنفسنا ميدان المعركة ونفرضه على العدو، لقد بنينا الجدار الأمني..(لقاء مع مسؤول مغربي رفيع المستوى. الرباط في 8 غشت 2005).