على إثر التحولات السياسية التي عرفتها العديد من الأقطار العربية، بدأ من تونس مرورا بمصر و ليبيا و اليمن... والتي كان للشباب الدور الرئيسي في صنعها، مستغلا ما توفر له من إمكانيات، وعلى رأسها وسائل الإتصال المتاحة له بعيدا عن رقابة إعلام الأنظمة الدكتاتورية، القابضة على منابر ألإعلام الرسمي بيد من حديد. غير أن هذا الشباب إستغل الثورة التكنولوجية ليصنع ثورته، و ما وفرته من بدائل تسمح له بالتعبير عن مواقفه و أرائه، في مواضيع محاطة بأسلاك وحواجز و علامات قف و المنع. وعلى رأس تلك البدائل التي طرحت للشباب في تلك البلدان شبكات التواصل الإجتماعي(كالفيس بوك...) و المواقع و المنتديات ألإلكترونية، التي كانت الفضاء الرحب لحواراتهم و نقاشاتهم في تلك المواضيع المحرمة. إن هذا الدور الريادي للنواصل و النقاش الشبابي عبر وسائل ألإتصال تلك، في بناء أراء و مواقف جريئة، وذات أرضية مشتركة، بفعل التواصل الدؤوب و المنفتح، زكى إيماني بضرورة ألإنخراط في هاته الظاهرة الصحية، و التي أثبتت نجاعتها. وفي هذا الصدد جاءت هاته المقدمة لسلسلة من المقالات التي إعتزم نشرها حول موضوع "الشباب الصحراوي والتحولات السياسية الراهنة "، في ظل الميوعة و الفساد الذي طبع و يطبع تسيير أعيان الصحراء للشأن الصحراوي، بتزكية من النظام السياسي الذي يراهن عليهم في تنزيل مشاريعه و مخططاته لعل أخرها الجهوية الموسعة...
طرح هذا الموضوع للنقاش و ألإشكالات المرتبطة به، يأتي من إيماني القوي بإمكانيات و مؤهلات و طموحات الشباب الصحراوي، و قدرته على صنع مستقبله و خلق حلوله المنبثقة عن إرادته، كما فعل الشباب التونسي و المصري... بعيدا عن الطرحين اللذين لطالما أعتبرى حلا، في حين أنهما أصل المشكل، ولا دليل على ذلك سوى ألأوضاع الحالية و الحوادث المتلاحقة التي تجتم على المجتمع الصحراوي، مما يزكي بطلان الحلين المشكلين. وبما أن أحداث "مخيم كديم إزيك" كانت أخر تلك ألأحداث، و التي لا زالت تطرح العديد من التساؤلات، نظرا للتعتيم الذي طبع مسارها، ستكون نقطة ألإنطلاق في هاته الدراسة، حيث سأحاول طرح قراءة حول الحدث، لأنه ليس هناك طريق سوى الإسترجاع و الإستجماع، ليس بنفس نوستالجي يبرر ثقل التاريخ و مركزيته في توجيه و بناء الأفهام، ولاكن من مدخل ألإعتبار و القراءة الخالصة للمنطق الذي تدور به ألأحداث، إنه إستقراء ممكن لإنفتاح و إنغلاق قضية في محك التحول، تبصمها حالات من التحول الخارجي و الداخلي في الأن ذاته، إنه و هذا هو ألأهم إسترجاع و إستجماع يستند في إشتغاله إلى إستراتيجية العين الناقدة التي تلتقط التفاصيل من الوقائع و الأرقام، و المصرح به و المسكوت عنه، أملا في الفهم و التفهم، ثم البناء.
ولإنجاح هاته الدراسة أدعو الشباب الصحراوي للإنخراط الفعال، من خلال المشاركة بأفكارهم و أرائهم و تعليقاتهم على ألإشكالات التي سيتم طرحها حول الموضوع بصفة عامة، و المقالات الفرعية التي سنهدف من خلالها إلى تفكيك جزئيات بنيته العامة بصفة خاصة، و التي هي الضامن الرئيسي لنجاح الدراسة المزمع إجرائها. ولا يفوتني التأكيد على محورية القارة السابعة(العالم الإفتراضي) بإعتبارها فضاء رحب لتداول الرأي و الرأي الأخر، و الفكر و الفكرالأخر، لما تتيحه من حرية للذوات المفكرة، و ما توفره من اليات(ستكون الجريدة ألإلكترونية saharapress، وصفحة الفيس بوك الشباب الصحراوي و التحولات السياسية الراهنة الأليتين الرئيسيتين لتلقي أرائكم و تعليقاتكم و إحتضان نقاشاتكم حول الموضوع). هذا دون إغفال ثقل أحداث الواقع المعيش التي تلت الثورات العربية، و التحولات السياسية و الإجتماعية التي أفرزتها على المجتمع الصحراوي، ولعل أبرزها أحداث مدينة كلميم المرافقة لحركة 20 فبراير الشبابية، و محاولة العديد من الشباب الصحراوي إحراق أنفسهم عملا بسنة "البوعزيزي" التي راح ضحيتها شاب من مدينة طانطان بعد أن أقدم على حرق نفسه أمام عمالة ألإقليم. مما يدفعنا إلى التساؤل حول الظروف السياسية و الإجتماعية و النفسية الكامنة وراء هذا الإندفاع نحو الإنتحار، و بهكذا طريقة، والتي لا يمكن أن تكون مجرد تقليد "للنموذج البوعزيزي" لمجرد الإنقياد لغريزة التقليد، وهو ما أثبته السوسيولوجي الفرنسي durkheim milé في كتابه "le suicide"، بل إن الظاهرة مرتبطة بأفكار و قناعات و معتقدات و ظروف معيشة تتضافر لتفرزها، و هو ما بينه Durkheim في دراسته السابقة، حيث خلص إلى أن المعتنقين للعقيدة لبروتستانتية أكثر ميلا إلى ألإنتحار، عكس الكاثوليك المحافضين. أما max weber وفي كتابه "l'éthique protestante et l'esprit du capitalisme " فقد إعتبر على أن الأخلاق البروتستانتية كانت السبب الرئيسي في ظهور و إنتشار الرأسمالية لما وفرته هاته ألأخلاق من شروط سهلة تبني الفرد و المجتمع البروتستانتي لهذا السلوك الإقتصادي الجديد، من حرية و مبادرة فردية... على عكس العقيدة الكاثوليكية المحافضة، وهو ما يؤكد محورية الفكر و المعتقد في توجيه السلوك ألإنساني.
سيفرض علينا هذا المنحى تخصيص مقال خاص بالشباب الصحراوي المعطل من حاملي الشهادات، و نظرتهم إلى "النموذج البوعزيزي"، في ظل الظروف الإجتماعية المزرية التي يعيشونها، إثر البطالة و الفساد المالي والإداري الذي ينخر المؤسسات المعنية بتسوية وضعيتهم من رشوة و زبونية و محسوبية، فيما يخص توزيع الوظائف و بطاقات الإنعاش، التي يوكل بها لتلك المؤسسات القابعة تحت سطوة الأعيان و وزارة الداخلية ممثلتا في العمال. وبالتالي ما مدى إمكانية تبني هذه الشريحة من الشباب لذلك النموذج الذي أثبت نجاعته بالنسبة للعديد من المتتبعين في القطر التونسي؟ ثم كيف أثرت التحولات السياسية الراهنة على نضالاتهم من أجل ولوج الوظيفة أو على الأقل التعويض عن البطالة؟
و لا يفوتني التنبيه على الأساس المنهجي لهاته الدراسة، و المتمثل في كونها محاولة تتوخى الموضوعية في تحليل و مناقشة الواقع السوسيوسياسي للشباب الصحراوي، في ظل التحولات السياسية التي أفرزتها الثورات العربية قصد الفهم، و بناء المعنى. وإليكم أهم الإشكالات التي يطرحها موضوع "الشباب الصحراوي و التحولات السياسية الراهنة" :
ما موقع الشباب الصحراوي من التغيرات و التحولات السياسية التي يشهدها العالم العربي؟ ما مدى إستيعابه لهاته التحولات و للمنطق الجديد الذي باتت تفرضه داخليا و خارجيا؟ هل الشباب الصحراوي بعيد عن تأثير تلك التحولات؟ و بالخصوص ثورات الشباب و المطالب التي بات يرفعها؟ هل الشباب الصحراوي بعيد عن التأثير في الشأن الصحراوي نتيجة لطبيعة المجتمع الصحراوي الإجتماعية و الظروف السياسية، وهو ما ادى إلى إحتكار المؤسسة القبلية للفعل في شخص الشيوخ و الأعيان؟ ما موقف الشباب الصحراوي من حركة 20 فبراير الشبابية الداعية للتغيير، و طلعاتها بين الفينة و الأخرى 20 فبراير،20 مارس، 3 أبريل..؟ ثم ما مدى إنخراطهم في هاته الحركة؟ هل هناك حركات شبابية تخص الشباب الصحراوي في ظل هذا الحراك الشبابي الداعي للتغيير على طول العالم العربي؟ وبالتالي ترفع مطالب خاصة؟؟؟ هل ثورة الشباب الصحراوي المخملية لا تزال تطهى على نار هادئة؟ تنتضر قطرة الزيت التي ستلهبها كما حصل في تونس على يد"البوعزيزي" لتنطلق بعد ذلك الثورات الشبابية في أوصال الدكتاتوريات العربية؟ وهكذا علمتنا الثورات السابقة أن لا موعد لها و لا منجم متنبأ بها؟ ما مدى تأثير التحولات التي يشهدها العالم العربي على الشباب الصحراوي المعطل من حاملي الشهادات؟ من حيث نظرتهم لوضعيتهم الجديدة إثر تلك التحولات؟ و على مستوى أشكال نضالهم؟ أي ما مدى إستلهامهم للأشكال النضالية التي إستحدثها الشباب العربي الثائر؟ أما على مستوى المضمون، فما مدى تبنيهم للمطالب السياسية ذات السقف العالي التي رفعت خلال الثورات العربية؟ أم أن الامر يختلف بالنسبة للشباب الصحراوي، حيث أن سقف مطالبه لايعدو عن كونها مطالب إجتماعية خبزية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ * طالب بكلية الاداب و العلوم الانسانية جامعة إبن زهر شعبة السوسيولوجيا,فاعل جمعوي بمدينة طانطان .باحث في حقل السوسيولوجيا السياسية موضوع:الشباب والسياسة