لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    توقيف سائقي سيارتي أجرة بمدينة طنجة بسبب القيادة بشكل متهور قرب المطار    *بعيدا عن المنطق الاقتصادي: الأسرة تآلف بين القلوب لا تخاصم بين الجيوب    وزارة النقل تؤجل تطبيق معيار "يورو6" على بعض أصناف السيارات    بوطوالة: الأزمة السورية تكشف عن سيناريوهات مأساوية ودور إسرائيل في الفوضى    الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن هجمات جديدة ضد إسرائيل واستهداف مطار تل أبيب    وليد كبير: الرئيس الموريتاني يستبق مناورات النظام الجزائري ويجري تغييرات في قيادات الجيش والمخابرات    أمريكا: روسيا وراء إسقاط طائرة أذربيجانية    خطة استبقاية قبل ليلة رأس السنة تُمكن من توقيف 55 مرشحاً للهجرة السرية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب من السبت إلى الإثنين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    الحكومة ترفع الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء المضيق    استعدادا لرحيل أمانديس.. مجلس مجموعة الجماعات الترابية طنجة-تطوان-الحسيمة للتوزيع يعقد دورة استثنائية    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    الجولة 16 من الدوري الاحترافي الأول .. الرجاء يرحل إلى بركان بحثا عن مسكن لآلامه والجيش الملكي ينتظر الهدية    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته ضد الرجاء    منظة تكشف عدد وفيات المهاجرين بين طنجة وإسبانيا خلال 2024    بقنبلة زُرعت في وسادته.. إسرائيل تكشف تفصيل عملية اغتيال إسماعيل هنية    الرئيس الألماني يعلن حل البرلمان ويحدد موعدا لإجراء انتخابات مبكرة    رفض دفوع الناصري وبعيوي يثير غضب المحامين والهيئة تستمع للمتهمين    صديقة خديجة الصديقي تعلن العثور على والد هشام    هل يُجدد لقاء لمجرد بهاني شاكر التعاون بينهما؟    بلغ 4082 طنا.. جمعية تشيد بزيادة إنتاج القنب الهندي المقنن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الحكمة المغربية بشرى كربوبي تحتل الرتبة الخامسة عالميا والأولى إفريقيا    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    حضور وازن في المهرجان الدولي للسينما و التراث بميدلت    فنانات مغربيات تتفاعلن مع جديد مدونة الأسرة    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    دوري أبطال افريقيا: تحكيم بوروندي لمباراة الجيش الملكي ومانييما أنيون الكونغولي    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    غوارديولا يتحدث عن إمكانية عقد صفقات جديدة في يناير    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    نواب كوريا الجنوبية يعزلون رئيس البلاد المؤقت    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسات صحراوية : القبيلة ،الاستعمار ،الحداثة ...أية علاقة
نشر في صحراء بريس يوم 22 - 01 - 2018


تقديم عام
إن المتتبع للشأن المحلي الصحراوي سيلاحظ هيمنة البعد القبلي /التقليدي على نمط السلوك السياسي، الثقافيالاجتماعي هذا النمط التقليدي يغذي كافة الجوانب والعلاقات الاجتماعية و كذا المؤسسات ( الجمعيات ،الأحزاب ... ) كما أن البحث العلمي في المسألة القبيلة والهوية يطرح إشكاليات في ظل غياب مراجع موضوعية تشفي غليل الباحث وتلم بكافة الجوانب ،وكذا وجود مجموعتين متناقضتين من المصادر والمراجع علاوة على ذلك انقسام المؤرخين إلى مجموعات و مدارس فنجد أبحاث كولونيالية تعطي تأويلات استعمارية لخدمة أهداف المستعمر عكس أبحاث وطنية تدحض تلك التأويلات الاستعمارية ، كما تعددت المدارس التاريخية و تنوعات اتجاهاتها في فهم الماضي و بناء المعرفة التاريخية ، مما يصعب البحث و التحليل في ظل غياب الوثيقة التاريخية باعتبارها أساسا لكل بحث تاريخي يتوخى الموضوعية ،و قد اعتمدنا على عدة المراجع بغض النظر عن مرجعيتها الفكرية والاديولوجية،بالإضافة إلى الاعتماد على الرواية الشفاهية لتحرير مقال حول القبيلة ابان الاستعمار.
لازالت القبيلة في مجتمعنا الصحراوي تسيطر على سلوك الأفراد والجماعة وبالتالي يطرح لنا إشكالية كيف استطاعت القبيلة أن تحافظ على دورها التأطيري سواء في فترة الاستعمار الفرنسي –الاسباني أو ما بعد الاستقلال ؟ وكيف تم الدمج بين القبيلة و الحداثة ( مؤسسة تقليدية ماضوية )؟
1. المفاهيم
• مفهوم القبيلة
وللإجابة عن تلك الإشكاليات لابد من فهم القبلية و مكانز مات اشتغالها لتحليلها تحليلا علميا ،فالقبيلة هي جماعة من البشر ينتمون في الغالب إلى نسب واحد أي إلى الجد الأعلى وتتكون من الأعراش والعشائر لهم مجال محدد يعتبر وطنا لهم
كما تناول ابن خلدون مسألة القبيلة واعتبر النسب وهميا حيث يقول "النسب أمر وهمي لا حقيقة له " ... الخبر البعيد فيه وهم و ذهبت فائدته وصار الشغل به مجانا ّ،ومن أعمال اللهو المنهي عنه ...النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر "
اعتبر وظيفة النسب قائمة على صلة الأرحام :" إن النسب إنما فائدته هذا الالتحام الذي يوجب صلة الأرحام حتى يقع المناصرة والنعرة و ما فوق ذلك مستغني عنه ،إذ النسب أمر وهمي لا حقيقة له ،ونفعه إنما هو في هذه الوصلة والالتحام ."
كما أكد ابن خلدون أن العصبية تكون للحماية والمدافعة والمطالبة و كل أمر يجتمع عليه ،وقدمنا أن الآدميين بالطبيعة يحتاجون إلى وازع وحاكم يزغ بعضهم عن البعض ،فلا بد أن يكون متغلبا عليهم بتلك العصبية
في حين اعتبر الدكتور رحال بوبريك القبيلة تعاقد اجتماعيا ولا ترتبط فقط بما هو دموي بل لابد من شروط أخرى كالبعد الجغرافي ( التراب ) الذي يعد أحد محددات القبيلة لممارسة سلطتها كما أضاف "أن للنسب والتراب فٍن الاشتراك في القيم و التمثلات و المبادئ و التقاليد و الممارسات الاجتماعية و النظام الرمزي ...فلكل قبيلة داخل مجال ثقافي واحد خصوصيات معينة في تقاليد الزواج و قواعده وطقوس و ممارسات وأعراف تميزها عن القبائل الأخرى "
إن التعارف السابقة تلخص بنا إلى أن القبيلة ظاهرة اجتماعية وتاريخية وسياسية عرفتها المجتمعات ما قبل الدولة و تعد تنظيما محكما بأعراف و تقاليد و توازنات و مبنية على العصبية التي ترتكز المحاماة والمدافعة وهم يتعصبون لبعضهم حينما يكون هناك خطر (الوعي العصبي )
إن القبيلة مؤسسة سياسية اجتماعية لها مجال لبسط سلطتها وقيمها وأعرافها وبالتالي فهناك ( سلطة القبيلة و مجتمع القبيلة ،الجماعة ، أحلاف ، قبائل صديقة ، قبائل عدوة ، دفاع مشترك ... ) ،إن القبيلة مؤسسة مستقلة تدبر أمور مجتمعاها وفرض سلطتها .
وقد اكتسى مجلس ايت أربعين أو الجماعة مكانة عالية باعتباره مؤسسة تشريعية و قضائية تدير القبيلة و تحل المشاكل بناءا على الأعراف ،و يتم اختيار هولاء الأفراد بناءا على الكفاءة و الزعامة كما تطرق الدكتور رحال بوبريك إلى ذلك و اعتبره جماعة " فالجماعة مؤسسة فوق الجميع ،و تضم أعيان القبيلة و كل من تجرأ على الخروج من أرائها يعرض نفسه للإقصاء من هذه الجماعة " و هنا يطهر أن القبائل الصحراوية غالبا ما تستعمل اسم الجماعة عوض مجلس ايت اربعين
بل هناك من اعتبر القبيلة هي جماعة أو ايت أربعين لما يحتله من مكانة داخل نسيج القبيلة في ظل غياب الدولة المركزية
وبالتالي فاٍن القبيلة كيان مستقل عاشته المجتمعات ما قبل الدولة ،والمجتمع الصحراوي واحدا من تلك المجتمعات القبلية التي استطاعت أن تحافظ على نمطها التقليدي رغم التمدن والتحضر بمعنى الانتقال من مرحلة الترحال إلى مرحلة الاستقرار فتم مأسسة القبيلة في مؤسسات اجتماعية و اتخذت أنماطا ثقافية كالمواسم الدينية والتجارية ...
• المخزن
يعد مفهوم المخزن من المفاهيم المعقدة باعتباره مفهوما محليا خاصا بالأدبيات السياسية المغربية كان يرمز للجهاز الدولة المغربية قبل الاحتلال و قد استخدمه الباحث ربيرمونتاني و كذا العروي و يرتكز هذا الجهاز البيروقراطي على الجيش وقبائل الكيش و كتاب الدواوين و الأمناء،الحجاب،الولاة ،القضاة ،و يعتبر السلطان أعلى هرم للسلطة و مصدرها باعتباره أمير المؤمنين
و يرى روبير مونتاني إن المخزن يقوم على ثلاثة أسس أساسية
o هرمية مخزنيه إدارية
o جيش قوي
o فرض الضرائب
2. القبيلة والمخزن : أية علاقة ؟
وقد قام المخزن بعدة آليات للتحكم و ضبط سلطته على القبائل في إطار التجاذب حول السلطة و من بين هذه الآليات نجد :
 تهجين الكيان القبلي بدمج العنصر العربي و العنصر البربري
 فك كل التحالفات القبلية
 نزع السلاح من القبائل
 تهجير القبائل
 تكسير الروابط الثقافية و الفكرية واللغوية
و يرجع هذا الأسلوب إلى يعقوب المنصور الموحدي الذي طبقه خلال القرن 11م مما جعله يتحكم في زمام السلطة بشكل منفرد
وهكذا استعانة يعقوب المنصور بالعرب بتونس ( افريقية ) لبسط سلطته على المغرب والاستقواء بهم من الناحية العسكرية كمحاربين أكفاء، وبدا واضحًا رغبته في دخول عنصرٍ العربي إلي نسيج الدولة الموحدية ،كما حاول الموحدون تفريغ منطقةِ إفريقيةَ مِن العرب ليسهل السيطرة عليها ،وقد بين ذلك د.ابراهيم حركات "يروي روض القرطاس أن المنصور لما أشرف على الموت قال ما ندمت على شيء فعلته في خلافتي إلا على ثلاث وددت أني لم أفعلها الأولى إدخال العرب من افريقية إلى المغرب ،مع اني أعلم أنهم أهل فساد ،الثانية بناء رباط الفتح ،انفقت فيه بيت المال وهو بعد لا يعمر ،والثالثة اطلاق أسارى الارك ولابد لهم أن يطلبوا بثارهم "
وهكذا لعب العرب دورا اساسيا في سياسة يعقوب المنصوري الداخلية
وبالتالي فان الحديث عن القبيلة و المخزن يحلنا على الصراع بينهما حول الاختصاص و السلطة والمجال لاعتبارات عديدة منها وجد تناقض بين منطق المخزن والقبيلة ،فالمخزن يحاول الهيمنة و جعل القبيلة تابعة له ،في حين أن القبيلة كيان مستقل غير خاضع لسلطة خارجية بل تحدد من الداخل " الجماعة أو مجلس ايت اربعين " وبالتالي فان القبيلة مصدر السلطة مما جعل الصراع بينها و بين المخزن وهذا ما أكده د.محمد شقير" هناك تناقض بين البنية القبيلة و البنية المخزنية ،والذي يرجع إلى التعارض بين الفكر المحلي و مركزية الدولة .و قد أدى هذا التناقض إلى عدم التطابق بين الاحتياجات التي تتطلبها مركزية و بين الإمكانيات التي توفرها القوى المنتجة ،هذه الإمكانيات التي يتم التصارع عليها بين المجتمع و المجتمع القبلي ، غير أن الحسم في هذا الصراع ،جعل كلا من المخزن و القبائل يعملان على تأمين مجال نفوذهما ،وتقوي كل مجال على حساب الأخر يكون رهينا بميزان القوى و بأهمية إمكانيات المخزن "
وبالتالي فان القبيلة و المخزن في صراع دائم في إطار التجاذب المبني على القوة و التكتيك
إن فكر القبيلة مبني على الاستقلالية ولا يخضع لمؤسسة المخزن وبالتالي حاربت القبيلة المخزن لأنه يسلبها كينونتها و استقلالها ،لكن في المقابل كانت تلك القبائل تابعة دينيا للسلطان باعتباره أمير المؤمنين و غير خاضعة له سياسيا "وقد أدى هذا التناقض إلى عدم التطابق بين الاحتياجات التي تتطلبها دولة مركزية قوية و بين الإمكانيات التي توفرها القوى المنتجة ،هذه الإمكانيات التي يتم التصارع عليها بين المجتمع المخزني والمجتمع القبلي ،غير أن عدم الحسم في هذا الصراع ،جعل كل من المخزن و القبائل يعملان على تأمين مجال نفوذهما .وتقوي كل مجال على حساب أخر يكون رهينا بميزان القوى و بأهمية إمكانيات المخزن
وبالتالي فاٍن قبائل الصحراء هي الأخرى كانت متحررة من سلطة المخزن ،وكانت تدير سلطتها بعيدة عن سلطة المخزن وقسمت مجالها إلى :
• مجال يسيطر عليه لف ايت جمل : ويتكون من قبائل آيت لحسن، أزركيين ، يكوت ،أولاد دليم و الرقيبات...
• مجال يسيطر عليه لف ايت عثمان : آيتوسى، آيت ياسين،أزوافيط ،ايت براهيم ...
وقد اشتعلت عدة حروب ضارية بين لفي آيت الجمل و آيت عثمان بسبب المجال الرعوي و الزعامة و بالتالي كانت السلطة في يد القبائل بعيدة عن سلطة المخزن
3. القبائل الصحراوية و الاحتلال الفرنسي
تعرضت الصحراء للاحتلالين الفرنسي والاسباني سنة 1934 و بفعل شراسة المقاومة المسلحة نذكر منها مقاومة الشيخ ماءالعينين و ابنه مربيه ربه...وقد استعصى على سلطات الاحتلال إخضاع قبائل الصحراء فلم تستطع بسط نفذها إلا في سنة 1934 عكس وسط المغرب فمثلا احتلت فرنسا الدار البيضاء سنة 1907 و وسطه سنة 1912
أ‌. منطقة الاحتلال الفرنسي
وبعد ما بسطت سلطات الاحتلال سلطتها على الصحراء وضعت وحدات من الجمالين لمراقبة و ضبط القبائل و إعداد تقارير استخباراتية " خلق وحدات عسكرية من الجمالين لتتبع خيام الرحل و غيرها من الإجراءات الأمنية و العسكرية و كانت هذه الوحدات خاصة بأيتوسى لطبيعة القبيلة الترحالي وقبائل رحل غير تابعة للفرنسيين و ينعتون في التقرير بالرحل الأجانب Les nomades étrangers ويعني بهم يكوت وازرقيين و الركيبات الذين يترحلون في فترات من السنة شمال درعة و يأتون أيضا الى أسواق و مواسم وادي نون "
أما في منطقة تندوف التي بناها أحد مرابطي تجكانت محمد المختار الأعمشي تلميذ محمد بن المختار الكنتي بعد خرابها سنة 1850 م ،لكن بعد احتلالها من طرف فرنسا سنة 1903، وإلحاقها بالإدارة الاستعمارية بالجزائر، مما دفع بقبيلة تجاكنت إلى الهجرة إلى موريطانيا و احدث الإدارة الاستعمارية مركزا عسكرا لضبط تحركات القبائل بتندوف لاعتبار أن هذه المدينة تتحكم في الطرق التجارة الصحراء و خطوط افريقيا الغربية
وقد حاولت فرنسا دمج قبائل الصحراء في جهازها الاستعماري بغية فرض سيطرتها و اخماد المقاومة المسلحة و لتهدئة الوضع تم دمج زعماء المقاومة في مقدمتهم محمد الرباني ممثل ادومكيت و قائد محمد ولد الخرشي ممثل ادمليل ، و هكذا حافظت الإدارة الاستعمارية على مكونات ايتوسى كما عينت الشيخ حسن شياهو الذي كان شيخ ايتوسى قبل المستعمر... و هذا يتضح إن الإدارة الاستعمارية غيرت من أسلوبها المعتمد على القوة إلى أسلوب الدبلوماسية لإخضاع القبائل الصحراوية كما بقيت القبائل بمؤسساتها بعيدة عن أنظار المستعمر تقاومه بأسلوبها المعتمد على الابتعاد عن الضباط العاملين بمراكزها فقد أشار رحال بوبريك إلى ذلك " ولقد ورد في تقرير لأحد الضباط العاملين بمركز أسا المختص بقبيلة ايتوسى حيث ينشطرون –ايتوسى في جميع الاتجاهات ليجعلوا مسافة كبيرة بين قطعانهم و مراقبة وحدات العسكرية من الجماليين ، هذا التكتيك من قبيلة ايتوسى يعد أسلوبا للمقاومة و لافشال سياسة المستعمر في إخضاع القبائل الصحراوية
ب‌. منطقة الاحتلال الاسباني
أما سلطات الاحتلال الاسبانية فقد أحدث هي الأخرى جهازا استعماريا بالمنطقة الساقية الحمراءواد الذهب سنة 1929 عبارة وحدات من الجماليين سواء بطرفية أو بالداخلة و استقطاب زعماء المقاومة كشيخ محمد لغظف ابن الشيخ ماءالعينين و مربيه ربو حيث أوكلت لهم مهمة ممارسة الوساطة بين الاحتلال الاسباني و القبائل الصحراوية لما لهم من تقدير واحترام في أوساط القبائل الصحراوية باعتبارهم رمز للمقاومة
و هذا اعتمد الجنرال فرانكو على أسلوب المهادنة تجاه القبائل الصحراوية
و أمام هذه الإجراءات الأمنية العسكرية التي ناشرتها سلطات الاحتلال فاٍن القبائل الصحراوية استعصت على المستعمر رغم إحداث مراكز للمراقبة و محاولة إدخال جهاز مركزي مبني على الحكم المباشر لكن بقيت تلك الإجراءات محدودة لاعتبارات نذكر منها
 القبائل الصحراوية لم تعرف نظام الحكم المباشر متحكم في تحركاتها وسلطتها
 غياب حكم فردي في أدبيات القبائل الصحراوية عكس القبائل الأطلس الكبير و المتوسط المبني على نظام القائد أو شيخ القبيلة بكون القبائل الصحراوية تتوفر على مؤسسة الجماعة أو مجلس ايت أربعين كأعلى مؤسسة تدير القبيلة بشكل تشاركي وجماعي كما فسر الدكتور رحال بوبريك ذلك وربطه بأن قبائل الصحراء تتميز بنظام انقسامي لا يخضع للحكم الفردي
 القبائل الصحراء تتميز بالترحال و التنقل و ليست قبائل مستقرة
 العمق التاريخي للقبيلة المتجدرة بالمجتمع الصحراء
 وظائف القبيلة المتعددة جعلها مؤسسة مقدسة في الوعي الجماعي للقبائل الصحراء
 مقاومة القبائل الصحراء الجهاز الإداري الفرنسي باعتباره جهاز استعماريا استخباراتيا لم ينبثق من القبيلة بل يخدم مصالح المستعمر و يستغل ضد مصالح القبائل
و هكذا فشلت الإدارة الاستعمارية في تحكم في القبائل رغم كل الإجراءات الإدارية والأمنية
4. مرحلة الكفاح المسلح في اطار الحركة الوطنية
وقد تعرضت الصحراء لأبشع الاستغلال الاستعماري في عهد الفرنسي والاسباني مما أسس لكفاح مسلح في إطار الحركة الوطنية فانضمت القبائل إلى الجيش التحرير
واجتماع قبائل الصحراء في أم الشكاك بين العيون والسمارة وكان الهدف منه تحديد الموقف الواجب اتخاذه اتجاه الأسبان، وكان بدعوة الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين و بعد الحاق هزائم عديدة بالمحتل الفرنسي و الاسباني و عودة السلطان محمد الخامس من المنفى 1955و بدأ المفاوضات اكس ليبان انتهت بحصول البلاد على الاستقلال 1956
فخاضوا معارك ضد الفرنسيين و الاسباني إبان عملية اكيفون 1958 و انسحاب فرنسا من منطقة واد نون ،و توقيع اتفاقية "سينطرا 1 ابريل 1958 مع اسبانيا ، وبمقتضاها يتم انسحب اسبانيا من إقليم طرفاية و بعد نجاح المسيرة الخضراء تم استرجاع الساقية الحمراء 1975 و واد الذهب 1979
كما عرفت المنطقة تصفية ابرز شيوخ و قياد الذين تعاملوا مع فرنسا لكن هنا يتحدث أحد شيخوخ عرش اجواكين من قبيلة ايتوسى محمد سالم ولد حيسون ولد كيحل ويقول أن قائد بوزيد ولد الرباني كان زعيم للقبيلة مما دفع بالقبيلة إلى حمايته من فيلق من أعضاء الجيش التحرير تطلق على نفسها الخميسات فتم اسر ابنه سليما لكن شراسة بوزيد ولد الخرشي و قبيلة ايتوسى و مخزنيه أبرزهم (زفري ،غزاري ،سعيد أوراس ،محمد عثمان ) دفع بهولاء إلى استسلام رغم أن ايتوسى كانت إحدى داعمات جيش التحرير بالصحراء لكن لم تفرط في ابنها في المقابل تم اغتيال العديد من القواد كالقائد الجراري وقائد تارودانت من طرف جيش التحرير
هنا يبرز لنا منطق القبيلة المدافع عن أبنائها ضد المخزن و الجيش التحرير
5. أسباب استمرار القبيلة ككيان سياسي متوازن للدولة بعد الاستقلال
وبعد استقلال المغرب تم نزع السلاح من القبائل و نزع الاراضي في اطار الملكية العامة مما عجل باٍنتهاء وظيفة العسكرية للقبائل و تأسيس دولة مركزية و أصبح المجال مرتبطا بالتقسيم الإداري الذي عوض التقسيم القبلي و هكذا فقدت القبيلة سلطتها على مجالها وحلت القوانين محل الأعراف و المجالس المنتخبة عوض الجماعة ،لكن في المقابل استطاعت القبيلة بالصحراء أن تحافظ على دورها التأطيري لاعتبارات عديدة أهمها :
• المجتمع الصحراوي لم يعرف حركة فكرية نهضوية
• غياب نظام تربوي متجدر في المجتمع
• هيمنة النشاط الرعوي القائم على الترحال
• غياب برجوازية صحراوية حسب المفهوم الماركسي
• القبيلة بنية فوقية
• للقبيلة أدوار مجتمعية (سياسية ، اقتصادية ... ) مما كرسها في الوعي الجماعي للأفراد القبيلة
• القبيلة أصبحت من الثقافة و جزء من الممارسة من أجل التموقع السياسي
• المجتمع الصحراوي لم يمر من مرحلة الإنتاج الرأسمالي الذي سيتم فيه تفكيك القبيلة و تعويضها بالبنية الإنتاجية القائمة على العمل المأجور وبيع قوة العمل و إفراز طبقي (العمال و البرجوازية الصناعية ) وبالتالي اضمحلال البنية الاجتماعية التقليدية
• الم يعرف المجتمع الصحراوي ظاهرة التمدن بل ارتبط شكل استقرارهم بالترحال ( الخيمة ) إلى حدود الاستعمار الفرنسي والاسباني
واما هذا الواقع فاٍن المجتمع الصحراوي يعيش ما قبل الرأسمالية تم دمجه بعد الاستقلال في التمدن بدون أن يمر من مراحل إنتاجية ( المرحلة الزراعية – الرأسمالية التجارية – الرأسمالية الصناعية ) فاٍن تدجينه في التمدن بدون احترام التدرج الطبيعي لتطور البشرية جعل القبيلة مستعصية على التفكك
وهكذا استطاع الإنسان الصحراوي أن يجعل من مؤسسة القبيلة مؤسسة تؤطر سلوكه السياسي /الثقافي ،مما يجعلنا نطرح سؤال كيف نتحدث عن الحداثة في ظل مجتمع تؤطره القبيلة ؟
6. الحداثة والقبيلة
إن الحداثة هي تحول جدري وعميق في كافة المستويات والعلاقات وتبني فكر وقيم وسلوك عصري ،أي أنها صورة معاكسة عن الشيء القديم ،يعد الفيلسوف هيغل أول شخص اهتم بمفهوم الحداثة، وربطها مع التطورات الفكرية ،التي ظهرت في أوروبا خلال عصر النهضة القرنين 15 و 16م ، والتي اتّسمت بظهور تيارات أدبيّة وفنية لم تكن معروفة سابقاً ،وبروز حركة إنسية أعادت الاعتبار للإنسان وجعلته محور التفكير و اعتبار المعرفة جوهر وجوده.
كما اعتبر الان تورين ان " الحداثة هي انتصار للعقل كتحرر وثورة ويحدد التحديث كحداثة في الفعل ،كسيرورة داخلية النمو على نحو كامل "
كما اعتبر الان تورين الرأسمالية الشكل الاقتصادي للحداثة " لقد سيطرت أيضا في المجال الاقتصادي حيث اتخدت الشكل الرأسمالي الذي لا يمكن اختزاله لا الى اقتصاد السوق ولا الى العقلنة .إن اقتصاد السوق يتماثل مع تحديد سلبي للحداثة ،انه يعني اختفاء كل رقابة جمعانية على النشاط الاقتصادي ،استقلال هذا النشاط عن الأهداف الخاصة بالسلطة السياسية أو الدينية ،وعن تأثيرات التقاليد و الامتيازات "
في حين عرفتها موسوعة وكيبيديا على أنها تحديث وتجديد ما هو قديم وهو مصطلح يبرز في المجال الثقافي والفكري التاريخي ليدل على مرحلة التطور التي طبعت أوروبا بشكل خاص في مرحلة العصور الحديثة.
فالحداثة هي حصيلة التجارب في المجتمعات الغربية من دولة اليونان الديمقراطية الى دولة روما القانونية وتطبيقها عمليا من خلال الثورة الانجليزية (16421685 ) ،حرب الانفصال الأمريكية (18611865 ) وبناء دولة أمريكا اتحادية في عهد الرئيس أبراهام لنكلن ،ثورة الميجي اليابانية 1866 ضد نظام فيودالي التي كانت تمثله عائلة التوغوغاوا من خلال جهاز إداري إقطاعي الشوغون .
فتم الانتقال بهذه الشعوب إلى مرحلة الدولة المدنية حيث رفعوا شعار حقوق المواطنة و حقوق الإنسان
ومن الصعب الحديث عن الحداثة والدولة المدنية في ظل مجتمع قبلي لم تستطيع الدولة بأحزابها وجمعياتها الانتقال به إلى الضفة الأخرى ( الدولة المدنية ) حيث تسوده العقلانية ،الحرية ،الديمقراطية ،المساواة ،العدالة ،الانعتاق الذاتي ... بل كرست تلك المؤسسات التأطيرية الفعل القبلي وبالتالي تم إفراغ تلك المؤسسات من محتواها و قد يفسر ذلك في إطار التنافس السياسي لاستقطاب الناخبين و بالتالي يتم الاعتماد على الأعيان والشيوخ مما كرس الفعل التقليدي في الممارسة السياسية و حافظ على القبيلة كرمزية و كدور في التأطير و الحشد
وختاما فان القبيلة تلجأ إلى المؤسسات الاجتماعية و مكانز مات أخرى أو بطريقة لا شعورية من أجل صياغة علاقة التعاون والالتحام والاتصال بين أفرادها و الاستمرار كمؤسسة تأطيرية متحكمة في الفعل السياسي والثقافي والقيمي مستغلة فشل المجتمع المدني و عجزه في التأطير كما يعيش مجتمعنا الصحراوي نمطا تقليديا تغذيه القبيلة بتصورات و اتجاهات تجعل سلوك الأفراد مقيدة ،ومن هنا يتضح لنا الهوة بين الفعل الحداثي و الفعل الماضي في سلوك الإنسان الصحراوي
المراجع
• القبيلة والقبائلية أو هويات ما بعد الحداث عبد الله الغذامي
• ابن خلدون:" المقدمة" ط1، دار القلم، بيروت 1978، ص 129.
• الهادي الهروي: " القبيلة والإقطاع والمخزن"، مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث 18441934 إفريقيا الشرق، المغرب،
• wikipedia.org
• رحال بوبريك – زمن القبيلة – السلطة وتدبير العنف في المجتمع الصحراوي
• محمد شقير –تطور الدولة في المغرب – اشكالية التكون و التمركز و الهيمنة من القرن الثالث ق.م إلى القرن العشرين .إفريقيا الشرق .المغرب
• الناصري خالد .الاستصقا لتاريخ المغرب الاقصى . دار الكتاب البيضاء 1954
• ابراهيم حركات .المغرب عبر التاريخ .دار الرشاد الحديثة .الدار البيضاء
• Berdouzi Med : Rober Montagne et les structures politques du Moroco précolonialDES Rabat 1981


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.