يضم الكتاب الذي صدر سنة 2010 بدعم من وكالة الجنوب أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه فريق البحث في العلوم الاجتماعية التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير بتعاون مع مركز الدراسات الصحراوية يوم 19 مارس 2008 بكلية الآداب أكادير بهدف تقديم حصيلة أولية ونماذج من دراسات الفترة الاستعمارية حول مجتمعات الرحل في الصحراء من خلال الكتابات المختلفة سواء منها الأرشيفات الإدارية أو الدراسات الأكاديمية . وياتي تنظيم ذلك اللقاء حسب منسق الكتاب من أجل إعادة الاعتبار للصحراء الأطلنتية التي ظلت مجالا خارج الكتابة التاريخية لموقعها الهامشي بالنسبة للعالم العربي والإسلامي ولطبيعة مناخها الصحراوي، وكثافتها السكانية الضعيفة وقلة المراكز الحضرية. كما أن المؤرخين لم يحيطوها بالعناية الضرورية، فالمؤرخ العربي اعتبرها ممرا للقوافل وموطن قبائل رحل تثير الاضطرابات، وتشكل مصدر ازعاج دائم للمستقرين، وسلالات توالت على السلطة بالمغرب ،كما أن معظم الكتابات تدخل في إطار أدب الرحالة، مما جعلها تتميز بنظرة متعالية ومحتقرة للبدو، وذكر نماذج من هذه الكتابات كابن بطوطة والحسن الوزان التي اقتصرت على عادات وتقاليد وممارسات بدو الصحراء مما جعلها تتضمن أحكام قيمة سلبية، أما الأجانب فاقتصرت كتاباتهم على وصف سطحي وقدحي للعادات وسلوكيات أهل الصحراء، لكن رغم هذا وذاك لاينفي رحال بوبريك عن هذه الكتابات التي تنوعت بين مراكز بحثية ونشرات ومؤتمرات علمية.القيمة الإثنوغرافية في وصف حياة البداوة , أما في القرن العشرين ورغبة من الاستعمار الفرنسي لمعرفة المجتمع الذي يريد استعماره، فقد كرس مجهودات عدة قصد التأسيس لبنيات البحث العلمي التي تضمن له معرفة بنيات ونظم وتاريخ ووقائع القبائل والمناطق المستهدفة من أجل تسهيل السيطرة عليها ووضع سياسة مضبوطة مبنية على معرفة علمية وموضوعية للواقع. وتوقف الكاتب طويلا عند سؤال الخلفية من الإسراع بترجمة الكتابات الإستعمارية التي لها منطلقات وخلفيات معينة من أجل تقديمها للقارئ هنا يحاول الجواب في نقاط يحددها في : معرفة المضمون العلمي للكتابات بغض النظر عن الموقف منه، ومن خلفياته الإيديولوجية . عجز الباحث المحلي عن إنتاج مايضاهي أو يشبه هذه الكتابات بعد الاستقلال سواء من ناحية الكم أو الكيف، أو التغطية المجالية والصرامة العلمية لبعضها، والأدوات المفاهيمية والمنهجية . تميز الكتابات الاستعمارية بخصوصية علمية، وجرأة في التناول بعيدا عن الإكراهات التي تكبل الباحث المحلي. تميز البعض منها، لدرجة أصبحت مصدرا لأبناء القبائل في رواياتهم الشفوية حول أصولهم ( منوغرافية مارتي حول موريتانيا ) وهو ما يطرح إشكالا بالنسبة للكاتب وهو *صنع الذاكرة المحلية من طرف مرجعية خارجية * ويتضمن الكتاب الموزع على 166صفحة من الحجم الصغير ثمانية أبحاث وسنتوقف على أبرزها وهي: 1+ رحل شمال إفريقيا من خلال كتاب روبير مونطاني حضارة الصحراء ذ الكبير عطوف ،حيث اختار الفصل الثامن من هذا الكتاب للبرهنة على أن العديد من الكتابات الاستعمارية مليئة بالمغالطات الناتجة أساسا عن الجهل أو خلفيات ايديولويجة وسياسية فيقدم قراءة نقدية لمضامين هذا الفصل المعنون ب *فتح إفريقيا* في 41 صفحة حيث رد الكاتب بقوة على معلومات خاطئة أوردها روبير مونطاني خاصة فكرتين رئيسيتين: 1/العرب إذا تغلبوا على الأوطان أسرع إليها الخراب. 2/*أصبح الرجال يرتجفون داخل المغرب ويموتون بالقبائل.إنها الفوضى الكبيرة التي باتت تعم المغرب المنقسم إلى عدة إمارات صغيرة ومتناحرة فيما بينها .إن هذه البلاد أصبحت لقمة سائغة تحت رحمة الحروب المظلمة بين العرب والبربر.هكذا أضحت إمبراطورية المرابطين والموحدين عبارة عن أرض مخربة كنتيجة حتمية لاجتياح وغزو عربي بدأ بإفريقيا أولا وذلك منذ أربعة قرون مضت *ص 245 وأرجع ذ الكبير عطوف سبب الأخطاء المعرفية إلى أن روبير مونطاني لم يقرأ نص المقدمة الأصلي لابن خلدون ،ولكنه اعتمد على نص جورج مارسي في كتاب les arabes en berberie p 308 Georges marcais وهو مليء بالخلفيات الإيديولوجية. كما أن القراءة الاستعمارية للواقع المحلي تعتمد على ثنائية البربر ضد العرب والصراع الأزلي فيما بينهم وهذه النزعة تدخل في إطار أوسع روجت له الكتابات الاستعمارية التي لعبت على وتر ثنائية عرب /بربر ،زوايا/محاربين،بلاد المخزن بلاد السيبة.. كما قدم أدلة علمية ومراجع تاريخية للرد على كل المغالطات، ليخلص في الأخير أن العرب البدو الرحل كان لهم كامل الفضل في تحقيق الوحدة اللغوية التي نعرفها الآن في مجموع شمال إفريقيا حيث انتشرت الحضارة العربية الإسلامية ،كما أن تاريخ الجنوب المغربي الكبير بامتداداته الصحراوية ماهو إلا تاريخ الرحل الطويل والترحيل والتهجير المفروض من طرف السلطات السياسية المتعاقبة على حكم المغرب،حيث لعبت الهجرات البعيدة المدى بمختلف أشكالها وأنماطها دورا طلائعيا في تحديد أهم المواصفات والخصائص والمميزات التي نعرفها اليوم والتي تفاعلت وتمأسست بالأمس مابين القرن 7 و18حيث تمكن مجتمع الرحل من الاستقرار النهائي بمختلف مناطق الصحراء التي عرفت تحولات جذرية طبعت ولازالت تطبع تاريخنا الاجتماعي والاقتصادي والديني والسياسي واللغوي. 2+: الصحراء الأطلنتية من خلال الكتابات الفرنسية نموذج فريديريك دولاشابيل f.de la chapelle ل د-رحال بوبريك ينطلق الباحث رحال لوضع القارئ أمام الأطروحات المتداولة في الوسط العلمي الفرنسي والخلفيات الإيديولوجية التي حددت إنتاجها ووظيفتها السياسية وتأثيرها على صيغة كتاب تاريخ الصحراء انطلاقا من دراسة لفريديريك دولا شابيل المنشورة سنة 1930 تحت عنوان *نبذة عن تاريخ الصحراء المغربية esquisse d'une histoire du sahara occidental. وهذه الدراسة المنشورة في مجلة اكسبريس hespéris هي الأولى من نوعها، كعمل تركيبي حول تاريخ الصحراء، يمتزج فيها الوصف بالتحليل، ومكتوبة بطريقة تحترم معايير التوثيق والكتابة التاريخية، كما تحفل بالحالات المعرفية الفنية بالتفاصيل والشروح والمصادر والمراجع الموزعة بين المصادر الأجنبية والعربية والروايات الشفوية .كما تستعرض الأحداث واللحظات الحاسمة من تاريخ الصحراء منذ ماقبل التاريخ إلى حدود بداية الحماية في المغرب ضمن رؤية شمولية، خاصة أن السيرة الذاتية ل دولا شابيل غنية في خدمة الاستعمار، كما تمكن من الحصول على كل الكتابات المتوفرة حول الصحراء إضافة إلى تحرياته الميدانية ومعلوماته الخاصة لينجز عملا تركيبيا حول القبائل وفروعها قبل وصول القوات الفرنسية للحدود الشمالية للمنطقة (وادي نون تندوف ) سنة 1934 . ويخلص البحث أن الدراسة التي رصدت تاريخ الصحراء منذ مرحلة ما قبل التاريخ حتى بداية القرن 20 وتوقفت عند أهم المحطات التاريخية والأحداث التي أثرت على مسارها بكونها تعكس الرؤية الاستعمارية التي ترتكز على ثنائية الصراع بين البربر والعرب، وأن أول استنتاجاته في مهمته جنوب بلاد البيضان هي التمهيد للخطة الاستعمارية و هذه النظرة كما يؤكد د بوبريك تحكمت في رؤية دولاشابيل للأحداث التي عرفتها الصحراء الأطلنتية، حيث يتم تقديم تاريخ الصحراء من منطلق الصراع بين المجموعات القبلية والإثنية خاصة بين صنهاجة ومعقل، كما يقدم القبائل العربية كغازية وناهبة وفي أحسن الأحوال أداة بأيدي السلاطين المرينيين ضد القبائل الصنهاجية الخارجة عن سلطتهم . إن أهمية الدراسة كما يؤكد بوبريك تنبع من كون صاحبها احتل مناصب مرموقة في الإدارة الاستعمارية بلغت أوجها كمدير لمركز السوسيولوجيا التابعة للإقامة العامة وأستاذ محاضر بمعهد الدراسات العليا المغربية بالرباط وتدريس السوسيولوجيا للضباط والمراقبين المدنيين للشؤون الأهلية . 3+:* إخبار الأحبار* أو العلم في خدمة المشروع الاستعماري لخديجة الراجي يعتبر كتاب إخبار الأحبار بأخبار الآبار لمحمد بن أحمد يوره الديماني أحد النماذج في المؤلفات التي أنجزت بطلب من السلطات الاستعمارية الفرنسية حيث تم تأليفه امتثالا لأمر الكومندان كادن مساعد للمندوب الفرنسي العام بموريتانيا .وقد نشر سنة 1911 و ترجمه بول مارتي ونشره سنة 1920 ضمن كتاب bulletin du comite d études historique et scientifique de l Afrique occidental française 13 juillet septembre 1920 والكتاب أخرجه بعد ذلك ونشره معهد الدراسات الإفريقية في 96 صفحة بتقديم أحمد التوفيق وتحقيق أحمد ولد الحسن،وهو يندرج في سياق تاريخي برز فيه اهتمام الفرنسيين بتوجيه الفقهاء والمؤرخين الموريتانيين إلى تقديم معلومات حول مواضيع محددة مرتبطة بحياة الرحل والمستقرين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فيما يخص الأرض والمجال والمكان قصد تسهيل مشروعها الاستعماري في المنطقة . والكتاب صغير الحجم غني الفائدة وهو توليفة لأخبار سياسية واجتماعية وثقافية، وهو بحث لغوي يسعى الى إحياء اللغة الامازيغية ورصد اشتقاقها ومعانيها ومعانيها ودلالاتها وتتبع مواطن التقائها بلغات أخرى معايشة كالعربية والزنجية . و في سياق استعراضها لدلالة العنوان تشير خديجة الراجي إلى أن الكتاب تحول من إنجاز عمل يستهدف *تعريب أسماء البربر من الآبار وما تعلق بذلك من الأخبار إلى كتاب في التاريخ يحاول رصد البئر واسمه ومعناه بالأمازيغية ووصفه والمحيط به. فكلما ذكر اسم البئر إلا وأرفقه بأصله البربري ومعلومات حول ظروف الاستقرار حوله وأهم الاحداث التي شهدها المجال المحيط بالبئر وأهم الاسر والجماعات التي استقرت به بل يحصي القبور يسرد حكايات عن المعارك التي دارت على اطرافه،فكل آبار الديماني مقابر وكل اخباره معارك....كما تغاضى عن أية إشارة الى الدخول الفرنسي إلى هذه الجهات وكأنه يؤرخ للفوضى التي عرفتها البلاد قبل الدخول الفرنسي إليها . 4+رحل الصحراء من خلال كتاب جورج سبيلمان لأحمد امحمدي قدم سبيلمان لدرعة مابين 1902 و1904 متنكرا تحت اسم الشريف مولاي سليمان وكان يتقن اللغتين العربية والأمازيغية وقضى مدة طويلة يدرس التشكيلات الاجتماعية والأسس الاقتصادية والممارسات الروحية لسكان درعة خاصة مما نتج عنه مؤلفات عدة أبرزها :ايت عطا الصحراء وتهدئة درعة العليا الذي يؤكد أحمد امحمدي أنه لم يخرج عن روح الكتابات الاستعمارية التي مهدت الطريق للإحتلال المباشر وسهلت عملية التغلغل عملا بمقولة ليوطي الشهيرة التي تحث على *المعرفة الدقيقة بأهل البلاد ورؤسائهم وعاداتهم وحاجاتهم والتعاون المستمر المباشر معهم *وهي سياسات تقوم على الرصد والتحليل ومعرفة العدو اعتمادا على التسلل إلى صفوفه والعيش وسطه ومعرفته حق المعرفة بجمع المعلومات وتحليلها،واستخلاص النتائج الممهدة لمساعدة الحاكمين على اتخاذ القرارات الحاسمة . ويمضي الباحث ليؤكد على الجوانب الايجابية للكتاب حيث أنه أصبح مصدر أساسيا لتاريخ وطبيعة قبائل ايت عطا لغياب دراسة ميدانية مماثلة كما أنه رصد لجميع مراحل التغلغل الاستعماري بالمنطقة بملابساتها ووسائلها ونتائجها بكثير من الدقة ورصد الحقائق والجزئيات حول طبيعة هذه العمليات وردود الفعل إلى حدود سنة 1936 تاريخ نشر الكتاب . وقد حاول الكاتب دراسة الكتاب برؤية تقدمية من خلال محورين أساسين : محور نظري ويتعلق بالنظرة الانقسامية التي صممت عمق رؤية سبيلمان حيث حاول الفصل بين هؤلاء الساكنين في التخوم الصحراوية وفي السفوح الجنوبية للأطلس الكبير ايت عطا نسامر، ايت عطا نوسالون . محور حدثي :تطرق فيه سبيلمان لأحداث تهدئة الجنوب الشرقي من سنة 1926 إلى سنة 1934 باستعراض أحداث ساهم فيها كضابط في الجيش الفرنسي في كل من تنزولين واكدز وزاكورة حيث وصفهم بأوصاف تارة بالمتمردين وأخرى بقطاع الطرق والخونة والفوضويين وكلها صفات تمس بكرامتهم وبقيمهم الحضارية أي أنهم *خارجون عن الحضارة *وماعلى الآخرين الفرنسيين خدام الحضارة سوى التدخل لإنقاذ هؤلاء السكان مما هم فيه من تأخر وفوضى وسوء الأحوال. ويستخلص الكاتب في الأخير أن خلفية سبيلمان هي البحث عن مشروعية التدخل المباشر بالجنوب الشرقي وتهدئته لذلك ركز على الطابع الاستخباري بإثارة النعرات القبلية القديمة وتأجيج السيبة ووصف بعضهم باليهود والأخرى بالزنوج لنسف تلاحم الاتحادية وصولا لتفكيك جبهة المقاومة وهذا مااعترف به سبيلمان نفسه في هذا الكتاب ثم في كتاب آخر نشره بعد أن أصبح جنرالا متقاعدا عنوانه :ذكريات مستعمر .