جاء وادي الساقية الحمراء محملا بالمياه الجارفة أتت على الأخضر واليابس عرت صحة الصور الوردية والنماذج المزوقة والمزركشة التي كنا نفتخر بها كذبا وبهتانا ، وننظر إلى العيون على أنها منارة الصحراء ونموذجا تنمويا يحتذى به ، والعديد من الشعارات الزائفة التي أطلقناها جزافا ودون وعي منا أو قصد ، فقطرات بسيطة كشفت عورة التنمية المغشوشة في زمن التكنولوجيا والإعلام الحر والدستور الجديد الذ ي ينص صراحة على "الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية" في كل تدبير للشأن المحلي ، وربط المسؤولية بالمحاسبة ، والتصريح بالممتلكات وكل هذه المصطلحات الحلوة التي تملأ الفراغ وتزين المشهد ، وتأتي هذه الكارثة الطبيعية في غياب تام للمجالس المحلية المنتخبة التي تعيش أمراضا نفسية وغرورا متناهيا وفسادا ماليا وبيروقراطية مستفحلة . إن الدروس والعبر المستخلصة من هذه الفاجعة البيئية تبين بالواضح أن مستويات البنية التحتية بالعيون من سدود وطرق وجسور وقناطر ضعيفة وهشة جدا جدا في كل المجالات الإقتصادية والتنموية والتكنولوجيا المرقمة من أسلاك الهاتف والإنترنت والماء والكهرباء والسبب هو غياب الإرادة والصدق ناهيك عن المحاسبة والتتبع والمواكبة والحرص على المال العام والغيرة على هذا الإقليم الفتي ، فالمدن الصحراوية أصبحت معزولة تماما عن العالم الخارجي ومنكوبة داخليا بسبب إنهيار الجسور المؤدية إلى العيون بإعتبارها طريق حيوي للقارة السمراء وإلى الشمال . فهذه القناطر التي دمرت بالكامل ،وأصبحت مزارا للساكنة لأخذ صور تذكارية توضح أن طريقة بنائها وتشيدها هو ضحك على العقول وإستهتار بساكنة المدينة والوطن وسرقة مكشوفة في واضحة النهار ، ولاتتوفر فيها أدنى شروط السلامة الطرقية ولاحتى المواد الصلبة من إسمنت مسلح وتعبيد حقيقي ومتين أو سواري عالية وحديد وفولاذ يصمد في وجه عوامل الطبيعة القوية والمدمرة سنين طويلة ، لأنها بنيت في منتصف تسعينيات القرن الماضي من طرف عمال بسطاء غير مختصين في ذلك علاوة على غياب الترميم والصيانة من طرف المصالح المختصة . في ظل هذا الوضع المأسوي إرتفعت الخسائر المالية والفلاحية والبشرية والبحرية وأسعار المواد الغذائية ، وشردت العائلات وأصبح حديث المدينة هو الفيضان وحجم الخسائر الجسيمة والمهولة ، في الوقت الذي يستعد فيه المغرب لتنظيم قمة المناخ كوب22 في مقبل الأيام ، وسط غياب رؤية شمولية لمعالجة الوضع وإستشراف المستقبل حتى لاتتكرر الفاجعة وتستفحل لا قدر الله، لأن التغيرات المناخية التي يشهدها كوكبنا ستزيد من حجم الكوراث والأمطار والفيضانات خاصة مجالات الصحراء والشواطئ بسبب الإحتباس الحراري وإتساع ثقب الأوزون وإرتفاع نسبة حرارة الأرض والتصحر وماإلى ذلك. فيضان وادي الساقية الحمراء احرج المسؤولين على جميع القطاعات ،وحملهم المسؤولية المعنوية والقانونية عن فشل هذه المشاريع من أوراش جهوية رصدت لها أموالا طائلة كمحاربة الناموس والندوات واللقاءات الفارغة المحتوى ومشروع "تكنو بول فوسبوكراع "وشبكة الهاتف النقال والإنترنت والصرف الصحي والطرق والمشاريع البيئية الأخرى التي أصبنا بالتخمة من سماعها كالتشجير والمساحات الخضراء وكورنيش فم الواد إلخ في وقت تتأزم فيه المنطقة من ملفات ضخمة أكبر من هذه الخزعبلات العارضة . وخلاصة القول هل سنبقى على هذا الحال الفوضوي أم هل سنرى تنمية حقيقة وصادقة وجسورا وقناطر معلقة في السماء وسدودا ضخمة تتسع لألاف الملمترات من المياه؟ وهل سيفتح تحقيق من طرف الحكومة أو البرلمان عن أسباب هذه الفاجعة ؟ وهل سنرى بنية تحتية حقيقية تغير وجه العيون القبيح والبئيس ؟أم ستبقى حليمة على عادتها القديمة وتبقى الشعارات مستديمة . وننتظر كارثة أخرى بخسائر اكبر ." والله خير حفظا وهو أرحم الراحمين ."