بقلم : محمد علي ندور / باحث في العلوم السياسية فُتح النقاش العمومي مجددا، حول الريع الذي طالما انتهجته الدولة المغربية كسياسة عامة ليس داخل الإقليم الصحراوي فقط، ولكن كان أيضا وسيلة اعتمدتها ووظفتها الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى ثقافيا على مستوى الداخل المغربي منذ انتهاء مرحلة الحماية الفرنسية والى اليوم، ولو بأشكال وصيغ تختلف وطبيعة المرحلة والفترة التاريخية والسياسية. وانسجاما مع بعض ما أثارته جريدة أخبار اليوم المغربية في عددها 1828 بتاريخ السبت/الأحد 02/03 صفر 1437 الموافق ل 14/15 نوفمبر 2015، حول موضوع الريع في الصحراء وأشكاله وتجلياته ومبرراته وانعكاساته... فان ما لم يتم التطرق له بهذا الصدد وما نود اجتراحه في هذا الإطار هو ذاك النوع من الريع الذي يمكن ان نسميه ب"الريع المؤسساتي". ولتقريب الصورة أكثر وتوضيحها نسرد هنا ثلاثة أشكال فقط لهذا الريع المؤسساتي يمكن من خلالها إعطاء قراءة أكثر عمقا للريع، من تلك المتمحورة دائما حول الإعفاء الضريبي، والرخص، والرواتب الأساسية المضاعفة، وبطائق الإنعاش الوطني، ودعم المحروقات... الشكل الأول: ويتمثل في الجماعات الترابية القروية التي ليس لها تواجد على ارض الواقع ولا يعترف بها سوى التنظيم الجماعي المغربي ومن ورائه الطامعين في تقاسم ما تغدقه عليها مديرية الجماعات المحلية التابعة لوزارة الداخلية، فمقرات هاته الجماعات تتواجد داخل المدارات الحضرية وساكنتها تقطن بالمدن وليس القرى والبوادي، وأما ميزانيتها فشق يصرف على نفقات الموظفين الذين وظف كل مجموعة منهم، إلا القليل، من أمسك برئاسة الجماعة، أما قسم ميزانية الاستثمار فلا اعتقد انه تم استثمارها في بنى تلك الجماعات التحتية أو في غيراها من المشاريع، ومن اغرب وأطرف ما يذكر في هذا الباب ان بعض تلك الجماعات القروية يتواجد نفوذها الترابي شرق الحزام الأمني كجماعة تفاريتي أو جنوب هذا الحزام كجماعة لكويرة، واعتقد جازما أن الساكنة الفعلية لمناطق هاتين الجماعتين كنمزذج لم تشارك من قريب أو من بعيد في انتخاب أعضاءهما ولا هي سجلت في لوائحهما الانتخابية ولا حضرت لاي من انشطتها المرافقة للحملة الانتخابية ولا اجري بها –المناطق- أي اقتراع. الشكل الثاني: ويتعلق بوكالة الجنوب المسماة "قيد حياتها" وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية، والتي كدس بها من الأطر والمستخدمين ما يفوق عدده ما هو عليه في بعض الوزارات القطاعية، والتي شكل التوظيف بها أحد أوجه ريع المحاباة الذي انتهجه مديرها السابق لاتقاء شر بعض العائلات النافذة بالصحراء؛ ما هو المهم بهذا الصدد هو استمرار بقاء هاته المؤسسة في ظل ما رفع شعارا من جهوية متقدمة، وما تم "التبشير" به بخصوص النموذج التنموي الجديد لهذا الإقليم، إذ ظهر من خلال الاتفاقيات الموقعة بالعيون بتاريخ 07 نوفمبر 2015 أن هاته الوكالة لا مكان لها ولا مستقبل يبقي عليها ولا حصة باستثاء بقاءها ريعا مؤسساتيا. الشكل الثالث: يخص هذا الريع تلك المؤسسة العجوز الهرمة المسماة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية المعروفة اختصار ب"الكوركاس"، والتي ترصد لها ميزانية لتغطية مصاريف تسييرها تسجل الاعتمادات المخصصة لها ضمن ميزانية البلاط الملكي، وهي بالطبع ليست في الوقت الحالي سوى ميزانية تسيير شؤون رئيسه وابنه الذي ابتدع له والده منصب مدير الديوان، وهو المنصب الذي ما انزل السلطان به من ظهير، فالمجلس مدة ولايته انتهت بعد أربع سنوات من تنصيبه أي أنها لم تتجاوز تاريخ 24 مارس 2010، ولم يرفع أي تقرير سنوي عن حصيلة وأفاق عمله، وكانت دورة ابريل 2009 آخر دورة عقدها المجلس.. إن الأشكال الثلاثة السابقة الذكر تطرح السؤال الملح وتؤجج الاستفهام المؤرق حول الإبقاء على مثل هاته الهايكل "العظمية" سواء أنها ريعا مغلفا بطابع المؤسساتية، وليس هناك مؤشرات توحي باتخاذ قرارات أو إجراءات للقطع معه على الأقل على المدى القريب والمتوسط.