بقلم :عدي البشير- طالب باحث في القانون العام بالنظر إلى الأهمية التي تكتسيها البنية القبلية في المجتمع الحساني،كان لابد للحقل السياسي أو الممارسة السياسية ألا تظل بعيدة عن هذا المعطى الجوهري، و لذلك يكون لهذه البنية التقليدية تأثير مباشر في العملية السياسية، وفي مقدمتها العملية الانتخابية، وهذا الأمر يظهر على مستويين، الأول يتعلق بالسلوك الانتخابي للصحراويين الذي يتأثر بشكل كبير بالانتماء القبلي. فالقبيلة تشكل معطى تاريخي أنثربولوجي واقعي وممتد في الحاضر ومدخل أساسي لفهم بنية المجتمع الصحراوي وموجه للسلوك السياسي لأفرادها، وهو الواقع الذي استوعبته الأنظمة الاستعمارية التي سعت إلى توظيف تناقضات القبيلة واستثمار تنظيماتها وأعيانها مدخلا لتنزيل سياساتها الاستعمارية بالمنطقة . ويظهر دور القبيلة في العملية السياسية بشكل بارز في المرحلة الإنتخابية و بالضبط في السلوك الإنتخابي للمجتمع الحساني، إذ تستعمل مجموعة من الاليات و الأدوات لجعل الأفراد يصوتون لصالح إبن القبيلة الواحدة، حيث تلجأالنخبة في سلوكها الانتخابي إلى كل مامن شأنه أن يحافظ على موقعها او يجعلها تحوز مقعدا في الجماعة المتنافس حولها أوالمقعدالنيابي،و تتنوع هذه الوسائل من عنف ومال ودعاية وإقناع . كعملية الإطعام الجماعي التي تتخد طابعا دائم خلال الإنتخابات، فالزردة ممارسة ترسي السعادة في المخيلة الجماعية وتعمل على إضعاف قوى الكون المعادية، إنهااحتفال جماعي،وغالباماتقرن هذه الوليمة بقبيلة معينة وبقيمة دينية ، هذه الممارسة تسود بشكل قوي في المدن ذات الطبيعة المغلقة في الأقاليم الجنوبية لكنها نختفي في المدن الكبرى و التي تعرف إختلاطا قبليا، في هذه المدن التي يتم إستعمال آليات أخرى كالترهيب و التخويف لفئة من الكتلة الناخبة المهمة عدديا تذهب مع من يحافظ لها على مصالحها كالفراشة و الباعة المتجولين التي تصوت لصالح رئيس المجلس الجماعي و هذه الظاهرة تظهر في مدن كالعيون و كلميم، في هذين الحالتين يكون التصويت جماعيا. لكن حتى الأحزاب السياسية تساهم بدورها في ترسيخ هذا السلوك، فهي تمنح التزكية الى إبن القبيلة التي تعرف أن له حظوة داخل قبيلته فلا يمكنها ان ترشح مثلا شخصا مناضلا في الحزب و متشبع بأفكاره و يريد ترجمتها على أرض الواقع، كذالك في المناطق التي تكون فيها قبيلة واحدة، تذهب الى ترشيح مرشح من داخل تلك القبيلة الذي له وجاهة و حضوة داخلها. إذ تتسابق الأحزاب السياسية إلى استقطاب عناصر تمكنها من مقاعد داخل البرلمان ، مما يطرح سؤالا حول التزكيات هذه الأحزاب أمام عدم وضوح معايير إعطائها، هل مبني على النضال الحزبي والانضباط أو اعتمادها على العلاقات الشخصية؟ فالسلوك السياسي الغير مفهوم للمجتمع الحساني،مازالت تتحكم فيه الذهنية القبلية ، وأن المجتمع أفراداً وجماعات تصوت على الشخص ولا تصوت على الحزب وبرنامجه ومشاريعه وإيديولوجيته. فالمعطى القبلي في الأقاليم الجنوبية أساسي في ترسيخ كفة هذا المرشح أو ذاك، مما يجعل الانتماء الحزبي في درجة ثانية على الانتماء القبلي إن القبيلة يتم استدعاؤها في المحطات الانتخابية، حيث يصبح التنافس الانتخابي بين فردين ينتميان لقبيلتين مختلفتين كصراع وتنافس بين القبيلتين. فالقبلية حاضرة بشكل غير مسبوق وبحالة استثنائية تقوم على قاعدة الانتماء القبلي ودعم مرشح القبيلة في مواجهة المرشح الآخر، فالسلوك الانتخابي يتحدد على أساس الانتماء إلى القبيلة. أن الملامح العامة للعملية السياسية في الصحراء تتميز بتداخل ماهو إجتماعي و سياسي و ديني و قوة التجييش، إذ لا تأخد أي مدلول عما يجري في المغرب، و هذا ما يؤكده النسب المرتفعة للتصويت مقارنة مع باقي الأقاليم الأخرى.