تكتسي دراسة النخبة في أي مجتمع على أهمية كبرى باعتبارها تسهم بشكل كبير في فهم و تفسير السلطة السياسية داخل الدولة، فداخل أي مجتمع نجد هناك قلة محدودة حاكمة تحتكر أهم المراكز الحساسة و تلعب أدوارا مهمة في تسيير الشأن المحلي، و بذلك تملك سلطة على مستوى اتخاذ القرار و التأثير في صياغتها في غالب الأحوال، و هكذا توجد في كل مجتمع من المجتمعات نخبة أتيحت لها إمكانيات الاضطلاع بأدوار رئيسية و مهمة في مختلف المجالات، و يكتسي طرح إشكالية النخب في الصحراء المغربية خلال هذه المرحلة أهمية كبرى بالنظر لمظاهر التحول الذي تعرفه المنطقة و المسؤوليات التي يفترض أن تتحملها هذه النخبة على طرق بناء مجتمع قادر على قيادة المرحلة، فالنخبة المحلية بالصحراء تظل أقلية و نتاج لإفرازات تاريخية، امتزجت ما بين القبلي و المال و تملّك السلطة، و تتوفر على إمكانيات الفعل و القدرة على التأثير و الحكم، أقلية إستراتيجية تمحورت ما بين الفكر التقليدي و علاقته بالقبيلة من اجل صنع خريطة سياسية للمنطقة، ترتكز على مبدأ الاستمرارية و التوريث لهذه النخبة، الشيء الذي يجعلنا أمام إشكالية محورية تتجلى أساسا في ما مدى تأثير النخبة المحلية في تطوير مفهوم المشاركة السياسية؟ أو بعبارة أخرى إلى أي حد يمكن اعتبار النخبة المحلية في الصحراء دافعا و عاملا من بين العوامل التي تؤدي إلى تطوير مفهوم المشاركة السياسية؟ القبيلة و النخبة إن الدارس لمسألة النخبة في الصحراء لابد أن يستنتج أن أهم السبل التي تؤدي إلى أولوجها تتلخص في نقطتين مهمتين، أولا التعين ( النخب الحكومية و الإدارية) و ثانيا الانتخابات ( النخب البرلمانية و المجالس الجماعية) غير أن الوصول إلى هذا التصنيف مرهونا بعدة عوامل تظل أهمية القبيلة وسط المجتمع عنصر أساسي لهذه السبل فبالنسبة للعامل الأول، أن يكون المرء عامل إقليم أو وزيرا -في اقل الحالات التي عرفتها التشكيلات الحكومية السابقة- فذلك يتطلب مرورا مفترضا عبر عدد من القنوات و يعني كذلك حيازة أكيدة لعدد من العلاقات الاجتماعية و التي تلعب فيها أهمية القبيلة دورا مهما، و مكانة الشخص داخل هذا الكيان الاجتماعي و قدرته على التأثير و التأثر، ناهيك عن الرضا ألمخزني، مما يفضي الوضع إلى صناعة حقيقية لنخبة مستقبلية لا تخرج دائما عن الإطار المتواجد، أما بخصوص الولوج الثاني و المتلخص في الانتخابات بشتى أنواعها، فالكل يعلم أنها تعتمد في كثير من الحالات على سبل متحايلة و ملتوية و غير شرعية فما تعرفه العمليات الانتخابية من بعض مظاهر الفساد تفرض أشخاص بعينهم تحول دون تجدد هذه النخبة كما أن تزكية العضو للترشيح للانتخابات التشريعية و المحلية بالصحراء داخل مختلف الأحزاب تخضع في العديد من الحالات لاعتبارات قبلية و آنية بعيدة عن الكفاءات و الجدارة، بعدما تحول هاجس هذه الأحزاب إلى الحصول على نسبة مهمة من المقاعد داخل البرلمان و مختلف المجالس الأخرى دون التفكير في تطوير أدائها و وظائفها، فالشخص في الصحراء نجده يحمل صفة أعيان القبيلة و رئيس مجلس و برلماني و عضو في مختلف المجالس الأخرى بعيدا عن التعددية ، حيث أصبحت النخبة في الصحراء مرادف للجماعات المتميزة إما في مستواها الاجتماعي و علاقتها بالمخزن بعيدا عن المستوى الفكري. النخب في الصحراء صناعة أم إنتاج تعتبر مسألة تطوير المشاركة السياسية و علاقتها بالنخب مسألة محورية على اعتبار أنها تمثل إرهاصا من الإرهاصات الكبرى نحو تطوير المجتمع، حيث تعد النخبة صلة وصل رئيسية بين المجتمعات المحلية و المجتمع الشامل إذ تشكل إحدى الوسائط الرئيسية التي تلجأ إليها السلطات المحلية و المركزية للتأثير على المجتمعات المحلية، كما قد يحصل عندما تلجأ هذه المجتمعات إلى وساطة النخبة المحلية للتأثير على بعض قرارات السلطتين المحلية و المركزية، غير أن المتمعن في النخب بالصحراء و علاقتها بالمجتمع قد يستنتج عدة إشكالات حول هذه العلاقة ، يرى الأستاذ صاحب بوهاج الباحث في العلوم السياسية في إطار بحث ميداني "أن هي علاقة عضوية بنيوية بحيث تشكل النخب في الصحراء امتداد للتركيبة القبلية، إلا أنه لدي ملاحظة تتجسد في كون هناك نموذجين للنخب في الصحراء : الأول يتمثل في النخبة التقليدية التي حاولت الإستمرار والمحافظة على خصائصها القبلية حيث تعتبره رأسمال تاريخي يعكس هويتها الثقافية رغم التحولات السياسية و الاجتماعية والثقافية. و النموذج الثاني يتجسد في النخبة الحديثة التي استفادت من هذه التحولات وبرزت في العقود الأخيرة كنخبة أكاديمية مثقفة تقدم نفسها على أنها قادرة على تسيير الشأن المحلي مما نتج عنه نوع من التباين والتنافس بين النخب و القبائل وهذا طبيعي جدا في كل المجتمعات الكونية. إلا أن هذه النخبة الحديثة بقيت متشبثة بهويتها الثقافية و هذا هو العامل المشترك بينها و بين النخبة التقليدية." و من هذا المنطلق فتدمير مؤسسات القبيلة من خلال زرع مؤسسات سياسية بديلة مرتبطة بالتصورات الحديثة للممارسات و الإشراف على تسيير الشأن المحلي لا يجد مجالا ملائما للنجاح في ظل الشروط المحددة للوجود الاجتماعي و السياسي للمجتمع بالصحراء، فواقع الحال يشير إلى قطيعة حادة بين القبيلة كمجال اجتماعي و سياسي من جهة و الممارسة السياسية الحديثة التي تجسدها المجالس الجماعية من جهة أخرى، حيث هيمنة نظام الأعيان و السلطة الأبوية الذي يجعل من جيل الآباء يهيمن على كل المساحات المتاحة للتأثير في مسار الأحداث بفضاء المجتمع على كافة المستويات، فاعتبار السن مثلا و الصفة و الأهمية داخل القبيلة لازال عاملا أساسيا في احتلال المناصب المميزة، مما يفضي إلى الإقصاء التام لفئة الشباب، و هذا تعكسه الأرقام المتاحة حول المستوى التعليمي و العمري للمستشارين الجماعيين و انخفاض مستوى المؤهلات العلمية، الشيء الذي يجعل السلوك السياسي لهؤلاء مغرقا في شكل قد تحيل على القبيلة أكثر بكثير مما تحيل على الدولة، كما أن الغياب التام للأحزاب السياسية من فضاءات المجتمع بالصحراء ذلك أن اعتبار المجالس الجماعية واجهة للديمقراطية يجعل من المفترض أن تلعب فيها الأحزاب دور الفاعل ما بين التأطير السياسي المباشر للمواطنين و الحضور التنظيمي و الأيدلوجي، لا يعكس الحضور الحزبي فيها إلا في سياق الدكاكين و المحلات الانتخابية التي تنشأ في فترات الحملات الانتخابية لتعود إلى أدراجها في انتظار استحقاقات جديدة كما أنها ادا وجدت إما فارغة أو مغلقة إلى إشعار أخر، هكذا تتأسس العملية الانتخابية في الصحراء على قاعدة الانتماء العرقي و القبلي و العشائري الذي يعيد إلى الأذهان نظام الولاء التقليدي المباشر، بل أن الأحزاب نفسها غالبا ما تركب نفس هذا النظام التقليدي في اختيارها للمرشحين الذين سيحضون بتزكيتها و الذي لا يفسح المجال أمام انبثاق نخب جديدة أكثر ملائمة لشروط الممارسة السياسية الحديثة مما يحيل الانتباه إلى كون المشروعية في إيجاد النخب بالصحراء مرتبط بالصناعة أكثر ما هو إنتاج مجتمعي يعتمد على المؤهلات الثقافية و العلمية المحلية، هذا ما يفسره الهوة و الفجوة الكبيرة بين الأعيان أو النخب التقليدية و المجتمع بمكوناته الحديثة، خلف تراكمات لازالت تجر أذيالها المنطقة عبر السنوات، و اضعف معه المبادرات الحرة للمجتمع الشاب في نسق قد يجعل من المجتمع قابل للتأثير و التأثر ، و أنتج كذلك صراعات ما بين الأجيال قد تكون الدولة مساهما في هذا الصراع من خلال تسمينها لهؤلاء الأعيان و إدراجهم كمحركين أساسين للمجتمع لاعتبارات سياسية أو لدواعي قد يجهلها الكثير. النخب الصحراوية بين الوظيفة والتوظيف في إطار تسليط الضوء على النخب الصحراوية لإظهار آليات تمكنها وتمكينها من البروز والاستحواذ على هرم الشأن المحلي وبالضبط على عناية المخزن المركزي بما أن هاجس الأمن وضبط السياسي والاجتماعي هو الرهان الأساسي للنظام السياسي القائم. وبالتالي فالشريحة التي نحن بصددها هي شريحة دخلت سياج السلطة من بابها الواسع وتمخزنت ومنحت لها امتيازات مادية وإدارية وتقلدت مناصب سامية في بعض الاستثناءات والأهداف كثيرة ومعقدة وعلى رأسها تكريس مفاهيم وآليات القبيلة بنهج يخدم المخزن أفضى إلى إغداق على بعض المحظوظين أفراد وسلالات عائلية بامتيازات وعوائد ما من شأنه أن يرضي الأطراف لربط جسر الثقة ولتزكية سلطة الرضا والقبول( اقتصاد الريع). وفي ظل وضعية وظرف دقيق يعيش المجتمع الصحراوي في تجاذب اجتماعي وسياسي احتجاجا على بعض المقاربات التي تعارض تطلعاته في التغيير والتي تشوبها سمة التمرد والرفض لتكشف النخب عن مقوماتها في إعانة المخزن لاحتواء أي تحول وبالتالي الاختباء وراء ستار الأمن العام لبسط سيادة الدولة بتفويض تلقائي لما هو مطلوب منها والمتعاقد عليه مسبقا. وتاريخيا الفاعل في الصحراء هم النخب التي احتكرت المجال السياسي والأمني وتدبير الشأن الديني متعارف عليها في تكوينات المجتمع ولزعامات تاريخية وجهادية في مواجهة الاستعمار أخذت على عاتقها أهداف متعددة الأدوار والغايات. وتعد بيعة أمير المؤمنين، عنصرا محوريا في تلاحم وارتباط قبائل الصحراء بالعرش العلوي و الذي لم يتجاوز الشرعية المتوارث والضاربة جذورها في التاريخ والمحمية دستوريا.وتتمحور النخب الصحراوية على الشكل التالي : المخزن - الزوايا ( أولياء - شرفة -علماء دين - شيوخ عشائر (زعمات )+ تجار . ولتواجد هده النخب الضاربة في القدم ولسلاطين المغرب المتعاقبين دور كبيرا في تقويتها والدفع بها نحو تبوء المكانة اللائقة والمنزلة الرفيعة في بنيان المجتمع مما أضفى عليها شرعية القبول. ومن تجليات الترابط العضوي بين النخب الصحراوية والمخزن كثيرة ومن بينها مد العون المادي والمعنوي لبناء زاوية أهل الشيخ ماء العينين في السمارة على يد السلطان الحسن الأول و التعيينات التي شملت أبناء الصحراء على يد الراحل محمد الخامس في تدبير الشؤون الإدارية و نذكر منهم لا الحصر القائد دحمان و القائد الخرشي و الشيخ الحاج الحسين بن حمدي و القائد بوزيد الرباني. تم مبايعة " خطري ولد الجماني في أكادير للملك الراحل الحسن الثاني سنة 1975 ومبايعة ساكنة وادي الذهب 1979 وصل الأمر إلى توشيح أفرادها و زعماتها القبلية بظهائر ملكية وأوسمة تعبيرا عن الرضا والتفاني في خدمة وحدة الوطن والارتباط التام مع العرش العلوي و في إطار توسيع دائرة النخب الصحراوية للمشاركة في تسيير الشؤون الجهوية التي تروم إلى حل الحكم الداني بتعيين مجلس استشاري من أبناء الصحراء (كوركاس) كمؤسسة فاعلة و كلبنة من لبنات التوجه الديمقراطي زد على دلك ما دأبت عليه العادة في تزكية لحمة الارتباط إلى حد بعت رسائل تعزية في حالة الوفاة وبالتالي تكون إشارات الارتباط بين المخزن و النخب الصحراوية استوفت شروط مفهوم النخبة المتواجدة لهدا النادي العريق و المتجدر في التاريخ . ولكن السؤال الذي يفرض ذاته بإلحاح هو بعد استكمال وحدة المغرب الترابية تم تعميم مؤسسات الدولة وتوطين ميكانيزمات التمدن في الصحراء وما صاحبه من تحول سوسيولوجي لساكنة دأبت الترحال إلى الاستقرار؟ وبالتالي من نخب '' نخب قبائل '' إلى صراع النخب من أجل الوصول إلى رضا المخزن والاستئثار بالامتيازات الكبيرة والعوائد إلى حد توظيف نزاع الصحراء كغطاء لامتصاص سخط المخزن والاختباء في حالة الإخفاق أو عدم القدرة على الالتزام بالواجب المرغوب منها أن تقوم به كفعاليات قادرة على احتواء صوت المجتمع والتعبير عن إرادته في التشغيل وتدبير إستراتجية تنموية فاعلة والدفاع عن وحدة الوطن. أم أن السياسية البيروقراطية قد أدت إلى خلق النخب متقطعة الأوصال داخل كياناتها القبلية مما جعلها مخلوقات صورية لا تملك أي تأثير في الحقل الاجتماعي الصحراوي.