«المال الحرام أكبر خطر يتهدّد الانتخابات»، هكذا صرخ المشرف السياسي الأول على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بالمغرب، رئيس الحكومة وزعيم الحزب السياسي الأول في البلاد، عبد الإله بنكيران. هذا الأخير وضع قبل أسابيع قليلة توقيعه الرسمي أسفل الورقة التي كُتب عليها بلاغ رسمي للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، والذي قال في سابقة من نوعها إن «الأمانة العامة تحذّر من خطورة تسرب أموال تجارة المخدرات إلى عالم السياسة، وتوظيف المال الحرام لشراء أصوات الناخبين، وهو ما يهدد نزاهة العملية الانتخابية وصدقيتها». من جانبه، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، اعتبر أن السبب الرئيس في التراجع الكبير الذي سجّله حزبه في انتخابات الغرف المهنية، التي جرت الأسبوع الماضي، يتمثل في «استعمال المال». إدريس لشكر قال إن كائنات انتخابية اعتادت الترحال والتفنّن في «البيع والشراء» وبشكل علني، هيمنت على المحطة الأولى من مسلسل انتخابي طويل سينتهي بتجديد تركيبة الغرفة الثانية للبرلمان المغربي. قديما قيل المال عصب الحرب، والسياسة بكل أوجهها ومظاهرها الداخلية والخارجية، ما هي إلا استمرار للحرب بأدوات ناعمة وسلمية. وبما أن الانتخابات أكثر مظاهر السياسة تجليا وأهمية، فإن المال أصبح واحدا من أكثر العوامل المؤثرة في توجهات الرأي العام ونتائج الاقتراع. اقتصاد قائم الذات ينشأ كلّما توجّهت الشعوب إلى المعازل ومكاتب الاقتراع، واستنفار لأقصى ما يمكن من طاقات التمويل والإنفاق من جانب الأطراف المتصارعة سياسيا، ما جعل الدول الديمقراطية تصدر قوانين وضوابط لتأطير وتقنين دور المال في حسم العملية الانتخابية، سواء منه المال العام أو الأموال الخاصة. لكن ماذا عن المغرب؟ من أين يأتي ما بات يصطلح عليه ب»المال الحرام» الذي يفسد العملية الانتخابية؟ كيف يستخدم هذا المال في التأثير في نتائج الانتخابات رغم كل القوانين والاحترازات والإجراءات الأمنية والقضائية لمراقبتها؟ ما الفائدة التي يجنيها هذا المال من وراء دخوله سباقا انتخابيا يوصل إلى مناصب في مرافق عمومية وليس بشركات خاصة؟ هل يتعلّق الأمر فقط بأموال المخدرات المتأتية أساسا من تحويل وترويج وتصدير مخدّر الحشيش؟ أم يتعلق الأمر بأموال متأتية من مصادر إجرامية أخرى؟ أم أن البورصة الانتخابية تعرف دخول أموال «نظيفة»، أي مشروعة المصدر، لكنّها تستخدم لإفساد التنافس الانتخابي الشريف وضمان وصول منتدبين عن مراكز للنفوذ والقوة إلى مراكز القرار؟ المال العام لا يكفي بغضّ النظر عن مصادر الأموال، حاولت الحكومة، وتحديدا مصالح وزارة الداخلية المشرفة ميدانيا على الانتخابات، الحدّ من قوة تأثير المال في الاستحقاقات الانتخابية الحالية، وأصدرت مؤخرا سلسلة من النصوص والمراسيم، من بينها تلك التي تحدّد للمرشّحين حدود وأوجه الإنفاق الانتخابي. المرسوم الخاص بتحديد سقف النفقات الانتخابية، ألزم المرشحين لولوج مجلس المستشارين بعدم تجاوز مبلغ 30 مليون سنتيم في حملتهم الانتخابية، مقابل 15 مليون سنتيم للمتنافسين حول عضوية مجالس الجهات، و5 ملايين فقط للمرشحين لمجالس العمالات والأقاليم، مقابل 6 ملايين للمرشحين لمجالس الجماعات. سقف لا يبدو أنه يُقنع أيا من الفاعلين في الحقل السياسي المغربي. عضوان قياديان في اثنين من أعرق الأحزاب السياسية المغربية، تحدّثت إليهما «أخبار اليوم» حول سبب عدم دخولهما للانتخابات المحلية المقبلة على رأس إحدى اللوائح، فكان الجواب صريحا ومباشرا: «من أين لي بالمال لدخول هذه الانتخابات؟». تساؤل استنكاري، لم تنفع معه حجج وجود تمويل عمومي ودعم للأحزاب السياسية من جيوب دافعي الضرائب. «هذا الدعم بالكاد يغطي طبع المنشورات التي يتم إلقاؤها في الشارع، بينما الأمر يتطلّب نفقات حقيقية لتوظيف عشرات المساعدين والمنخرطين في الملة الانتخابية وكراء محلات وأجهزة تكبير الصوت وسيارات للتنقل وزيد وزيد»، يقول أحد القياديين الشابين اللذين تحدّثت إليهما «أخبار اليوم». الخبير في المالية العامة، إدريس الأندلسي، قال إن دافعي الضرائب مجبرون على تمويل الأحزاب السياسية «حتى وإن كانوا يعتبرونها مجرد دكاكين انتخابية، والمال العام هو الذي يبقي هذه الأحزاب واقفة من الناحية المالية، لكن الكرم العمومي يظل آمنا من البحث عن كرم آخر غير عمومي». وأضاف الخبير المالي في مقال له بمجلة «الشالنج» أن السقف المحدد قانونيا للتبرعات الموجهة إلى الأحزاب يتمثل في 30 مليون سنتيم سنويا، «وإلا فإن حسابات الحزب سترفض من طرف المجلس الأعلى للحسابات»، لكن هناك أشخاص مستعدون لدفع أكثر من هذا المبلغ لفائدة أحزابهم أو الحزب الذي يختارون الانضمام إليه عشية الانتخابات، وهم الذين يصطلح عليهم بالأعيان». الأندلسي توقّف عند ما سماه مفهوم الزردة الانتخابية كوسيلة للتأثير في قرار هؤلاء الذين يقدرون «أداء الطباخ». ثم يضيف أن «السندويتش» الانتخابي لفائدة المناضلين لا يبدو محط إجماع، فالسقف المحدد للمرشح الذي يتقدم للاقتراع التشريعي المحدد في 35 مليون سنتيم، لا يبدو كافيا لتحريك النوايا الطيبة وإمالة ميزان القوى بشكل ملموس. الميزانية المتوقعة لهذه العملية لن تقل عن سقف المليون درهم، والموارد لا يمكن بأي حال أن تقتصر على مساهمات المنخرطين، وهو ما يؤدي إلى الأداء بدون تصريح والفواتير المزورة والأداء بواسطة الأوراق المالية، رغم أن القانون يفرض على الأحزاب القيام بالأداءات التي تفوق قيمتها مليون سنتيم عبر الشيك. وقضاة المجلس الأعلى للحسابات لن يستطيعوا الدخول في تفاصيل الحسابات، بل المراقبة الحقيقية يجب أن تتم أثناء الحملات الانتخابية لمعرفة كلفتها الحقيقية». خلاصة التحليل الذي قام به هذا الخبير المالي تفيد أنه وفي جميع الحالات تبقى الحملات الانتخابية فرصة لتوزيع الأعطيات، «والتخفيف من تكدّس الأموال القابعة داخل الحقائب، أو التي تظهر بعد فترة من الدفن داخل حدائق بعض الفيلات. ف»الكاش» يجعل العلاقات تتسم بالثقة لكونه لا يترك أثرا، واستعماله مطمئن للمبتدئين في السياسة، والذين بمجرّد وصولهم إلى مواقع القرار، يبدؤون في سدّ العجز المسجل في صناديقهم». سخاء الدولة في تمويل الحملات الانتخابية سيرتفع في المحطة الانتخابية المقبلة مقارنة بسابقاتها، حيث سيصل مجموع الدعم المالي الخاص بالحملات الانتخابية إلى 30 مليار سنتيم، 28 مليار منها موجّهة للأحزاب السياسية، فيما ستحصل النقابات على مليارين لتمويل حملتها الانتخابية الخاصة بمقاعد مجلس المستشارين. أي أن الكلفة الإجمالية للاستحقاقات الانتخابية ستكون أكبر من سابقتها لعام 2009، حيث تكشف المعطيات الرسمية، الخاصة بتلك الانتخابات، أن الكلفة الإجمالية التي يتطلّبها المسلسل الانتخابي للجماعات الترابية، فاقت حينها 55 مليار سنتيم، 25 مليار منها وجّهت للجانب اللوجستيكي فقط، إلى جانب 10 ملايير لتنظيم كل من تجديد اللوائح الانتخابية وانتخاب ممثلي الغرب والمجالس الجهوية والإقليمية. أرقام لا تعني شيئا في سوق النفقات الانتخابية، حيث كشف حزب العدالة والتنمية، وهو الذي يتلقى أكبر حصة من الدعم العمومي بالنظر لحجمه في البرلمان، أنه سيمنح 1000 درهم لكل مرشح باسمه في القرى، و500 درهم لمرشحيه بالمدن، إلى جانب طبع المنشورات، وهو ما يعني أن الدعم العمومي على أهميته لا قيمة له في البورصة الانتخابية، بل الحسم للأموال الخاصة. مئات الملايير ستنفق قبل 4 شتنبر ضعف آليات المراقبة في رصد المال الانتخابي الفاسد تتمثل في مؤشرات عديدة، من بينها كون ثلث المرشحين للانتخابات التشريعية ل2011 فقط قدموا حساباتهم المالية داخل الآجال القانونية، هؤلاء جميعا صرّحوا بإنفاقهم أكثر من عشرين مليار سنتيم، أي أن مجموع المرشّحين السبعة آلاف قد يكونوا أنفقوا، بناء على التصريح الذي تقدم به ثلثهم للمجلس الأعلى للحسابات، ما لا يقل عن 60 مليار سنتيم. أما والأمر يتعلّق الآن بانتخابات محلية يجري التنافس حولها في 1500 جماعة، ونحو قرابة 25 ألف مقعد، فإنه وباحتساب معدّل متنافسين اثنين حول كل مقعد (انتخابات 2009 شهدت تنافس ما معدله 5 مرشحين لكل مقعد)، واحترامهم جميعا لسقف الستة ملايين سنتيم الذي لا يجب تجاوزه، فإننا سنكون أمام أكثر من 300 مليار سنتيم سيتم إنفاقها، دون احتساب النفقات الخاصة بحملات انتخابات مجالس العمالات والأقاليم والجهات ومجلس المستشارين، حيث يصبح «ثمن» الصوت الواحد في صفوف الناخبين الكبار ملايين الدراهم. أي أننا أمام سوق قصيرة الأمد لا يقل رقم معاملاتها عن 500 مليار. الأكاديمية المغربية المقيمة في سويسرا، مونية بناني الشرايبي، تطرّقت بدورها لأوجه الإنفاق الفاسد في الحملات الانتخابية في كتابها حول كواليس الانتخابات في المغرب. الباحثة قالت إن الكسب المادي المباشر وحده يحرّك ذلك الناخب المتجاهل للعروض الانتخابية والبرامج المقترحة. أمر يجعل العملية الانتخابية، حسب منية الشرايبي، تتضمن أجندة خاصة بالحفلات، «ليس لأنها تسمح بالتواصل مع المواطنين، لكن لأنها تتيح القيام بعملية توزيع واسعة للأعطيات في أجواء احتفالية». وهذه «تجارة» قالت الباحثة المتخصصة إنها تتم بشكل مقنّع، وتجعل المرشّح يبدو في صورة المعطاء والكريم، ويستثمر تلك التصورات الثقافية التي تجعل تقاسم الطعام «عهدا» ووسيلة لخلق واجبات ينبغي القيام بها. الكتاب الذي استند إلى دراسة ميدانية خلال الانتخابات التشريعية لعام 2002، قال إنه ورغم الانتقال من النمط الفردي الذي كان يتيح للمرشح الذي «يشتري» الأصوات الحصول على دليل وفاء «البائعين» بتعهّدهم، من خلال تقديمهم أوراق التصويت الخاصة بمنافسيه كدليل، إلى نمط الاقتراع باللائحة، لم يحدّ من استعمال المال في شراء الأصوات. «لا وجود لنباح بدون مقابل، ولا زغاريد بدون مقابل»، تنقل الباحثة مونية الشرايبي عن أحد مصادر دراستها الميدانية، موضّحة أن شراء الأصوات اتّخذ أشكالا أخرى، من قبيل انتزاع القسم على القرآن، للتأكد من وفاء الناخب بتعهّده بمقابل مالي. تقنية قالت الباحثة إنها وقفت على معلومة طريفة بشأنها، حيث يعمد بعض الناخبين على تخصيص جزء من المبلغ المالي الذي تلقوه من المرشّح، لشراء كمية من قطع الخبز، ويتصدّقون بها للتكفير عن ذنب القسم الكاذب الذي يقومون به، ثم يصوتون لمن شاؤوا! المخدرات واللوبيات «ليس للمال الانتخابي عادة أهداف سياسية، لأن المال لا يقبل التسييس والأدلجة. المال لا يعرف إلا نفسه، وإن صرف المال فلأجل تنميته وزيادة أرباحه»، تقول القيادية في حزب العدالة والتنمية آمنة ماء العينين، مضيفة أن المال الانتخابي لا يعرف معنى الإحسان، «فلطالما اعتبرت بعض الأحزاب السياسية أدوات لبعض اللوبيات الاقتصادية، لذلك نجد المرشحين الذين يستعملون المال بكثرة مريبة يتخذون من رجال الأعمال والمستثمرين الكبار وأعيان المالles grosses têtes économiques مصادر لتمويل حملاتهم وشرائهم للذمم». لكن، ما الذي يدفع هؤلاء لصرف أموالهم في العملية الانتخابية رغم بعدهم عنها نظريا، وما الذي يجعلهم يمولون أكثر من مرشح متنافس في نفس الانتخابات؟ «إنها لغة المصالح»، تجيب ماء العينين، «فهم يشترون ود الجميع، طبعا بتفاوت، فإذا ما تشكلت المجالس يجدون أصدقاءهم، المطوقين بمعروفهم، جاهزين للتوقيع على كل الوثائق التي تسهل أعمالهم ولو كانت مشبوهة وغير قانونية. حيث يسترجعون في عملية واحدة ما صرفوه في الحملات الانتخابية». معطى يجد له في الواقع الكثير من المؤشرات، حيث بات الحديث في بعض المدن والمناطق في الفترة الأخيرة، يدور حول مبالغ بمئات الملايين، وأحيانا بالملايير، يقال إنها وُضعت رهن إشارة واحد أو مجموعة من المرشحين لبلوغ منصب المسؤولية والشروع في تأدية المهام المطلوبة. أما المصدر الثاني لأموال الانتخابات الذي تشير إليه البرلمانية ماء العينين، فهو تجارة المخدرات. «وهي تلك الجهات التي تسعى بدورها إلى حماية مصالحها وتأمين الطريق أمامها بعيدا عن المحاسبة والمراقبة. إنها أموال وفيرة وعينية تعتمد على الإغراء الذي يصعب على المرشحين المستهدفين مقاومته. فبالنسبة لتجار المخدرات، المنتخبون طرف في دائرة القرار، حتى لو كان طرفا ضعيفا، لكن لابد من استمالته وضمان ولائه داخل دائرة يجب امتلاك نفوذ كبير بداخلها، حتى تتمكن تجارة مجرمة قانونا من الازدهار والانتعاش بعيدا عن العقاب». معطيات يبدو الجميع مجمعا على صحّتها، بالنظر إلى ورود ذكرها على أكثر من لسان، أولهم لسان رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. وفيما كانت السلطات تعمد إلى التقليل من دخول فئة تجار المخدرات بشكل مباشر غمار السباق الانتخابي، من خلال لوائح سرية وغير رسمية تعدّ عشية كل استحقاق، لأشخاص يتم إخبارهم بكونهم ممنوعون من الترشّح، يبدو أن الدولة، وفي ظل حرصها على التقدّم التدريجي نحو تأطير قانوني صرف للعملية الانتخابية، قد تراجعت عن هذا الأسلوب، في مقابل استنفار كل الأجهزة الأمنية والقضائية لمراقبة العملية الانتخابية ورصد تجاوزاتها. تعبئة تجسّدت في الاجتماع الذي انعقد غداة عيد العرش، وضم كلا من وزيري الداخلية والعدل، ومدراء أجهزة الأمن والمخابرات، ومجموع ولاة وعمال المملكة. فيما كان النواب البرلمانيون الذين قدّموا مقترح تعديل لقانون تنظيمي يقضي بمنع الأشخاص الذين أدينوا بتجارة المخدرات من خوض الانتخابات، مجبرين على سحبه بعد رفضه من طرف اللجنة المختصة. محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، يضيف منفذا آخر من منافذ تسرّب مال بعض اللوبيات والجهات المرتبطة مصالحها بالجماعات المحلية، إلى المجال الانتخابي، وهو الصفقات التي تبرمها هذه الجماعات عشية الموعد الانتخابي. «كنا نتمنى أن تصدر الحكومة نصا ينص على إيقاف صفقات الجماعات المحلية 6 أشهر على الأقل قبل الانتخابات، لأننا نلاحظ حاليا ما كاين غير زفّت وزيد». وأوضح المسكاوي أن المرسوم الأخير الذي رفع سقف النفقات الانتخابية إلى 6 ملايين لكل مرشح، «على الأقل، أصبح يضبط أمرا كان واقعا ولا يمكن إنكاره، حيث لم يصبح هناك مجال للاعتماد على التطوّع في الحملات الانتخابية، ولابد من حدّ أدنى من التمويل». القبيلة مصدر رئيسي للأموال ثالث المصادر التي أوردتها النائبة البرلمانية آمنة ماء العينين، للمال الذي يفسد الانتخابات، كانت القبيلة التي قالت إنها من المصادر الرئيسة للمال الانتخابي. «هي أموال تختلف عن أموال المستثمرين وأموال المخدرات، عادة ما لا يحكمها منطق الربح والخسارة بقدر ما توظف لشراء الحظوة والجاه، وهي عناصر رمزية هامة لاستمرار القبيلة واسمها». وتضيف النائبة البرلمانية أنه وفي حالة اندلاع معارك انتخابية بين قبائل تجمع بينها عداوات تاريخية، «تكون كل قبيلة مستعدة لخسارة الأموال دون تعويضها، فقط لتنتصر وتسقط مرشح القبيلة «الخصم لصالح مرشحها». معطى أكده مصدر موثوق مطّلع على خبايا البنية القبلية جنوب المغرب، موضّحا أن الأمر بدأ يتغيّر نسبيا. «تحكّم البنية القبلية في الشأن الانتخابي ودرجة التماسك بدأت تنخفض مفسحة المجال أمام قوة المال والطرف الأقدر على جلب المصالح وحمايتها»، يقول المصدر نفسه، مضيفا أن القبيلة تدخل العملية الانتخابية بكامل قدراتها، «فبمجرّد ترشيح الشخص الذي يمثّلها أو يضمن مصالحها، تجدها مجنّدة بالسيارات والأموال، وقد شهدت شخصيا اجتماعات لتعبئة الدعم المادي، حيث يُطلب من كل فرع أو فئة جلب عدد معين من الإبل أو السيارات المستأجرة أو الأشخاص الذين سيشتغلون خلال الحملة والأموال السائلة في حالات الأغنياء ورجال الأعمال». الوضع حاليا شهد بعض التغيير، حسب المصدر نفسه، «والبنية القبلية تراجعت أمام تحالفات أخرى ذات طبيعة مالية، في انتخابات حديثة جدا وقفت شخصيا على تقديم مرشح قوي لدعم مالي مباشر لمرشح آخر، تمثل في عشرين مليون سنتيم ومجموعة من الأشخاص الذين سيساعدونه في الحملة، مقدما لهم 1200 درهم لكل شخص، كي يضمن نجاحه وتصويته لصالحه في المرحلة الموالية من انتخابات غير مباشرة». وحده مكوّن البويهات، حسب المصدر نفسه، يحافظ على تماسكه وتغليبه للبنية القبلية على قوة المال، «وقليلون يعرفون أن هذا المكون بات في شبه مقاطعة للانتخابات، لرفضه الإذعان لضغوط دعم فئة معينة من الأعيان، ومقاطعتهم هذه التي أدت إلى دعم غير مباشر لحزب العدالة والتنمية وانتخاب برلماني عنه، حيث تم تصريف هذا الغضب القبلي بتصويت مضاد».