تواجه الأحزاب السياسية المغربية، وهي تخوض أول انتخابات في ظل الدستور الجديد للمملكة، تحدي التدبير المالي للمرشحين لحملاتهم الانتخابية، في ظل وجود مخاوف من تكرار مظاهر الإساءة إلى العملية الانتخابية باستعمالها في شراء أصوات الناخبين، خاصة في ظل الحديث عن توقع ارتفاع مصاريف الحملة الانتخابية لانتخابات مجلس النواب عن سابقتها في سنة 2007. وبدا لافتا، أسابيع قليلة عن النزال الانتخابي ل 25 نونبر القادم، حرص حكومة عباس الفاسي على تشديد الرقابة على المال الانتخابي، ووضع مقتضيات جديدة لتعزيز شفافية التدبير المالي للمرشحين للانتخابات البرلمانية وتخويل المجلس الأعلى للحسابات مهمة بحث جرد المصاريف الانتخابية. ولأجل تشديد الرقابة على الأموال التي يصرفها مرشحو الأحزاب في الانتخابات، وضعت الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية، مجموعة من الإجراءات تهم بالأساس ضبط الدعم السنوي الممنوح للأحزاب ومساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين، وطرق مراقبة تصريف هذه التمويلات. توجه وزارة الداخلية نحو تشديد الرقابة على أموال دعم الدولة الممنوح للأحزاب لتمويل الحملات الانتخابية، يبدو واضحا من خلال تسليط سيف فقد الحزب حقه في الاستفادة من الدعم السنوي، على رقاب الأحزاب السياسية، حيث تنص المادة 45 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، على أن المجلس الأعلى للحسابات يتولى فحص مستندات الإثبات المتعلقة بصرف المبالغ التي تسلمها كل حزب معين برسم مساهمة الدولة في تمويل حملته الانتخابية. وإذا تبين للمجلس بأن المستندات المدلى بها من لدن حزب سياسي في شأن استعمال مبلغ مساهمة الدولة الممنوح برسم حملاته الانتخابية، لا تبرر، جزئيا أو كليا، استعمال المبلغ المذكور طبقا للغايات التي منح من أجلها أو إذا لم يدل بالمستندات والوثائق المثبتة المطلوبة، يوجه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إلى المسؤول الوطني عن الحزب إنذارا من أجل إرجاع المبلغ المذكور إلى الخزينة أو تسوية وضعية الحزب خلال أجل ثلاثين يوما من تاريخ الإنذار. وإذا لم يقم الحزب المعني بالاستجابة لإنذار الرئيس الأول للمجلس داخل الأجل المحدد قانونا، يفقد الحزب حقه في الاستفادة من الدعم السنوي إلى حين تسوية وضعيته تجاه الخزينة دون الإخلال باتخاذ التدابير والمتابعات المقررة في القوانين الجاري بها العمل. وفي سبيل قطع الطريق أمام التمويلات التي تذهب في اتجاه الإساءة إلى العملية الانتخابية، سواء تعلق الأمر باستعمالها في شراء الأصوات أو تدبير نفقات الحملة الانتخابية، يلزم المرسوم الخاص بتحديد سقف المصاريف الانتخابية للمترشحين بمناسبة الحملات الانتخابية برسم الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب، بالتقيد بسقف المصاريف المحددة في 350 ألف درهم لكل مترشح أو مترشحة، عوض 250 ألف درهم، ووضع بيان لمصادر تمويل حملاتهم الانتخابية ووضع جرد بالمبالغ التي تم صرفها مع إرفاقه بالوثائق المثبتة. كما يلزم المرسوم كل وكيل لائحة ترشيح أو مترشح بوضع بيان مفصل لمصادر تمويل حملته الانتخابية وجرد للمبالغ التي صرفها أثناء حملته الانتخابية، مع إرفاقهما بجميع الوثائق التي تثبت صرف المبالغ المذكورة. وبالرغم من تسجيل الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة تحقيق مكتسبات عدة، في سياق تقييمها للمنظومة القانونية، تمثلت في وضع مقتضيات جديدة لتعزيز شفافية التدبير المالي للمرشحين للانتخابات البرلمانية وتخويل المجلس الأعلى للحسابات مهمة بحث جرد المصاريف الانتخابية، إلا أنها سجلت عددا من النواقص تجلت على وجه الخصوص في إعفاء المرشحين للانتخابات الجماعية والمهنية من إيداع جرد النفقات الانتخابية لدى لجنة التحقق، وعدم التنصيص على نشر تقريرها، وعدم التنصيص على إلزام الأحزاب السياسية بنشر الوثائق المقدمة لمجلس الحسابات، ومحدودية فعالية مراقبة المجلس الأعلى للحسابات الناتجة، علاوة على الاكتفاء برفع تقرير إلى السلطات المختصة حول نفقات الأحزاب السياسية دون الكشف عن الاختلالات المرصودة. ولتجاوز النواقص المسجلة هيأت الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة الميثاق الوطني لأخلاقيات الممارسة السياسية، ينتظر أن توقع عليه الأحزاب السياسية قبل بداية الحملة الانتخابية، يلزم الأحزاب بالتقيد بحدود النفقات القانونية للحملة الانتخابية، والسعي إلى الحفاظ على الشفافية الكاملة للتدبير المالي ونفقات الحملات الانتخابية، والالتزام بتقديم كشف مالي مفصل للهيئات المختصة حول مصادر التمويل والمبالغ التي تم إنفاقها خلال الحملة الانتخابية. وبالرغم من تأكيد مصادر حزبية أن النصوص التي حضرتها مصالح وزارة الداخلية، والقاضية بتشديد الرقابة على صرف أموال الانتخابات، تروم بدرجة أولى قطع الطريق على استعمال بعض المترشحين الأموال لكسب أصوات الناخبين، إلا أنها تبدي توجسها من «تؤاطو« وتغطية بعض الأحزاب السياسية على تجاوز مصاريف مرشحيها للسقف المحدد لتمويل الحملات الانتخابية، مشيرة إلى أن الدعم المقدم من طرف الدولة للأحزاب السياسية يدخل في إطار المال العام، ومن ثم كان لزاما على الحكومة الحالية مراقبة طرق صرفه وقطع الطريق أمام كل تمويل مشبوه يؤدي إلى تزوير الإرادة السياسية للشعب وتفشي الرشوة ومظاهر الانحراف السياسي في العملية الانتخابية. وكانت تقارير جمعيات المجتمع المدني أكدت على أن انتخابات 2007 التشريعية عرفت استعمالا واسعا ومكثفا للمال، سواء أثناء الحملة الانتخابية أو يوم الاقتراع، وأحيانا من قبل أشخاص لهم صلات بشبكات التهريب أو المخدرات، مدعمين في العديد من الحالات بعصابات تمارس التهديد والعنف ضد المنافسين السياسيين. ويبدي بعض المتتبعين للمشهد السياسي المغربي تخوفهم من أن يكون المال السلاح الحاسم في الانتخابات التشريعية القادمة، لاستقطاب الأصوات لاسيما في ذلك حديث من تمرسوا على الانتخابات عن زيادة في مصاريف الحملة الانتخابية لمحطة 25 نونبر عن سابقتها في سنة 2007، حيث تتراوح مصاريف حملة انتخابية نزيهة بهدف الحصول على مقعد برلماني ما بين خمسين مليون سنتيم في الدوائر الحضرية ومائة مليون في القرى. وحسب سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، فإن هناك نقصا كبيرا على المستوى القانوني في ما يخص ضبط مصاريف الحملات الانتخابية، مشيرا إلى وجود ثغرة كبيرة تجعل مهمة ضبط تلك المصاريف صعبة، في ظل عدم وجود أي إجراء يساعد على التأكد من صدقية البيانات المقدمة من قبل المترشحين بخصوص المبالغ الحقيقية التي أنفقوها، إذ أن القانون يلزم المرشح بإيداع جرد للمبالغ التي صرفها أثناء حملته الانتخابية مع الوثائق المثبتة لذلك وبيان مفصل لمصادر تمويل حملته الانتخابية ، دون وجود ما يؤكد صحة المبالغ التي صرفها أكانت 100 مليون سنتيم أم مليار سنتيم. وبرأي العثماني فإن تلك الثغرة لا تعين على قطع الطريق على أعداء النزاهة والشفافية، ولا على الحديث عن ضمانات تحمي إرادة الناخب من الضغوط، ومن ثم ستظل الانتخابات مرتعا لعمليات الإغراء والإغواء، وإغراق الانتخابات في الفساد، مشيرا في تصريحات ل «المساء» إلى أن المتفق عليه اليوم في القانون المقارن ولدى الخبراء في الميدان وفي قوانين الدول الديمقراطية هو إلزام المرشح بفتح حساب خاص بالحملة الانتخابية، وبأن تمر من خلاله جميع مداخيل ومصاريف حملته الانتخابية. وإذا ثبت وجود تمويلات أو مصاريف للحملة لا تمر بالحساب البنكي الخاص بالحملة فإن ذلك يمكن أن يكون سببا في الطعن في انتخابه. وفي الوقت الذي تستعد فيه الأحزاب السياسية لبدء حملة انتخابية بميزانيات تختلف من حزب إلى آخر، فإن إشكالية تمويل هذه الحملات تضع الأحزاب ومرشحيها في موضع المساءلة والمحاسبة بخصوص الإساءة إلى العملية الانتخابية، وهي تخوض «عراكا» انتخابيا أضحى المال عصبه الرئيس.