تجلس بالمنزل تتابع مباراة لكرة القدم تعجب بأجواء المباراة حماسة اللاعبين و الجمهور، تتمنى لو كنت في المدرجات معهم. بعد ساعات تتحول الأمنية إلى : الحمد لله أني لم أذهب إلى المباراة . نسمع و نقرأ و نشاهد خبرا حول أحداث شغب و تخريب في مباراة كرة القدم ..نتجاهل الأمر اعتقادا أنه عابر و يحصل في جميع الدول، يتكرر الأمر مرات و مرات بوثيرة أسرع و أكثر انتشارا، فيصبح الخطر في تجاهلنا و تجاهل المسؤولين للمشكل و التعامل معه بنوع من الاستخفاف. شريط صادم شاهدناه جميعا لمشجع خريبكي يلفظ أنفاسه الأخيرة في اعتداء متبادل بين مشجعي الفريقين الزائر و المضيف....شريط أعاد للأذهان أحداث شغب و عنف كثيرة، تكاد لا تحصى و جميع القراء الكرام لابد و أنهم شاهدوا شريطا أو قرأوا خبرا صدمهم و غير مفهومهم حول اللعبة، نظرا لهذا التأثير السلبي الذي تركته على المغاربة، بالإضافة إلى تعريتها واقع بئيس لفئة عريضة من الشباب. نسبة مهمة من الجمهور المغربي – خاصة الشباب - تحركهم إلى حد كبير خسارة أو فوز نادي يشجعونه، لأن الانتماء للنادي أصبح مثل الانتماء للدين و الوطن، يدافع عنه مثلما يدافع عنهما، بل أكثر من ذالك عندما يصل الدفاع إلى ممارسة مختلف أشكال العنف اتجاه "الأعداء" و هؤلاء لا يعدون سوى مشجعي النادي الآخر -المنافس الأبدي- كانت الكرة ترفيه فأصبحت معركة في الملعب و المدرجات. اتسعت دائرة إنتماء البشر مع الزمن من الاسرة للقبيلة ثم الدين و الوطن لتنتهي بالإنتماء إلى الانساية وهي الأصل، لكن دائرة إنتماء المغاربة تضيق لتنحصر في المدينة و النادي و الحي ...إنها عصبية جاهلية مقيتة. لماذا أخدت سلوكات الجماهير المغربية هذا المنحى الخطر؟ من سيكشف لنا عن البنيات النفسية لهذا الفرد ؟و كيف يتحول إلى شخص عنيف في وجوده وسط الجماعة؟ من سيكشف عن سيكولوجية الجماهير المغربية بمنهج علمي رزين. لقد انتقل الصراع في أذهان الناس من صراع من أجل الدين و الوطن و القضايا المجتمعية و ضد الظلم و اللاعدالة...إلى معارك من نوع آخر، معارك يومية في حلبات صراع عمومية في المدرجات و المقهى، في الطريق و عند الحلاق،في الحافلة والمدرسة. الشرارة يمكن أن تكون تافهة لكنها تكشف عن بنيات عميقة في الإنسان المغربي هدف أم لا، ضربة جزاء أم خطأ الحكم، اللاعب له طفل و زوجه أم أنها صديقته و الطفل متبنى...من قبل كان الشباب الفئة الأكثر دينامية في المجتمع و التي تناضل من أجل قضايا مجتمعية في مظاهرات و جمعيات و أحزاب،أما الآن فاستسلمت لسياسة أرادت منهم أن يصبحوا كائنات مسالمة تجلس في المدرجات لا تريد إلا التسلية دون أن تتعب و تجهد ذهنها في التفكير، لأن بعد التفكير العمل و النضال،والنضال لدى بعض المستفيدين من ضياع الشباب يعني البلبلة. أحداث العنف و الشغب في الملاعب لها أسباب عديدة و متداخلة بين السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و الاسري...كل هذه الاسباب تشكل بنية نفسية للفرد لا تظهر إلا مع الجماعة و هنا الجماعة تتمثل في حشود الجماهير.ماهي الرسالة التي يرسلها هؤلاء الشباب من وراء ممارساتهم، أم أنها أمور شخصية و نحن نبالغ في الأمر و نلصقها بالجماهير. أنظار الجميع موجهة نحو خطر "دواعش" الشرق، متناسين أو متجاهلين "الدواعش " التي يتم صناعتها في أحزمة الفقر و الهوامش لكن النتيجة واحدة العنف و القتل و التخريب. أسميته خطر لأنه كذلك، خطر يشوه صورة الكرة المغربية بل صورة المغرب و يعري عن عورة أخرى من عورات المجتمع الذي مني بالهزائم تباعا في العديد من القضايا، هزائم لا يمكن أن نفصلها عن بعضها البعض. لقد تناولت الموضوع من زاوية معينة أردت من وراءها نتبيه و ربما تذكير الجميع إلى لهذا الخطر أي "الدواعش" التي تنشأ و تكبر في الهوامش و تعمل وسط الجماهير فتختلط الصورة و تصبح أكثر ضبابية و الأمور أكثر سوءا مما هي عليه الآن.