في التاسع و العشرين من ماي 1985، شهد ملعب “هيزل” أحداث شغب مثيرة أثناء مقابلة كروية بين فريقي ليفربول وجيفنتوس بمناسبة نهائي الكأس الأوربية، وذهب ضحية أحداث الشغب 39 شخصا، فأصبح بعد ذلك وصف «الهوليغانز» دالا على ممارسة الشغب الرياضي، فالهوليغانيزم Hooliganism يدل في اللغة الإنجليزية على الشغب والفوضى، بالرغم من أن بداية استعماله كانت بداية من ستينيات القرن الماضي من طرف وسائل الإعلام، للإشارة إلى حالات الفوضى التي تعقب الهزائم أو الانتصارات التي تعرفها مباريات كرة القدم، لتتجه بعد ذلك الأنظار العلمية إلى هذه الفئة من أجل فهم دواعي الشغب و جذوره الأولية، في وقت انتقلت فيه ظاهرة الشغب من رقعة الملعب إلى جنبات الملعب والأحياء والأزقة المجاورة للملعب. وتشير دراسة علمية أنجزت لفهم حقيقة وأبعاد الظاهرة، إلى أن 70% من الهوليغانز ينحدرون من أوساط عمالية، و أكثر من 40% منهم يعانون مشاكل أسرية و 35% منهم لا يمارسون أي عمل. وبالمغرب، شهدت الملاعب الوطنية في السنوات الأخيرة تنامي ظاهرة الشغب الرياضي، والتي أصبحت في تزايد مهول وأوقعت ضحايا بشرية وخسائر مالية كبيرة، ورغم اصدار قوانين جديدة صارمة إلا أن ذلك لم يمنع من تفاحل الظاهرة التي أصبحت تشكل كابوسا مرعبا. فكيف نقرأ سوسيولوجيا ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية؟ وما الذي نقصده بالشغب الرياضي؟ وما خصوصية الشغب الرياضي المغربي وما اسبابه وتداعياته؟ ولماذا لم يحد القانون 09.09 المتعلق بتجريم العنف داخل الملاعب الرياضية من ظاهرة الشغب الرياضي؟ *** محمد أوزين: شغب الملاعب مِعْوَل يهدم جهود البناء الرياضي قال وزير الشباب والرياضة محمد أوزين٬ أول أمس الإثنين، إن ظاهرة الشغب بالملاعب أضحت «معولا يهدم كل الجهود المبذولة لبناء رياضة وطنية محترفة متطورة»٬ مؤكدا أنه لا يمكن التغاضي عنها أو الاستهانة بخطورة النتائج المترتبة عنها. وأوضح أوزين٬ في معرض رده على أسئلة شفوية بمجلس النواب حول الموضوع، أن الوزارة تضع مسألة التصدي لهذه الظاهرة ضمن أولوية الأوليات وتتخذ كافة التدابير والإجراءات لمحاربتها بنهج مقاربة تشاركية واعتماد استراتيجية واضحة ترتكز أساسا على إحداث لجنة وطنية موسعة للوقاية ومحاربة العنف في الملاعب الرياضية تضم كل الفاعلين والمتدخلين والقطاعات ذات الصلة. وأضاف أن الوزارة بصدد إنجاز دراسة ميدانية بإشراك أساتذة باحثين وخبراء في هذا المجال والاستفادة من تجربة البلدان المتقدمة٬ للوقوف على مكامن الخلل التي تعرقل سير الحركة الرياضية بالمغرب وتعيق تنميتها وتطورها٬ مشيرا إلى أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم٬ وفي إطار التدابير الاحترازية٬ وضعت ضمن دفتر التحملات الخاص بالبطولة الاحترافية للموسم المقبل بندا يلزم الأندية بتجهيز ملاعبها بمركز للمراقبة يتوفر على كاميرات ترصد مرتكبي أعمال الشغب. وقال الوزير إن أحداث الشغب بالملاعب٬ كالتي عرفتها المباراة التي جمعت بين الوداد والجيش الملكي يوم 14 أبريل الجاري بالمركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء برسم الدورة 25 من بطولة القسم الوطني الأول٬ «لم تكن في يوم من الأيام من قيمنا ولا من أخلاقنا ولا من تربيتنا المبنية على قيم التسامح والتآزر والغيرة على الوطن». *** خالد الإدريسي،محام بهيئة الرباط: هناك ثغرات في القانون المتعلق بتجريم العنف داخل الملاعب يعتبر القانون 09.09 هو القانون المتعلق بتجريم العنف داخل الملاعب الرياضية، والذي جاء على أساس الحد من ظاهرة الشغب بالملاعب الرياضية، والتي أصبحت مستفحلة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ويرى خادل الإدريسي، المحام بهيئة الرباط، أن المشرع المغربي حاول أن يتعامل بنوع من الشدة مع مرتكبي الشغب من خلال خلق قانون وجعله جزء لا يتجزأ من منظومة القانون الجنائي، ليعبر عن نية المشرع للتعامل بعصا من حديد مع مرتكبي هذه الأفعال، يضيف الإدريسي، «لكن على ما يبدو وبعد مرور حوالي سنة على الشروع في تطبيق بنود القانون، ظهر أن هذا القانون هو إطار غير كافي للحد من ظاهرة الشغب، وتبين أن النظرية الأمنية هي أيضا غير كافية وينبغي تعزيزها بآليات أخرى للحد فعلا من هذه الظاهرة، سواء تعلق الأمر بالدور المهم الذي يجب أن يقوم به الإعلام للمساهمة في الحد من الظاهرة، بالنظر لكون العديد من وسائل الإعلام تلعب دورا مهما في تعبئة الجمهور الشيء الذي يجعله يقوم بهذه الممارسات، كما أن جمعيات المشجعين لها دور كبير في التوعية والتحسيس بمخاطر الشغب الرياضي». ويعتقد الإدريسي أن القانون أتى وهو يحمل معه عددا من الثغرات، إذ من الأول كنا نجزم بأن تطبيقه سيكون صعبا من طرف القضاء المغربي. ومن بين أهم الانتقادات لتي وجهت للقانون، حسب الإدريسي، «عدم التفريق بين القاصرين وغيرهم من المشجعين البالغبين، وهنا نسجل أن دور االقاصرين كبير جدا في أحداث الشغب، ويستفيدون من بعض ظروف التخفيف فيما يخص العقوبات الحبسية التي تطبق عليهم بمقتضى القانون الجنائي». وخلص الإدريسي إلى أن هناك حاجة ولو لتعديل جزئي للقانون، حيث بعد سنة أن هناك ثغرات كبيرة سواء على مستوى الإثبات على اعتبار أن الفعل يقوم به العشرات من الناس في لحظة واحدة، ثم وسائل الإثبات، وهل يمكن الاعتماد على الكامرات الموجودة في الملعب؟ وهل الملاعب تتوفر على كامرات أصلا؟، ثم إمكانية اعتماد القضاء على تقرير مندوب الحكم في الملعب؟، كما أن هناك مشكل يتعلق بالإطار الزمني والمكاني لتطبيق القانون، هل فقط داخل الملعب؟، أم في جنبات الملعب أيضا، حيث تتم أحداث مهمة مرتبطة بالشغب الرياضي. مع ذلك، يضيف المتحدث، «هذا القانون لوحده غير كافي، يجب أن يتعزز بآليات أخرى، من أجل أن تكون المقاربة شمولية للحد من آثار هذه الظاهرة» **** العطري: شغب الملاعب حالة من الفوضى الاجتماعية تدل على اختلال عميق في النسق المجتمعي يرى الباحث السوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري أن ظاهرة الشغب الرياضي التي تشهدها مباريات كرة القدم، لا ينبغي النظر إليها بغير العين السوسيولوجية، فالأمر لا يتعلق بتشجيعات رياضية تقفز على المعتاد، أو انزلاقات غير محسوبة، إنه البحث المستمر عن فريق/ وطن آخر، بانتماء جديد و هوية أخرى، فكل عنف ما هو إلا محصلة لعنف سابق عليه، و العنف الذي يجنح المشجعون الرياضيون من الشباب والمراهقين إلى الدخول فيه، ما هو إلا نتيجة للعنف المسلط عليهم تهميشا وإقصاءا من طرف مالكي وسائل الإنتاج والإكراه، و هذا ما يتضح من خلال تأمل انحداراتهم الإجتماعية، وأوضاعهم السوسيو اقتصادية. والشغب حسب العطري، «يحيل مفهوميا على أفعال بصيغة المفرد أو الجمع، تخرج عما هو مسطر من قواعد و ضوابط، الشيء الذي يدخله في خانة الشذوذ، و عندما يصير الشغب مفتوحا على المجال الرياضي، فإنه يكون بدافع الاستنكار والرفض والاعتراض وإبداء الامتعاض من شيء ما، أو يكون أحيانا بسبب الاحتفاء والتعصب لإنجازات الفريق»، فالشغب داخل الملاعب الرياضية، يضيف العطري، «يدل على نوع التحرك الفجائي وعلى شكل من الهبات والهزات الاجتماعية التي تنتشر داخل الملاعب أو خارجها في أعقاب الهزيمة أو الانتصار»، ويعبر عن «حالة من الفوضى الاجتماعية تغيب فيها عناصر الضبط الاجتماعي، و تتعالى فيها بالمقابل إمكانيات وملامح العنف والانفلات و الصراع، فالشغب يندلع بشكل عفوي و يتجاوز سقف مولداته و شروط إنتاجه المباشرة، بسبب افتقاده للتنظيم و الهدفية الاستراتيجية، مما يجعل منها مجرد رد فعل عنيف و هدام، محدود و عابر، محدد مجاليا واجتماعيا وليست له مطالب وأهداف واضحة». وهو ما يجعل العطري يخلص للقول بأن، «الشغب الرياضي هو حركة جماهيرية عفوية لا تتردد في اللجوء إلى العنف، محدودة في الزمان و المكان، توجبها عوامل وشروط موضوعية، و تدل على اختلال عميق في النسق المجتمعي». ويشير العطري إلى أن «غالبية ممارسي الشغب تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 22 سنة، و ينحدرون بنسب عالية من أحياء الصفيح ومناطق السكن العشوائي التي أخطأتها مشاريع التنمية، كما أنهم ينتمون إلى أسر فقيرة تعوزها إمكانيات العيش الكريم، و هم فضلا عن ذلك انقطعوا مبكرا عن الدراسة ولا يعملون إلا بشكل مؤقت في مستوى الأعمال الحرفية، أو لا يعملون بالمرة». ما يقع في الملاعب الرياضية و خارجها أيضا من ممارسات الشغب، لا يمكن تفسيره بمنطق الحقل الرياضي فقط، يقول العطري، «إنه ظاهرة مركبة تتجاوز رقعة الملعب إلى مجموع النسق المجتمعي، فالشغب الرياضي ملمح من ملامح الاحتجاج الاجتماعي بالمغرب، إنه عنوان آخر لمغرب العطب والاحتقان، فهناك الكثير من الصيغ البديلة للإحتجاج التي تظهر في مجالات المركز، و تكاد تظهر في التطرف الذي يتجاوز المجالين الديني والسياسي إلى تطرف أذواقي يهم الملبس والموسيقى وأنماط العيش والسلوك ولغة التواصل والانتماء، ففي هذه المستويات نلمس عنفا مضمرا ومعلنا، و نقرأ منحنيات من السلوك الاحتجاجي. ويرى العطري أيضا أنه من خلال الكتابة على الجدران والكتابة الإبداعية أيضا، نكتشف جوانب أخرى من الاحتجاج، كما أنه في العزوف عن المشاركة في الانتخابات ومقاطعتها بالمرة نكتشف سلوكا احتجاجيا مختلف النوع و الدرجة، فانتفاء الصراع من الشارع العام لا يدل على انتفاء الصراع كلية، إنه يتحين الفرص للإنطراح بأشكال متعددة، لا تحيل في قراءتها السطحية على البعد الاحتجاجي، لكن بتعميق النظر فيها، يتأكد أنها أشكال أخرى للإحتجاج والتعبير عن رفض القائم من الأوضاع. ليخلص إلى أن «الاحتجاجات تراوح أمكنتها التقليدية وتنتج لنفسها مساحات أخرى عن طريق التحوير والاستعاضة، إنها تنتقل من أمام البرلمان ومن زمن المدرسة و الجامعة، إلى الملاعب الرياضية في إطار الشغب الرياضي الذي يتجاوز فعل التشجيع، إلى التخريب وممارسة العنف حتى في حق قوات مكافحة الشغب، و إنها تنتقل من مجالها الحضري إلى أكثر المناطق بعدا وارتباطا بفكرة المغرب غير النافع، وإنها تتحين الفرص للظهور على هامش كل تجمع بشري في انتظارحافلة أو قطار أو في طابور أداء فواتيرالكهرباء أو طابور موعد الاستشفاء و العلاج».