بالرغم من حدة النقاش الدائر في الأوساط الشبابية والفعاليات المدنية بإقليم الطنطان حول فشل القائمين الحاليين على تدبير الشأن المحلي بالإقليم وفساد المنتخبين الموكلين من طرف الساكنة على حماية المال العام وترشيد النفقات المالية، فإن حظوظ "السادة المنتخبين الحاليين" مازالت قوية لاكتساح الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بجميع أصنافها (بلدية وبرلمانية وغرف وجماعات قروية ...)، وهذا ما يعكس التناقضات السياسية والمجتمعية التي تعرفها الصحراء عموما ومدينة الطنطان بشكل خاص. إن المتتبع لما يحدث بمدينة الطنطان، لا يجد صعوبة في ملاحظة البطء الذي تعرفه أشغال التنمية المحلية، والعابر سبيل يرى بسهولة هشاشة البنيات التحتية واضمحلالها، الشيء الذي أصبح يعرفه القاصي والداني من أبناء المدينة وفعالياتها المدنية، بيد أن هذه الوضعية المزرية التي تتناسق مع هشاشة الأوضاع التي تشرف عليها المصالح الخارجية و القطاعات الوزارية الأخرى (الصحة والتعليم والتشغيل والتجهيز...) لا تنقص من قيمة القائمين عليها ولا تنال من شعبيتهم بل تزيدهم قوة وحظوظا في اكتساح الاستحقاقات الانتخابية المقبلة !! فالقيام بجولة سريعة بشوارع وأزقة المدينة يشي بأن حصيلة المجالس الانتخابية في هذه الولاية هي الصفر، انقطاع متكرر للماء الصالح للشرب وعدم استفادة مجموعة من الأحياء من قنوات التطهير، انتشار الأزبال وروائح ( الواد الحار و معامل الكوانو) في العديد من الإحياء، أحياء تعيش في القرون الوسطى، تهيئة حضرية مغشوشة ( مهزلة شارع الحسن الثاني واجهة الطنطان، حدائق جانبية باهظة الثمن، ملعب بلدي كارتي أشبه بمستودع للشاحنات...) فوضى عارمة من داخل قصر البلدية والمقاطعات، غياب تصور محلي للتنمية وقطاع اجتماعي هش، سوق أسبوعي مهترئ... لكن بالرغم من كل ذلك فالمنتخبون "الشرفة" يمتلكون وصفة سحرية للنجاح تجعلهم ينتظرون باطمئنان الانتخابات المقبلة، وتتكون هذه الوصفة من المكونات والمقادير التالية: انتشار الأمية وضعف الوعي السياسي، تواطؤ السلطة المحلية، إعاقة المجتمع المدني، عدم وجود نخبة سياسية ونخبة اقتصادية بديلة. المفارقة التي تعيشها "الشخصية الطنطانية " هي أن ساكنة المدينة كلها لا تخفي شعورها بعدم الرضا والسخط تجاه المنتخبين المحليين، بينما تجدها عشية الاستحقاقات تهرول كلها لتصوت على نفس الوجوه وكأنها تناولت حبوب الهلوسة التي تخدرها وتجلها تتناقض مع ما بداخلها، لكن القصة وراء ذلك هو أن ارتفاع نسبة الأمية والفقر في أوساط معظم ساكنة المنطقة يجعل منهم مجرد جنود احتياط تشترى بأبخس الأثمان عشية الاستحقاقات، معتبرتا ذلك سينقدها من الفقر والهشاشة، ومتناسيتا بأن حبوب الهلوسة هته سيذهب مفعولها بمجرد ما تظهر نتائج الانتخابات لتبدأ سلسلة المعانات من جديد. وبالتالي فإن الأمية والجهل يحولان دون تكون وعي سياسي لدى ساكنة تعاني الأمرين، خصوصا وأن معظم من يوجد في المدينة هم من يعتبرونها مجرد مدينة عبور وبالتالي ليست موطنهم الأصلي. للسلطة المحلية دور أساسي في ضمان بقاء " المنتخبين الحاليين" على سدة المجالس التمثيلية، فالسلطة تغدي وتتغدى مع هؤلاء، إذ أنه ليس من صالح السلطة المحلية أن تظهر نخبة جديدة مثقفة قادرة على تحرير طاقة الشباب وتقوي من دور المجتمع المدني وترفع من نسبة الوعي السياسي لدى الساكنة، لأن ذلك سينتج عنه المطالبة و الترافع على ضرورة إيفاد لجان لمحاسبة المتورطين في نهب المال العام والعابثين بمؤسسات الدولة، وهذه بخلاصة ليست هي المهمة المنوطة بالقائمين على السلطة المحلية، لأن هؤلاء همهم هو الحفاظ على الوضع القائم واستقراره وحليفهم في ذلك هم "المنتخبين الحاليين" المتورط بعظهم في العديد من ملفات الفساد. فالعامل هو أعلى سلطة في المدينة وله الحق في أن يوقف المشاريع المغشوشة وأن يستدعي لجان المراقبة والتفتيش والمجالس المكلفة بحماية المال العام لتقوم بإعداد تقاريرها حول كيفية صرف المال العمومي بالمنطقة، وله الحق في أن يراقب عمل مختلف القطاعات الوزارية... ولكن هذا لا يحدث مما يزكي المقولة التي تقول أن الطنطان أريد لها أن تبقى مهمشة لسبب في نفس يعقوب. عادة ما يلعب المجتمع المدني أدوار رائدة في تنمية منطقة معينة والركود بها نحو الإقلاع والرقي في شتى المجالات لما له من قدرة على التعبئة والعمل عن قرب والاحتكاك بهموم المجتمع ومراقبة القائمين على الشأن العام وفضح الفاسدين والمفسدين، لكن للأسف فمدينة طانطان تفتقر لشيء اسمه المجتمع المدني مع العلم أن فيها من الجمعيات ما يصعب إحصائه لكثرته، بيد أن حقيقة الأمر هو أن معظم الجمعيات المتواجدة بالمنطقة هي جمعيات ورقية لا وجود لها على أرض الواقع، جمعيات أشباح لا تظهر إلا إذا كانت هنالك غنيمة تريد أن تنقد عليها. وهذه الجمعيات غير المتخصصة التي تجد في قوانينها الأساسية أنها تقوم بكل شيء وتتدخل في جميع المجالات ما هي في الحقيقية إلا أدرع إجتماعية انتهازية في أيدي هؤلاء المنتخبين الذين يستغلون المال العام( المبادرة الوطنية، المنح الاقليمية، برامج التنموية...) لتوزيعه على هذه الجمعيات الموالية حتى تقوم بدورها أيام الانتخابات، بل أن الجمعيات التي تتوفر على أرصدة مالية ضخمة تجد المكاتب المسيرة لها تتكون من هؤلاء المنتخبين أنفسهم !! مثل ( الجمعية الخيرية الاسلامية، الجمعية التي تسير موسم طانطان...). وبالتالي فبالرغم من وجود العديد من الجمعيات المواطنة الغيورة إلا أن دورها يضل محدودا مقارنة مع جيوش الاحتياط. للأسف الشديد فإن مدينة طانطان لا تتوفر على نخبة سياسية بديلة لمجابهة أباطرة الانتخابات الحاليين، فالأحزاب السياسية لا تلعب أدوارها المنوطة في التوعية السياسية ولا في تكوين نخب شبابية قادرة على حمل المشعل وتحمل مسؤولية إيصال صوت الساكنة لأعلى المستويات. والصحراء عموما لا تعتمد على دور الحزب السياسي وإنما تعتمد على الفرد السياسي، ولعل ما جرى في العيون مؤخرا من استقالة مكتب فرع شبيبة العدالة والتنمية بأكمله وانخراطه بشكل جماعي في حزب الاستقلال ليدل على ذلك، وبالتالي فمدينة طانطان لا تعول على حزب سياسي قادر على صناعة نخبة جديدة، وبالتالي يشكل ذلك مصدر راحة وضمانة لعدم زعزعة السادة المنتخبين من كراسيهم المريحة على الأقل لولاية قادمة حتى يثنيهم الكبر في السن على شغل مناصبهم. نفس الشيء ينطبق على النخب الاقتصادية، فبالرغم من وجود أصحاب الأموال والأثرياء إلا أنهم ليسوا مهتمين بالسياسة ولا بأوضاع المدينة، ومعظمهم يملك منازل وفيلات في مدن سياحية يقضي معظم وقته هناك (أكاديرمراكش...). يبدوا أن المدينة تحتاج إلا حدوث طفرة حتى يحدث التغيير، والطفرة تحدث غالبا بالصدفة، لكن التهييئ لحدوث الطفرة والاستغلال الأصلح لها هو ما يحدث هذا التغيير بل هو ما يسمى التغيير نفسه.