ضرورة الوقوف على الخيانة، و إن كانت الحقيقة تفسد العلاقات كما قال أحد الرفاق، فلابأس إذا تعرى هذا الواقع و تأسس عن هذا فهم حقيقي و موضوعي للأحداث و تداعياتها و آفاقها المظلمة، فمما لا شك فيه فإن الأحداث التي شهدتها مدينة آسا عقب تفكيك مخيم تيزيمي على يد قوات القمع بمباركة حفنة من المنتخبين و الانتهازيين، أدت في نهاية المطاف كمخرج موضوعي إلى وفاة التلميذ " رشيد الشين" الذي خانه الكل و للأسف، و الزج بأبناء هذا المدشر الجريح إلى وراء القطبان و نحن الآن نعيش على وقع الأحكام الجائرة و المطبوخة المتنافية مع خطابات العهد الجديد، كما عشنا سلفا على وقع خيانة الكل لعائلة الفقيد رشيد الشين. الرجوع إلى هذا الحدث ليس من باب التأريخ فقط و لكن استحضاره بالأساس من باب الوقوف على سببية هذه النكبة إن صح التعبير، من خلال طرح سؤال لماذا هذا الإخفاق؟ أي من المسؤول؟ و كيف نستشرف المستقبل بناءا على الحاضر الجريح؟ . الإجابة عن هذه الإشكاليات التي تعد مفتاح سببية تداعيات و حصيلة الأحداث، سنتطرق لها من خلال تحديد أوجه الخيانة المتمثلة في " خيانة المثقف " و " خيانة النخبة السياسية "، و كذلك سنجيب عن " سلطة الشيخ " كفاعل في مجرى الأحدث. خيانة المثقف :
في إجابتنا عن موقع المثقف قبل و بعد الأحداث، يستلزم منا أولا استحضار بعض المقاربات التي تناولت هذا المفهوم ( التأصيل )، و نسقطها على مجتمعنا الذي في حاجة ماسة إلى هذا المثقف، فالمفكر الماركسي الإيطالي " أنطونيو غرامشي " في تصنيفه للمثقف يقسمه إلى مثقف تقليدي و مثقف عضوي، الأول مثقفا محافظا على الأنماط السائدة و لا يعي التطور الموضوعي للواقع المادي للإنسان، و تمثلاته و تحاليله لهذا الواقع هي ثابتة مادام يدير ظهره لهذا التطور المستمر، و بتالي لا يكون إطارا نظريا يتناغم مع هذا الواقع باستمرار، إذ أنه مثقفا نمطيا يقوم على اجترار المفاهيم و المعارف بدون أن تكون انسلاخا للواقع المادي الذي من الضروري أن تعكس توجهات هذا المثقف، و هذا التصنيف لغرامشي في مقابله يضع النقيض " المثقف العضوي" الذي له ارتباطا عضويا بتناقضات و تفاعلات المجتمع المتجددة حاملا على عاتقه تشخيصها و تفكيكها استنادا إلى عملية التحليل الملموس للواقع الملموس الأساس الصلب لتوجيه الجماهير و لخدمة الجماهير، المفكر اللبناني " المهدي عامل " يجيب عن سؤال المثقف " في البداهة أن يكون المثقف ثائرا أو لا يكون "، " أما " عزمي بشارة " أكثر مرونة في التعاطي مع مسؤوليات المثقف على خلاف عامل، إذ يرمي به فقط في دائرة "النقد" حيت يتمثل المثقف في قوله " ليس بالضرورة أن يكون المثقف ثائرا لكن بالضرورة أن يكون نقديا "، و هناك من يرى بأن المثقف يتموقع فقط في " قاعة الانتظار" ينتظر مكانا يتبؤه للانخراط في عملية الحفاظ على البنيات الفوقية السائدة و تعميق الهوة بين المستبدين و المستبدين، بين الظالمين و المظلومين. من خلال هذه المقاربات التي أجابت عن سؤال المثقف و مسؤوليات المثقف لا تعكس بالضرورة الخلفية أو الأساس الإيديولوجي لكاتب هذه السطور، و لكن للإحاطة الشاملة بمفهوم المثقف، إذ نخلص بالقول " بأن المثقف قد يكون محافظا غارقا في النوم في قاعة الانتظار، أو أنه ناقدا لم يلج بعد أو بالأحرى حكم على نفسه ألا يتبؤ مكانة التأثير في مشروع التغيير، أو فاعلا مؤثرا في الوضع الاجتماعي ، السياسي، ... لأوسع الجماهير "، فأين جلابيب مثقفي آسا من هذه المقاربات؟ أضن أن مقدمة حول هذا الإسقاط كافية للجواب فلا داعية لتعميق التحليل، فمن المفروض أن نقدم الاعتذار لعامل و غرامشي، فربما لن تتحملوا هذه المسؤولية إلا أنتم، و كان كذلك فأنت يا عامل استشهدت في شارع الجزائر ببيروت على يد من كانت سهام نصف تراث فكرك مبيدة لتهليلاتهم المخمورة، و أنت يا غرامشي أقلامك كانت نهايتها في سجون الديكتاتور موسولوني، فلا غرابة إذا قلنا إننا أمام " مثقفي قاعات الانتظار "، و إذا تجاوزنا ذلك نرمي ببعضهم في خانة النقد، مع تشويه و تحريف تعاليم بشارة عن المثقف و انشغالات المثقف، مادام نقدهم نقدا محتشما لا يسمي الأمور بمسمياتها، ولا وقع و لا أثر لعملية النقد هذه على واقع آسا و تطلعاتها، فما القيمة من الحشو النظري بدون أن يترجم في الممارسة العملية، و ما الغاية من العلم إذ لم يخدم الإنسان و الإنسانية، فمن هذا المنطلق و في غياب المثقف في مجرى أحدات آسا الجريحة و توجيهها لصالح ساكنة اسا بشكل عام، كانت النتيجة الموضوعية هي الزج بأبناء المنطقة في غياهب السجون و الحكم عليهم بأشد العقوبات السالبة للحرية و بمحاضر مطبوخة تعكس طبيعة النظام السياسي القائم بالمغرب من جهة، و من جهة أخرى تعكس مخططات النظام السياسي في تصفية الأصوات الحرة بآسا الجريحة، مستفيدة من فراغ المثقف كآلية للتوجيه و التخطيط و كمحصن لانفعالات الجماهير الشعبية. خيانة النخبة السياسية: أين تتموقع النخبة السياسية و ما مظاهر الخيانة المخرج الحتمي لنكبة آسا و الالام و الجراح التي عمرت بيوت عائلات المعتقلين في آسا و كلميم، و انسداد أفقها في " حقها السياسي " و التنموي؟ . النخبة السياسية تعددت التأويلات في معالجة النخبة السياسية و الأهداف المنوطة بها، إلا اننا سنكتفي بالقول " بأنها تلك الفئة التي تحمل على عاتقها سياسة أمور الأفراد الذين منحوهم الشرعية لترافع على اشكالياتهم الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، التنموية....، في علاقتها بالسلطة المركزية "، و لعل هذا التعريف لنخبة السياسية و كما هو معروف و بالاستناد الى الواقع لا نجده في آسا المنكوبة مادام أن محدد السلوك الانتخابي هو " القبلية العمياء " و " المال " هذين المحددان أفرزا لنا نخبة جاهلة انتهازية من خلال ممارستها المكشوفة في الانحناء تارة و في كثير من الأحيان شرعنتها للمخططات التصفوية لأبناء هذا المد شر الجريح، الأمثلة كثيرة حتى لا نوجه النقد بدون منطلقات واقعية نذكر من بين جرائمهم " الصمت الممنهج عن مكسب بطائق الإنعاش" ، " الشرعنة المفضوحة مع النظام و مع من بين أصحاب قاعات الانتظار في التدخل على الشيوخ العزل و على أبناء عمومتهم في مخيم تيزيمي "، " الموقف من القتل العمد لتلميذ رشيد الشين على يد قوات القمع " ، هذا الحدت الذي أكدته المصادر الحقوقية الرسمية المتمثلة في مجلس اليزمي و المصادر الحقوقية المستقلة رفاق الهايج، فهنا يا نخبنا المزورة خنتم و أفسدتم مستقبل آسا، فلكم التاريخ و لآسا الصبر و العزيمة مادامت تقاوم فهي ليست مهزومة على كل حال. الفاعلية العمياء لسلطة الشيخ بمجرى الأحداث : عدمية المثقف و احتواء النخبة السياسية، أصبح الشيخ فاعلا في دينامية الاحتجاج، في توجيهه و في احتواء أصوات الجماهير الشعبية المنددة بمقتل رشيد الشين، وذلك راجع الى التبعية العمياء لبعض القيم الموروثة / الرجعية ، ورثتها لنا المؤسسة القبلية المتمثلة في سلطة الشيخ/ سلطة القبيلة، هذه التبعية هي التي أفرزت خضوع جماهير آسا لهذه السلطة الرجعية، تحت تطمينات ووعود ديماغوجية حقنتها بها السلطة السياسية القائمة بالمدشر، هنا شكلت القوة الرمزية للشيوخ عاملا في احتواء قلوب الجماهير الثائرة على عنجهية النظام و انتهاك حق أساسي و سامي " الحق في الحياة" عوض أن تجابه تطميناتهم من طرف الجماهير بالتحليل العقلاني. يتأكد لنا هذا الدور الرجعي بالواقع و الملموس " عقب اختطاف جثة الفقيد الشين، وما تلى ذلك من اعتقالات ظالمة، و مذكرات البحث في حق أبناء المدشر" إذ وقف القبيلة بأعراشها و أخماسها موقف المتخاذل للوعود التي قدمتها في أوج احتجاج جماهير آسا الجريحة، وها هي اليوم " تصمت صمت الخيانة و للأسف أمام الأحكام القاسية في وجه أبنائها " . على كل حال لا ننكر رمزية الشيخ أو بالأحرى الشرعية التاريخية التي يكتسبها، إلا أنه من الواجب القول بأن هذه الرمزية لا تعدو كونها رجعية تمليه علينا مجموعة من الظروف المتجددة يجب أن نسايرها و نواكبها و إلا حكمنا على أنفسنا في خانة العدمية و لا إنتاجية خصوصا في الحقل السياسي في مجابهة نظام المخزن، و إنا قولنا بأنها رجعية فإننا نقصد حتى يتضح التأويل حتى لا تقارب المفاهيم بالعاطفة في نصرة الشيوخ، فالمقاربة العقلانية التي هي انعكاسا للممارسة القبلية أفرزت لنا على مر التاريخ ما لا يحمد عقباه، و الآن ما نشاهده في ليبيا المنكوبة كذلك ( الممارسة القبلية بغلاف أهاف سياسية) و في (سوريا و العراق ممارسات طائفية بمظلة سياسية)، على اعتبار أن القبلية و الطائفية و جهان لعملة واحدة، هنا نجزم بأن القبلية و مؤسسة القبيلة في إقحامها في الحقل السياسي تكون عدوة السياسة في مجابهة البنيات السائدة. فكان كذلك في إخضاعنا لمشايخ قبيلتنا حفارين قبورنا، فقد كانوا مدخلا لاحتواء احتقان أصوات الجماهير الشعبية، فالمجتمعات في دينامية و في تطور مستمرين، و القبلية تجاوزت حتى على مستوى نمط العيش، و ما بالك على مستوى التدبير السياسي، فنحن لم نتحرر من نمط عيشها الكلاسيكي، حتى تكون الأفكار و الأهداف برنامجا يوحد ساكنة هذا المدشر المنكوب، فمادامت رمزية الشيوخ توجه و تخنق نضالات جماهيرنا بتعليمات المخزن المستفيد من أمية أباءنا، فلا برنامجا و لا تصورا خارج إطار شيوخنا فكانت النتيجة اليقينية انسداد أفق هذا المدشر و الزج بأبنائه في غياهب السجون، و إنا حاملي هذا المسلك لا يعدو كونه مسلكا رجعي يقويه النظام السياسي القائم بالمغرب باستمرار و يعززه غياب المثقف و احتواء السلطة السياسية المزيفة. عموما خيانة المثقف و خيانة النخبة السياسية و سلطة الشيخ الرجعية أدت بآسا إلى ما لا ما تستحقه، مقتل تلميذ في عمر الزهور، اعتقالات ، انسداد الأفق ، فمتى ستجتمع جماهيرنا على " المحبس الجديرية" ، في غياب وضع قبلي و في غياب شروط موضوعية و ذاتية في مقدمات نضوجها توجهت جماهير آسا إلى الهدف الغير المحدد و الأساسي ، وكانت معركة سابقة لأوانها ، لأن القاعدة النظرية لمخيم تيزيمي و المخيم الذي سبقه كانت قبلية ضيقة أعادت لنا زمن السيبة و الارتباط الأعمى بالأرض، دون معرفة ما القيمة المضافة من تلك الأرض، هناك الأساسي و الثانوي في الأهداف، و هناك التناقضات التناحرية و الغير تناحرية، التناحري و الأساسي مع نظام المخزن و فكه لا يتم إلا في " المحبس – الجديرية " مرحليا ، و الثانوي و الغير تناحري هو مع الأطياف و التكتلات الاجتماعية الأخرى فلا يمكن أن تكون دائما لغة النار والحديد هي التي تحكم لكن التطور سيحكم و الظروف ستفرض النقيض المتمثل في السلم و التعايش و الاستقرار على وحدة الأفكار و ضمير جمعي ينفي الاعتبارات القبلية العدوانية و القوي يأكل الضعيف بتعبير توماس هوبز. نتمنى أن يراجع المثقف نفسه و يعي بمسؤولياته فقدرك في خدمة الجماهير لا في شيء آخر، أن تدخل فيما لا يعنيك على حد تعبير سارتر إذا اقتضى الأمر ذلك، أن تكون مشاغبا إن صح التعبير، ندعوا المثقفين الصامتين إلى الانخراط في المشهد السياسي و التوعوي و التنويري فكرا و ممارستا، إذ بصمتهم يكونوا عالة على المجتمع إذ نتطلع بأن يكونوا فاعلين في المجتمع، أما أنتم يا نخبنا السياسية فأنتم وجها من أوجه النقيض الذي تتصارع معه جماهير آسا، و العيب قبل أن يكون فيك في من ساهم في إنتاجك، جددوا نخبكم و أتركو القبلية كمحدد للإدلاء بأصواتكم فنحن في زمن " لا قبلية " ، أما شيوخنا فموقعكم ليس في السياسة بل في بيوتهم، فدعوهم في منازلهم يتعبدون الله خيرا لهم، ليس احتقارا لهم فهم أباءنا لكن واقع الحال فإنهم أميين و النظام هو الذي جعل منهم جهال لكي يشرعن بهم اضطهاده و استبداده، " فالشيخ عندنا في آسا أفيون " لأنه أستخدم لما نحن فيه الآن، فلنتفاءل إذا تعلمنا من الحصص التي كبدتنا الخسارة، و لنكن متشائمين إذا وجدنا المثقف خرج من قاعة الانتظار إلى القاعة الأخرى، و المثقف الذي نتطلع به مازال غارقا في النوم، و النخبة السياسية تجدد نفسها من طرف الذين ينقدونها، و الشيخ مازال يهلل و يوجه نضالاتنا.