بقلم:علي ماء العينين:باحث في تاريخ و ثقافة الصحراء إن الهدف من هذا المقال ابراز دور الشباب كعنصر مهم في هذا النزاع الذي طال أمده والذي يلقي بظلاله على جميع مكونات المجتمع سواء المتواجدين بالمدن الصحراوية أو بمخيمات تندوف، لكن تبقى هذه الفئة أهم لاعب في هذا النزاع سواء منذ اعلان ميلاد جبهة البوليساريو، التي قامت من رحم هذه الفئة بقيادة الراحل الولي مصطفى السيد ورفاقه، أو قبل ذلك مع حركة بصيري التي قادت معركة الزملة ضد الاستعمار الاسباني سنة 1970، أو من خلال ماعرفته مدن الصحراء من احتجاجات وأحداث منذ سنة 1999 مرورا بسنة 2005 وانتهاء بأحداث مخيم أكديم ايزيك سنة 2010، أو الاحتجاجات التي يقودها ما يسمى شباب التغيير في المخيمات منذ السنتين الأخيرتين 2012، الذي جاء كرياح ما سمي بثورات الربيع العربي ،إلا أن المتابع والملاحظ في السنوات الأخيرة هو تهميش هذه الفئة أو انزواء هذه الشريحة على نفسها مادامت لا تملك التحكم في مستقبلها،فكيف لها التحكم في نزاع يتدخل فيه أكثر من طرف ،فأصبحت تلعب دور المراقب لهذا النزاع إما من خلال البوابة الالكترونية أو من جنبات الطرق و أقصد هنا المقاهي حيث لا يخلو مقهى عن حديث عن أفق حل لهذا النزاع أو من خلال استعراض للمشاكل التي يعيشونها من بطالة عدم وضوح مستقبل لم تظهر معالمه المرتبطة بحل لهذا النزاع،دون نسيان خروج بعض التنسيقيات المطالبة بالشغل والاستفادة من الثروات الطبيعية والتي دائما متجابه بالعصا الغليظة من طرف قوات الأمن لتتحول بعد ذلك مظاهرات سياسية، ورغم أهمية هذه الشريحة والتي استطاعت لعب أدوار في التاريخ وأهميتها في صنع الحدث ونحن لسنا ببعيدين عن ثورة الطلاب في فرنسا في ستينات القرن الماضي أو دورها الريادي حاضر ومستقبل الأمم والشعوب، إلا أن الملاحظ هو تغييب هذه الفئة ودورها الحاسم في ترجيح أ كفتي أحد طرفي النزاع من خلال سياسة تهتم بهذه الشريحة ، فالسلطات المحلية بمدن الصحراء وحتى الحكومة لا يعير اهتمام لهذه الفئة التي أصبحت تعاني من البطالة بشكل كبير خاصة مع ازدياد أفواج الحاصلين على الشواهد بالنسبة للشباب الذي أكمل دراسته، أو الشباب الغير حاصل على الشواهد الذي يشكل نسبة كبيرة في هذه الفئة وغياب مشاريع تنموية وبنى تحتية تمكن من ادماج الشباب ولعل تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي رصد نسبة البطالة في الجهات الصحراوية ب 15% في حين أن نسبة البطالة تصل 9% في باقي الجهات، هذا بالنسبة للشباب في مدن الصحراء، أما في مخيمات تندوف فإن وضعية الشباب لا تقل سوءا عما عليه في مدن الصحراء، حيث هذه الفئة تعاني من البطالة أيضا وغياب لفرص الشغل والعمل ويبقى الخيار الوحيد الالتحاق بصفوف الجيش أو الهجرة ، فمع انعدام حل لقضية الصحراء ومع حالة اللا سلم واللا حرب التي تعيشها المنطقة فان هؤلاء الشباب الذين يعانون حالة من الانفصام على كافة المستويات اقتصاديا اجتماعيا ثقافيا ونفسيا، خاصة مع رجوعهم للمخيمات بعد تكوينهم الدراسي في العديد من بلدان العالم(كوبااسبانيا-الجزائر_ليبيا –فنزويلا...) وغيرها من الدول الداعمة أو المساندة لجبهة البوليساريو حيث تعيش هذه الفئة كمجتمع مصغر داخل المجتمع الكبير والحالة هذه تعيشها فئة الشباب على الضفتين حيث تجد فئات الشباب تتذكر أيام الدراسة في الجامعات والحياة في المدن التي عاشت فيها أو البلدان بالنسبة للمخيمات بل أصبحت لهذه الفئة تسميات ارتباطا بالمدن أو الدول التي درسوا فيها من قبيل ''طلبة مراكش'' ''طلبة أكادير أو الرباط'' ...، في حين في المخيمات يسمون ''طلبة الجزائر'' أو ''كوبانو'' نسبة لدولة كوبا وغيرها من التسميات، وتشهد المخيمات منذ الثورات الربيع العربي مطالبة بعض الشباب إلى تغيير في قيادة البوليساريو فقد وجهت لها اتهامات بالفساد والرشوة والزبونية السياسية ومراكمة الأموال التي ترسلها المنظمات الإنسانية وبعض الدول المانحة إلى المخيمات، ولعل الخرجات الإعلامية الأخيرة التي تبثها قناة العيون الجهوية يقوم بها بعض الشباب في المخيمات تحت مسمى''شباب التغيير'' ليؤكد ذلك. رغم أن هذه الخرجات تدخل في الحرب الإعلامية بين الطرفين ،إلا أن حالة التذمر التي أوضحت عنها الفئة ربما يكون لرأي لفئة لا يستهان بها من داخل المخيمات كما أن التأثير الذي ستمارسه مستقبلا ربما سيكون لها تأثير كبير على الوضع الأمني في المخيمات،خاصة مع عدم وجود أفق لحل نزاع الصحراء في المستقبل القريب مع أن مجلس الأمن حدد السنة القادمة 2015 كأفق نهائي لهذا النزاع، إلا أن بعض الخبراء والباحثيين يستبعدون وجود حل لهذا النزاع في الأمد القريب،في حين تبقى ورقة حقوق الإنسان والثروات الطبيعية أهم ورقات التي يدار بهما الملف في المرحلة الحالية من النزاع حيث يشتد أهميتهما في شهر أبريل من كل سنة،هذا الوضع الذي دفع الشباب إلى المطالبة بخيار العودة لحمل السلاح حيث توصف ارائه بالراديكالية في هذا الشأن حسب ما صرح به المبعوث روس في اجتماع جمعه ببعض الشباب، وأمام انعدام هذا الخيار في الوقت الحالي، فان الشباب أصبح أمام خيارين إما الهجرة لبعض البلدان وهذا ينطبق على الشباب في كلا الضفتين سواء في المخيمات أو في مدن الصحراء التي شهدت نهاية السنة الفارطة و بداية هذه السنة ارتفاع لهجرة الشباب في قوارب الموت في اتجاه أوروبا خاصة جزر الكناري، أو القيام بممارسة بعض الأنشطة الغير قانونية في اطار البحث عن مورد مالي سريع يحقق الأحلام(منزل،زوجة،سيارة...) وهذه طريقها معروف كالقيام ببعض الأنشطة الغير قانونية (كتجارة المخدرات، الأسماك، المحروقات،السلاح...) والتي دائما ما تنتهي بالسجن في مدن الصحراء أو بالموت كمقتل الشابين السنة الماضية الذي ينشطان في التهريب على أيدي الدرك الجزائري. ورغم أن هذه الأنشطة تخدم عدة جهات و مسؤوليين وقياديين في كلتا الضفتين،سواء في الجيش أو الأمن أو الدرك، أو من رجال الأعمال ..، بل هناك مسؤولين على أعلى مستوى مرتبطين بهذا النوع من التجارة كما أكدت بعض التقارير و التحقيقات أو ما يتم تدواله في الجرائد الرقمية أو الورقية، بالإضافة إلى خيار التهريب والتجارة في الممنوعات،هناك أيضا التنظيمات المسلحة الذي بات تؤرق مضجع دول الساحل والصحراء بل القوى العالمية هذه التنظيمات من قبيل(حركةأنصار الدين،حركة التوحيد والجهاد،وغيرها) التي تقوم باستقطاب الشباب خاصة من دول الجوار(موريتانيا،مالي،النيجر،الجزائر...) ونفس الوضع ينطبق على شباب مخيمات تندوف الذين يعتبرون من بين أسهل الطرائد أمام الوضع الحالي للنزاع. أيضا تعاني هذه الفئة بالإضافة إلى خطر الهجرة وقوارب الموت والإنضمام للتنظيمات المسلحة والتهريب، إلى حالة لاتقل خطورة عن الحالة السابق ذكرها، ألا هي خطر الإدمان على المخدرات بأنواعها وتناول الكحول بأصنافه، فجولة على مقاهي الشيشة المتواجدة بمدن الصحراء وقاعات الألعاب وبعض الزوايا المظلمة من الأحياء أو أمام بعض المؤسسات التعليمية تجد الخطر المستشري لهذه الظاهرة هذه بالنسبة لتناول المخدرات، في حين تكتفي دور الشباب أو كما تسمى''البراتش'' لتناول الصنف الاخر، ناهيك عما يمارس داخل هذه الدور هذا بالنسبة لمدن الصحراء،أما في مخيمات تندوف فقد تمكن منذ أيام حول تمكن أمن البوليساريو بالقبض على مجموعة مختصة في صنع وبيع وترويج الخمور تناولته بعض الجرائد الالكترونية،حيث نادت أصوات للحد من هذه الظاهرة التي بدأت منتشرة في المخيمات وما يترتب عن هذه الوضعية من ممارسات وظواهر غير صحية من قبيل: القتل والاغتصاب والسرقة...،وغيرها من المظاهر التي بدأت مستشرية في المخيمات أو في مدن الصحراء والتي اعتبرت إلى وقت قريب منافية لأخلاق ومبادئ أهل الصحراء. وختاما وأمام هذا الوضع الذي يعيشه نزاع الصحراء وماله من تأثير على كافة مكونات المجتمع الصحراوي سواء في مدن الصحراء أو مخيمات تندوف وذلك من خلال الملاحظة و الواقع المعيش لهذه الفئة و الشريحة الهامة ، أو من خلال ما توصلنا به من خلال من قاموا بزيارة للمخيمات أو ما تجود به أقلام الكتاب عن الحال المعيشي هناك تبقى مجموعة من التساؤلات تحتاج لإجابات وربما السنوات والأحداث القادمة كفيلة بذلك: إلى متى يبقى تجاهل هذه الفئة وعدم حضورها ؟أم أن هذه الفئة هي المسؤولة عن الحالة التي تعيشها و التي من خلالها تكون قد قيدت نفسها بنفسها ؟ أم أن هذه الفئة حكم عليها بالموت والضياع من طرف جلادين لا يرحموا !؟ ألا تعتبر هذه فئة بركان لا يعرف متى يتحرك ؟ ألا تعتبر هذه الفئة زلزال من الصعب التكهن بالخسائر التي يسببها؟ ألا تعتبر هذه الفئة اعصار ربما لا يؤمن للنبت الصغير من النجاة منه فما حال الأشجار التي ضربت بجذورها في الأرض منذ عقود؟ ألا يستفاد من الأخطاء التي يدبر بها كلا الطرفين الملف؟ ألم ينتبه أطراف هذا النزاع لأهمية هذه الفئة ان استخدمت بطريقة صحيحة وأمن من شرها وذلك باعطائها المكانة التي تستحق ؟ أم نحن لازلنا في سياسة المثل الحساني الذي يقول'' اللي بغاك بغيه وجريلو في اللي يتمنا... واللي كرهك لا تعلق فيه لو كان يلوحك في الجنة''.هذه تبقى تساؤلات لكن الحقيقة هو أن الشباب قوة اجتماعية هامة بصفته قطاعاً اجتماعياً رئيسياً في المجتمع، وكسب هذا القطاع من قبل صانعي القرار والسياسيين يعني كسب معركة التغيير، وهنالك الكثير من الأمثلة الدالة على هذه المعادلة ولنا في ثورات مايسمى الربيع العربي خير مثال على ذلك.