إن المغرب ككيان سياسي يضرب بجذوره في عمق التاريخ وبحكم موقعه – الجيوستراتيجي- الهام على مقربة من القارة الأوربية وإطلاله على بحرين هامين للتجارة الدولية هما البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي ، ظل في أغلب عصوره متفتحا ومتفاعلا مع الحضارات الأخرى وربطته على الدوام علاقات دبلوماسية وتجارية مع عدد من دول أوربا ودول الجوار ودول افريقية...، ومن دلائل هذا الانفتاح أن المغرب كان أول دولة اعترفت باستقلال الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 1776وكان ذلك منطلقا لعلاقات دبلوماسية متميزة توجت بإبرام معاهدة الصداقة المغربية الأمريكية سنة1786، مما يوضح درجة اهتمام المملكة المغربية بالعالم الجديد" . وفي سنة 1953وبفعل تطور الأحداث على الساحة المغربية ستقوم الولاياتالمتحدة برد الجميل لصديقها القديم، فكانت بدورها أول دولة اعترفت باستقلال المغرب وأقامت معه علاقات دبلوماسية سنة 1955. ومنذ الاستقلال ساهمت الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين في تدعيم وتوطيد دعائم العلاقات المغربية الأمريكية ويبقى موضوع الصحراء في قلب هذه العلاقات. خلال الحرب الباردة اختارت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تحتل موقع المراقب لتحولات المشهد السياسي بمنطقة المغرب العربي بشكل عام و المغرب بشكل خاص، في ظل وجود نظامين سياسيين مواليين للمعسكر الاشتراكي في كل من الجزائر وليبيا، وما يعنيه ذلك من احتمال تهديد مصالح المعسكر الغربي هناك، وكذا تركز النفوذ الفرنسي بالمنطقة، على خلفية العلاقة البنيوية التي تربطها بهذه الدول نتيجة حالة الاستعمار، الشيء الذي شكل عائقا كبيرا أمام التحركات الأمريكية بها. لكن سرعان ما غيرت الولاياتالمتحدةالأمريكية من سياستها الخارجية تجاه المنطقة مع مجيء الرئيس ريغان الذي أعطى أولوية قصوى لدعم الأنظمة الحليفة لتجنيبها الخطر السوفياتي، ومن ثم إقامة تحالفات إستراتيجية في هذا الاتجاه. وقد كان المغرب في مقدمة هذه الأنظمة الحليفة التي أسست مع أمريكا تقاربا جديدا . وبعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين احتدم التقاطب بين أمريكا وفرنسا خاصة في ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، خلافا للمرحلة السابقة التي طغى عليها الجانب السياسي والأمني، وقد لاحظنا ذلك من خلال عدد من المجالس الاقتصادية مثل المجلس المغربي الأمريكي للتجارة والاستثمار سنة 1994، ثم مشروع "ايزنشتات" للشراكة الأمريكية المغاربية سنة 1998، في مقابل ذلك انطلاق مسلسل الشراكة المغربية . بعد أحداث أيلول 2001 تزايد اهتمام الولاياتالمتحدة بمتابعة التطورات السياسية في منطقة الشمال الأفريقي عموماً، والمغرب خصوصا فقد حدثت تطورات ثلاث رئيسية في سياق العلاقة بين الدولتين، حيث وقعت الولاياتالمتحدة مع المغرب اتفاقية التجارة الحرة في كانون الثاني 2006، كما تم إعلان المغرب حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في عام 2004 . كذلك تم اختيار المغرب في عام 2005 كواحد من متلقي معونات برنامج MCA الذي بدأته الحكومة الأمريكية عام 2002 . و إذا كانت العلاقات التاريخية قد مهدت الطريق لعلاقات سياسية و دباوماسية و اقتصادية متميزة فقد كان الفضل لمتانة تلك العلاقات سياسيا في بروز بعد جديد في العلاقات الأمريكية المغربية و الذي يعتبر امتدادا طبيعيا للعلاقات السياسية ألا و هو البعد الأمني,
أولا: البعد السياسي في العلاقات المغربية الأمريكية منذ فترة بعيدة قبل وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، ركز الخبراء انتباههم على عملية الإصلاح في المغرب بسبب تداعياتها المحتملة على عملية الدمقرطة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وعلى مدار العقد الماضي، عكفت المغرب على عملية تحرر محدودة شهدت حزبا إسلاميا معتدلا وغير ثوري وهو حزب العدالة والتنمية والذي فاز بمقاعد في انتخابات برلمانية متعاقبة عام 1997 وعام 2002. ومع وجود تاريخ من الحكم الملكي والذي يستقي فيه الملك باعتباره (أمير المؤمنين) سلطته من اتصال نسب أسرته بالنبي محمد، فقد قبل المغرب بعد الأنشطة السياسية للإسلاميين مادام الإسلاميون لا يقومون بتحدي سلطة الملك. وقبل حزب العدالة والتنمية مثل هذه الصفقة وتميزت علاقته بالقصردائما- رغم وجود مواجهات في بعض الأحيان- بأنها منفعة متبادلة بشكل عام. وسعت السلطات المغربية لتحاشي وقوع موجهات مثل مواجهات الإسلاميين الدامية التي أصابة دولة الجزائر المجاورة خلال تسعينيات القرن الماضي، ولكن يبقى القلق بشأن انتشار الجماعات الإرهابية الجهادية مثل القاعدة التي تسعى لتجنيد المغاربة داخل الوطن وخارجه. ولذا، فقد اختار المغرب طريق الدمج بدلا من الإقصاء لجذب الإسلاميين بعيدا عن التوجه الجهادي ونحو المزيد من الوسائل الشرعية للمشاركة السياسية. كما يوجد أيضا سبب اقتصادي للسماح بدخول الإسلاميين للنظام السياسي. فالمغرب الذي يفتقر لموارد طبيعية مثل النفط ويعتمد على المعونات والتجارة الخارجية مع الغرب، عنده حافز لمواصلة قوة الدافعية في جبهة الإصلاح وخصوصا بالنظر إلى التركيز مؤخرا من قبل الشركاء التجاريين الأساسيين للمغرب في أوروبا والولاياتالمتحدة على تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان. وحزب العدالة والتنمية ليس هو الجماعة الإسلامية الوحيدة في المغرب، فهناك جماعة العدل والإحسان والمعترف بها قانوني كجماعة خيرية فقط. وترفض جماعة العدل والإحسان النظام الملكي في المغرب. ورغم عدم توفر معلومات يعتمد عليها بشأن شعبية أي من الجماعتين، إلا أنه يوجد على ما يبدو إجماع بين الخبراء المغاربة على أن جماعة العدل والإحسان لها قاعدة قومية أوسع من التأييد العام، رغم أن حزب العدالة والتنمية نشيط جدا في المناطق الحضرية. هناك أبعاد متعددة فيما يخص العلاقة بين الولاياتالمتحدة والمغرب حيث يمثل تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان واحد من عدة أولويات ملحة بالنسبة لمراكز صنع القرار الأمريكية. فالمغرب تعتبر منذ فترة طويلة حليفا مهما للولايات المتحدة في شمال أفريقيا والعالم العربي وقامت بدعم الجهود الأمريكية لتعزيز السلام في الشرق الأوسط ومواجهة الإرهاب في منطقة الصحراء. ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، اتخذت الولاياتالمتحدة عددا من الخطوات الملموسة لتوطيد علاقتها بالمغرب منها زيادة المساعدات العسكرية والاقتصادية وعقد اتفاقية تجارة حرة ورعاية مؤتمر دولي في الرباط بخصوص الإصلاحات كجزء من "مبادرة شمال أفريقيا والشّرق الأوسط الكبير" الخاصة بالإدارة. والمغرب منضمة للتمويل في مبادرة إدارة بوش الجديدة للمساعدات الخارجية "حساب تحديات الألفية". أضف إلى ذلك أن المغرب تم استخدامها كحالة اختبارية لتطبيق برنامج إصلاح جديد آخر خاص بالإدارة هو مبادرة وزارة الخارجية الخاصة بالشراكة في الشرق الأوسط (إم إي بي آي). مع كل هذا، فقد أسفر الخوف من احتمال أن يؤدي تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية في المغرب لتزايد الأصولية، أسفر عن عدد من الأنشطة الجديدة وزاد من التمويل الأمريكي للتعليم والرعاية الصحية وحقوق المرأة وخلق فرص عمل وبرامج إعادة هيكلة والتي رحبت الحكومة المغربية بها كلها. وإلى حد ما ، فجهود الولاياتالمتحدة الخاصة بتعزيز الديموقراطية في المغرب تتم إلى حد كبير بشكل متودد للنظام، لأن مراكز صنع القرار لا يريدون على الأرجح إفساد العلاقات الأمريكية المغربية. ومع ذلك، فقد أصبحت الولاياتالمتحدة مشاركة بشكل متزايد في السياسات الداخلية المغربية وقامت برعاية العديد من البرامج يوجد فيها حزب العدالة والتنمية كمشارك فعال ثانيا :البعدالامني في العلاقات المغربية الأمريكية يتمحور التعاون المغربي الأمريكي بالأساس على الجانب العسكري منه فالتعاون الأمني يمثل غطاءً للتعاون العسكري وبالأخص التزويد بالسلاح كما أن التنسيق الأمني المغربي- الأمريكي ليس أمرا جديدا ولا مفاجئا، وأنه يعود إلى العام 2003،ولهذا لابد من التذكير ببعض المحطات الأساسية في سياق العلاقات الأمنية المغربية - الأمريكية، فالمغرب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2003 أعلن انخراطه في الحرب العالمية ضد الإرهاب دون تردد، ومنذ ذلك الحين كان هنالك تعاون أمني غير مشروط بينه وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولم يقتصر الأمر على تبادل المعلومات وفتح الملفات الأمنية أمام الأمريكيين، وقد شمل التنسيق إرسال بعثات أمنية مغربية إلى الولاياتالمتحدة؛ لتدريبها على كيفية مجابهة الحركات الإرهابية، على اعتبار الخبرات الأمريكية التي اكتسبتها في حربها ضد الإرهاب، ولذلك فهذه المسألة ليست جديدة، والتعاون ليس فقط مع أمريكا، وإنما كذلك مع أوروبا ومع أجهزة الأمن المغاربية والإفريقية وقد تزامن الحديث عن بروز تنظيم للقاعدة بمنطقة الساحل هذه مع رغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية في إقامة قواعد عسكرية بالمغرب العربي لتحقيق حلم الشرق الأوسط الكبير بطابع عسكري يمتد من المحيط إلى الخليج.وهو المسعى الذي تجدد الحديث عنه خلال الأسابيع القليلة الماضية عندما تسربت أخبار تفيد بأن الولاياتالمتحدة تخطو خطوات حثيثة لإقامة أول قاعدة عسكرية فعلية بالمنطقة رجحت المصادر أن تكون بالمغرب أو الجزائر قبل يجري استبعاد هذين الاحتمالين بعد تصريحات جزائية وأخرى مغربية بعدم الترحيب بالفكرة، ليضل الاحتمال الأقوى هو أحد بلدان الساحل ( السنغال ، مالي و النيجر). وكانت أخبار قد تحدث قبل زهاء سنتين( أبريل - ماي 2005) عن عزم الولاياتالمتحدةالأمريكية إنشاء قاعدة عسكرية بمدينة طانطان سبقها نزول مكثف للجنود الأمريكيون بالمدينة في إطار مهمات قيل إنها إنسانية بالأساس، قبل أن يتم العدول عن ذلك إثر ردود الفعل القوية للهيئات المدنية والسياسية بالمغرب. يضاف لما ذكر تقدير وشكر الولاياتالمتحدة لمصادقة المغرب على مبادرة الأمن المتوالد أو المتكاثر Proliferation Security Initiative (PSI)، في 19 ماي 2008، حيث أنها _حسب تصريح وزارة الخارجية الأمريكية_ بتصديقها على هذا تكون تشارك وتنظم ل 90 دولة من ستة قارات، ومن نفس الرأي والتفكير حول منع وإعاقة الشبكات الشحنات الممنوعة المتزايدة بشكل خطير والتي تمر عبر أكثر من بلد وتشجع الإرهاب, وهذا يعد نموذجا مثاليا للتعاون المغربي الأمريكي لمواجهة ثنائية وصارمة للتهديدات التي يواجهانها معا، من إرهاب وتهريب الأسلحة والحد من الأسلحة المدمرة . حيث أنه في 28 ماي 2008، قام المشاركون في هذه المبادرة PSI، باللقاء في العاصمة واشنطن بمناسبة الذكرى الخامسة للمبادرة السابقة الذكر، إذ تناقش المشاركون حول ماذا تحقق من هذه المبادرة، كما طُرِحت أفكار جديدة، وكانت كل المناقشات تصب في طرق ووسائل الحد من الأسلحة وانتشارهاكما كشفت مصادر إعلامية وسياسية مغربية رفيعة المستوى، النقاب عن أن مجموعة من الضباط الأمريكيين التابعين لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف.بي.آي) قد وصلوا إلى المغرب؛ لإعطاء دورة تكوينية لعدد من الضباط المغاربة في مقر الأكاديمية الملكية للشرطة القضائية بمدينة القنيطرة. ثم لا ننسى جولة رامسفيلد والتي أثارت شغب الصحافة المغربية والغربية، وزيارة رامسفليد هذه سبقتها زيارة مماثلة أيام قبل ذلك( الأسبوع الأول من شهر فبراير 2005)، قام بها مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي روبير مولير تناولت وضع الخطوط العريضة للتعاون بين الجانبين بغرض السيطرة على خلايا تنظيم القاعدة بمنطقة الساحل، وتعزيز التدخل السريع لحماية المصالح الخارجية للمغرب وحلفائه وتأهيل رجال الأمن المغاربة. ويعتبر الغرب دولة المغرب بوابة مهمة لحماية مصالحه باعتباره موقع الاستراتيجي، علاوة على خبرته في المجال التي تسهل عمل الأجهزة الأمنية للحد من الخطر القادم من دول الساحل. هكذا وفي ربيع 2006 جرت مناورات عسكرية مشتركة جديدة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بمثابة تدريب على تعقب عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة تقول واشنطن إنها فرت إلى البلدان المتاخمة وتستعد لتنفيذ هجمات على دول المغرب العربي وأوروبا، على غرار مناورات مماثلة قادتها الولاياتالمتحدة قبل هذا الموعد بثمانية أشهر ( يونيو 2005) وطوال عشرة أيام مع قوات تسع دول أفريقية (تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا والنيجروماليوالسنغال وتشاد ونيجريا) أشرف عليها الجنرال" هولي سيلكمان" قائد القوات الأمريكية في أوروبا في إطار مبادرة مكافحة ما يسمى بالإرهاب العابر للصحراء، والتي خصصت له واشنطن 100 مليون دولار. إلى ذلك كشفت وثيقة حديثة قدمتها الخارجية الأمريكية حول المساعدات الخارجية الممنوحة لعدد من الدول في العالم في إطار ما يسمى بالإرهاب، عن ارتفاع للدعم العسكري الأمريكي لفائدة المغرب برسم ميزانية 2007، بقيمة 17 مليون دولار، مقابل 16 مليون دولار سنة قبلها، مع توقعات بالزيادة في حجم هذه المساعدات برسم ميزانية 2008 إلى 29 مليون دولار. بينما تحدثت الوثيقة عن تراجع للمساعدات الأمريكية في المجالات التنموية التي لم تتجاوز 5.4 مليون دولار. وهو ما يبرز الدور الرئيس الذي بات يلعبه المغرب كحليف استراتيجي للولايات المتحدةالأمريكية في التصدي لظاهرة الإرهاب باعتبار موقعه الجغرافي القريب من منطقة الساحل من جهة ، و تركيز الولاياتالمتحدةالأمريكية على ما هو عسكري على حساب ما هو تنموي من جهة ثانية. وإلى جانب هذه القضايا نجد مسألة بالغة الأهمية كذلك وهي الأسلحة، ونسير هنا إلى احتضان الرباط لقاء حول الأسلحة التقليدية والأمن الإقليمي، من تنظيم تنظم وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والخارجية الأمريكية يومي 14 و15 أبريل 2009، حيث قام المشاركون بدراسة الانتشار غير المشروع وغير المراقب للأسلحة التقليدية في شمال إفريقيا من مناطق النزاع، وتحليل العلاقة بين هذه الأسلحة والمنظمات الإرهابية والمجموعات المسلحة غير الشرعية. كما سيتناول هؤلاء الخبراء مسألة توسيع نطاق التعاون في أفق وضع تدابير محتملة لمكافحة انتشار الأسلحة في المنطقة,,ويعكس تنظيم هذه الندوة بالرباط، من جديد، التزام المملكة القوي في مجال نزع السلاح والحد من انتشار الأسلحة، ومساهمتها في الجهود الدولية الرامية إلى إحلال السلام والأمن الدوليين، خاصة في إفريقيا، حيث يساهم انتشار الأسلحة في إذكاء العنف المسلح وخلق مناخ ينعدم فيه الأمن والاستقرار، ولا يساعد على أي نوع من الاندماج الجهوي وجهود التنمية السوسيو-اقتصادية. ثالثا: إيجابيات وسلبيات التعاون الأمني المغربي الأمريكي بعدما رأينا بدايات التعاون ومحطاته وكيف تطور التعاون بين البلدين، الآن علينا أن نقوم بتقييم لهذا التعاون، من ناحية الإيجابيات والسلبيات التي أثمر عنها هذا التعاون، وفي مصلحة من كان بشكل أكبر، وما هي المصالح الخفية التي يخدمها التعاون بين بلدين غير متكافئين، وهل يعتبر هذا التعاون حقا رمزا لتعاون شمال جنوب. إيجابيات التعاون الأمني والعسكري بين المغرب والولاياتالمتحدة: يمكن للمغرب أن يجني الكثير من وراء تعاونه مع الولاياتالمتحدة، وهذا راجع بالأساس لكون هذه الأخيرة تتوفر على تقنيات تكنولوجية عالية وخبرة وتجربة أمنية وعسكرية اكتسبتها من خوضها للحروب الدولية أو المشاركة فيها. ومن بين الأشياء التي بإمكان المغرب الاستفادة فيها من الولاياتالمتحدة والتي تعتبر إيجابية بالنسبة للمغرب في هذه العلاقة، والتي على أساسها نجد المسؤولين الحكوميين يتذرعون بها من أجل كسب الرأي العام المغربي والدولي، حيث أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تزود المغرب بمعدات تقنية وحربية وأسلحة عسكرية ذات تكنولوجية عالية، حيث أن الولاياتالمتحدة تعتبر من بين رواد تجارة وصناعة السلاح في آن واحد، أما المغرب فهو لا ينتج الأسلحة، بل يعد مع الكتلة العربية المستورد الأساسي للسلاح في العالم. يضاف إلى هذا حاليا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، مساعدات خاصة للمغرب في إطار ما يسمى "بالحرب على الإرهاب"، وتشمل هذه المساعدات التي كانت من قبل الأحداث لكن تطورت بعد الأحداث وارتفعت قيمتها إذ تشمل الرفع من المعونة العسكرية والأمنية المقدمة للمغرب إضافة إلى الاستفادة من دورات التكوين المتبادلة للضباط وعناصر الجيش لاكتساب الخبرة من نظرائهم الأمريكيون، حيث جرت عدة لقاءات ومباحثات تتمحور بالأساس حول التعاون في قضايا الإرهاب والأمن في غرب إفريقيا والجريمة الدولية المنظمة، وما يتطلبه ذلك من تطوير وتنسيق أمني بآليات عملية في مجال تبادُل الخِبرات والمعارف. حيث كان روبرت مولر، مدير مكتب التحقيقات الأمريكي (اف بي أي) يتنقَّل بين مكاتب وزراء العدل والداخلية والأجهزة الأمنية المغربية، ويُمحور مُباحثاته بشكل صريح وعلني، حول "مواجهة تنظيم القاعدة وامتداداته المغاربية، في إطار نشاطاته في منطقة غرب إفريقيا". وتشعر الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومعها عدد من الدول الأوروبية، أن تهديدات تنظيم القاعدة، عبْر ما يُسمى ب "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الذي أعلن عن نفسه بالجزائر في سبتمبر 2006، تهديدات جِدّية. وحسب كبار المسؤولين الغربيين المتقاطرين على الرباط، فإن التهديدات موجّهة إلى مؤسسات الدول المغاربية وأيضا إلى مصالح ومؤسسات وممثليات الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية في هذه الدول، وأن رسائل التنظيم "كانت واضحة بهذا الاتِّجاه" فتوطيد علاقاته مع أمريكا لا يستثني رغبته في كسبها إلى جانبه سياسيا، وهذا أمر طبيعي في العلاقات ما بين الدول". يضاف إلى هذا كذلك، إعلان الولاياتالمتحدة المغربَ كحليف إستراتيجي كبير لها من خارج حلف الناتو، وذلك في 5 يونيو 2004 مكافأة للمغرب على دعم مكافحة ما يُسمى بالإرهاب، وذلك كخطوة تالية نحو تطوير العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين، والتي ابتدأتها واشنطن بإبرام اتفاقية التبادل الحر بين البلدين والتي وقعت في واشنطن أسبوع واحد بعد هذا الإعلان، وهذا له دلالته بالطبع. وسيمكن وضع الحليف الإستراتيجي من خارج الناتو المغرب من المشاركة في عرض العروض العسكرية الأمريكية والتعاون الأمني بشكل أوسع. حيث زادت المنح الأمريكية للمغرب، إذ توزعت المساعدات الأمريكية برسم سنة 2007 إلى 120 مليون درهم لصيانة التجهيزات العسكرية الأمريكية و20 مليون درهم للتكوين والتدريب العسكريين ( تكوين 70 طالبا مغربيا كل سنة في المدارس العسكرية الأمريكية)، بالإضافة إلى 5 ملايين درهم في إطار برنامج مكافحة الإرهاب ومن ذلك التدريبات المتطورة وتقوية قدرات المغرب في مجال محاربة الإرهاب. وتعليقا على هذه الأرقام يقول الباحث مصطفى الخلفي: :الواقع أن كلا المساعدتين العسكرية والأمنية قد تراجعتا إلى مادون 30 مليون دولار فيما زاد هذه المساعدات عن 40 مليون دولار في الفترة السابقة، وساق في ضوء ذلك العديد من التفسيرات المتداولة كالمنحى الذي اتخذه الكونغرس الأمريكي للتقليص من الغلاف الكلي للخارجية الأمريكية: وضرورة التوجه صوب بلدان أخرى بعد استفادة المغرب خلال السنوات السابقة، فضلا عن كون المغرب قد أدرج ضمن البلدان القلائل التي ستستفيد من مساعدات برنامج الألفية. و لم يكن التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين وليد السنوات القليلة الماضية بل يعود إلى عقود خلت خاصة إبان الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت مدينة الدارالبيضاء إنزالا أمريكيا سنة 1942 في سياق ما سمي بعملية"الشعلة" التي غيرت من مسار هذه الحرب. و لئن كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية قد رامت من خلال ربط اقتصادها بدول منطقة شمال إفريقيا إلى ممارسة تأثير على القرار السياسي في اتجاه تغيير مناهج التربية والتعليم وبرامج الإعلام والاتصال وغيرها من الميادين الأخرى، فإن المغرب لم يشذ على هذه القاعدة، بل إن الإدارة الأمريكية تقدمه كنموذج يمكن تسويقه بالمنطقة لمعطيات مرتبطة بالاستقرار السياسي والتعاون الأمني والاستراتيجي، هذه الوضعية التي عليها المغرب جعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية توسع من نشاطها به بشكل ملفت جدا، خاصة على المستوى السياسي بعدما بوأته مكانة الحليف الاستراتيجي خارج حلف الناتو، ومنحته في أعقاب ذلك ميزة الاستفادة من المساعدات المدرجة ضمن ما يسمى بصندوق الألفية. كل ذلك ينضاف إلى النشاطات التي تقوم بها مراكز من قبيل المعهد الديمقراطي والمعهد الجمهوري والوكالة الأمريكية للتنمية الاجتماعية ضمن ما يسمى بالشراكة الأمريكية الشرق أوسطية. ويؤكد الباحث أن الولاياتالمتحدةالأمريكية اعتمدت مشروعا ل "حرب الأفكار" ضمن ما يسمى بالدبلوماسية العامة"، بهدف تحسين صورتها بالعالم الإسلامي إثر مخلفات سياساتها بالعراق وفلسطين وغيرها، وقد اقترحت لذلك ميزانية متوقعة للفترة المقبلة في حدود 500 مليون دولار. سلبيات التعاون الأمني والعسكري بين المغرب والولاياتالمتحدة: التعاون الأمني المغربي- الأمريكي يمثل سببا إضافيا لتشجيع الإرهاب في المغرب، لكنه ليس جوهريا، فنحن في المغرب نلاحظ أن هناك أكثر من سبب يدفع الشبكات الإرهابية إلى استهداف المغرب، فهنالك التعاون الأمني مع أمريكا، وهو تعاون ليس جديدا، فأحاديث المعتقلات السرية التي كان ينقل إليها معتقلو جوانتانامو معروفة، كما أن المجلس الأعلى لعلماء المغرب الذي يضم كبار علماء المغرب ويرأسه أمير المؤمنين الملك محمد السادس، كان قد أصدر فتوى بتكفير قادة وأعضاء تنظيم القاعدة، وهي فتوى تدعو أعضاء التنظيم إلى استهداف المغرب، لكن مع ذلك القاعدة لم تجعل من المغرب هدفها الأساسي، وإنما كانت تتخذها قاعدة خلفية سواء عبر تسهيل إقامة عناصرها أو مرورهم إلى الخارج، كما تعاملت مع المغرب كمصدر للمقاتلين في العراق أي كخزان بشري حيث تشهد الساحة المغربية مزيدًا من الضغوط والاعتقالات والتضييقات السياسية والأمنية، في ضوء اندفاع بعض الأطراف السياسية والأمنية في تصفية حساباتها مع التيارات السياسية والإسلامية المعتدلة، وخصوصًا حزب العدالة والتنمية المشارك في اللعبة السياسية المغربية. وبدأ بعض المنتفعين يتحدثون عن إغراء التونسة في إشارة للتجربة التونسية التي استهدفت التيار الإسلامي بالاستئصال الواسع، ومن ثم إن توجه الحكومة المغربية إلى تبني إستراتيجية تجفيف المنابع بات مؤكدًا في ضوء خطة الإصلاح الديني الذي تبنته الحكومة المغربية مؤخرًا، والتي تركز على مراقبة أنشطة المساجد والفعاليات الدينية واستحداث شروط جديدة أكثر صرامةً على الجمعيات المدنية والدينية. إلى هنا والأمور تسير طبيعية في ظل انحراف معظم الدول العربية نحو ذلك الاتجاه في التضييق على القوى الإسلامية- تحت شعار مكافحة الإرهاب أو لاستجداء الدعم والمساندة السياسية والاقتصادية وأمور أخرى من واشنطن ومن المغرب- ولكن بعد ثلاثة أيام من هدية بوش للمغرب وفي 8/6/2004م أصدر الملك محمد السادس تعديلاً حكوميًا جديدًا شمل تخفيض عدد الوزراء من 37 إلى 34 في حكومة إدريس جطو التي تشكلت في 7/11/2002م، وألغت وزارة حقوق الإنسان، وأدمجت بعض الوزارات ودخل عدد من اللامنتمين للأحزاب السياسية ضمن التشكيلة الجديدة. وقد أثارت هذه التعديلات التي قالت الحكومة إنها جاءت لدعم الاقتصاد المغربي- عدة انتقادات حادة من قادة الأحزاب والقوى السياسية التي رأت أن تلك التعديلات مجرد خطوة نحو تركيز السلطة في يد الملك وتهميشًا للأحزاب السياسية، وإنها مجرد محاولة لاسترضاء الحليف الإستراتيجي ليس إلا وقد لعبت السفارة الأمريكية في المغرب خاصة في عهد السفيرة السابقة مارغريت تتويلر ثم السفير الحالي دورا حاسما في العديد من الملفات ذات الصلة بالقضايا السياسية والحقوقية والتعليمية ، وتؤكد التقارير أن السفيرة لم تفتأ تمارس الضغوط تلوى الضغوط على الإدارة المغربية في ما يتعلق بتغيير مناهج التعليم باتجاه تقليص حصص التربية الإسلامية وكل ما يرتبط بقيم الممانعة لدى الشعب المغربي و تخصيص هوامش لتحسين صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية، والمصادقة على قانون الإرهاب والحد من ردود فعل الشارع المغربي ضد الغطرسة الأمريكية في العراق وفلسطين، والتدخل لدى وزارة الاتصال لإطلاق قناة سوا، ومحاولة تقديم نجوم الشاشة الصغيرة وفن الراب باعتبارها نماذج ستسعى لاجتذاب الشاب باتجاه التطبيع مع الولاياتالمتحدةالأمريكية أو على الأقل عدم الوقوف ضد مشاريعها، والدفع باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتخفيف من حدة الخطاب على المنابر بالمساجد. تكفينا هذه القولة التي جاءت على لسان أحد دبابات التفكير الأمريكية التي يضرب لها حساب في الولاياتالمتحدة ألف حساب ويأخذ برأيها، كي نعرف سلبيات علاقة المغرب والولاياتالمتحدة، بل وعلاقة جل الدول العربية على العموم، حيث أن الولاياتالمتحدة دولة مصالح فقط، وليست دولة أخلاق ونبل، فبمجرد أن تنتهي مصلحتها فيك يمكن أن تقذف بك في البحر، وهذا معنى ما قاله هذا الكاتب، حيث أنها يمكن أن تساندك الآن ليس لأن قضيتك عادلة، وإنما لأن لها مصلحة في مساعدتك، وعندما تنتهي ستبحث عن ود الطرف الآخر، وهذا أيضا ما قاله كذلك أحد الدبلوماسيين الأمريكيين مؤخرا في لقاء صحفي، إذ قال أنه بإمكان الولاياتالمتحدة نشر الديمقراطية في كل الدول العربية، لكنها لا تريد ذلك، لأنها إذا انتشرت حاليا في بعض الدول ستشكل خطرا، والمثال هو صعود التيارات الإسلامية المعادية للولايات المتحدة في كل من الجزائر وفلسطين، وهذا ما لا تريده أمريكا. أضف إلى هذا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية استعملت من قبل الأراضي المغربية كقواعد جوية ومراكز اتصال، وقد تعاود الكرة إن احتاجت لذلك فقد أثارت موجة من نشاط المتشددين الدينيين عبر منطقة المغرب في الآونة الأخيرة قلقا من أن الجماعات اليائسة توحد جهودها لإقامة حكم إسلامي في المنطقة، وشن هجمات على أوروبا وتهريب مقاتلين إلى العراق. إذ قالت السفارة الأمريكية، إن مولر التقى مع مسؤولي وزارتي العدل والداخلية في المغرب خلال زيارته القصيرة. وأضافت السفارة في بيان، دون إعطاء تفصيلات، أن"محادثاتهم تركزت على التعاون الثنائي الحالي والمقبل بين الولاياتالمتحدة والمغرب في مجالات تمثل أولوية، مثل مكافحة الإرهاب والجريمة الدولية". وقد فجّر ثلاثة أشخاص أنفسهم وقتل رابع بالرصاص، بعد أن داهمت الشرطة منزلا في مدينة الدارالبيضاء الساحلية المغربية في شهر أبريل الماضي. وبعد ذلك ببضعة أيام، فجّر انتحاريان نفسيهما خارج المكاتب الدبلوماسية الأمريكية في المدينة. كماغيّرت الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وهي الجماعة الإسلامية المتمردة الرئيسية في الجزائر اسمها في يناير ليصبح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأعلنت مسؤوليتها عن تفجيرات انتحارية في الجزائر قتلت 33 شخص. وعلى هذا الأساس فنلاحظ أن سلبيات التعاون أكثر من إيجابياتها، وبهذا فالمغرب هو الخاسر من هذه الناحية، لكن إذا استثمر الإيجابيات ولو بقلتها، فسيكون ذلك أفضل. لهذا فالسيناريوهات المحتملة هي إما أن يستمر المغرب في التعاون اللامتكافئ، والتبعية العمياء، أو أن يقوم بخطوة جريئة ويعتمد على مصادر متنوعة وذلك بتنوع علاقات التعاون مع عدة دول. وهذا ما ينهجه المغرب حاليا، باعتماده على كل من الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، لكنه أغفل آسيا، والسيناريو الأخير أن ينكمش المغرب في تعاونه، بطريقة صينية، وهذا جد سلبي، ولا نريده، وعلى العموم فتقييم التجربة أن نقول أنها في تقدم ملموس نظرا لتغير في الفكر الإستراتيجي والحربي المغربي. عموما يعتبر المغرب أكثر الدول العربية حضورا في التاريخ الأمريكي، إلا أن استفادته كانت ضئيلة على كل المستويات، ولم ترق إلى الحجم الذي ساهم به المغرب في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية. باعتبار المصلحة القومية هي المحدد الأساسي لطبيعة العلاقات بين البلدين عن طريق الرهان على المكتسبات الاقتصادية للوصول إلى المكتسبات السياسية.