إن كانت السلطات وجمعيات المجتمع المدني وفاعلين اقتصاديين وحتى السياسيين يهتمون بالمتضررين من سيول وفيضانات الأمطار الأخيرة بالمناطق الجنوبية الشرقية من البلاد، من حيث التركيز على توفير المؤونة والملابس والأغطية والأفرشة. بالإضافة إلى بعض المبادرات الجماعية لتقديم بعض المساعدة لمن تشققت بيوتهم أو تهددت بالانهيار بمنحهم كميات من مواد البناء لإصلاح أعطاب السقوف والجدران والأساسات، فإن مادتين أساسيتين ضلت دواوير عريضة ونسمة كثيرة من ساكنة المناطق المتضررة يعانون من الحرمان منها، ألا وهما الماء الشروب والكهرباء. فقد ظلت ولا تزال مجموعة من الدواوير بإقليم تيزنيت بدائرتي أنزي وتافراوت وحتى دائرة تيزنيت بالمناطق الوعرة التضاريس والتي جرفت فيها السيول قنوات التزود بالماء وأسقطت أعمدة شبكة التزود بالكهرباء محرومة من هاتين المادتين اللتين لم تعد حياة أي منا تُتَصور بدونهما. فعادت الإشاعات والأخبار تتناقل أثمنة خيالية يقتني بها هؤلاء صهاريج الماء الصالح للشرب إن وَجدوا طريقا تسلكها الشاحنات إلى دواويرهم، وعادت الأسر تستعيد عادات الأجداد في الإنارة بالشمع والقنديل، وانقطعت عادات ارتبطت بالكهرباء من حياة الأسر المتضررة من قبيل الجلوس للتلفاز أو تخزين الأطعمة في الثلاجات، وعاد التلاميذ للمطالعة وإنجاز فروضهم المنزلية تحت ضوء الشموع والقناديل. وجماعة سيدي احمد أوموسى (تازروالت) بدائرة أنزي واحدة من هذه الجماعات التي يَعُد سكانها أنفسهم منكوبين من آثار الأمطار والسيول، وصارت حياتهم لا تطاق من جراء انقطاع مستمر للماء والكهرباء. ومن جهة أخرى علمت الجريدة أن مصالح المكتب الوطني للماء والكهرباء بتيزنيت كما في المناطق المتضررة من الأمطار الأخيرة، وجدت نفسها عاجزة عن الاستجابة لكل التحديات التي تقع في نطاق مسؤولياته التدبيرية. فحسب مصادر من هذه المؤسسة العمومية فقد تزامنت الكارثة مع المرحلة الانتقالية التي استتبعها قرار الدمج بين المكتبين الوطنيين للماء والكهرباء، هذه المرحلة التي عرفت نوعا من الارتباك في تحديد الاختصاصات الجديدة وطريقة تنزيل المقتضيات القانونية الجديدة على ارض الواقع وعلى رأس ذلك ما تعلق بالاعتمادات المالية، وأساليب التدبير والتدخلات الميدانية، فتذبذب الأمر بين اعتماد وكالات ومديريات وتجميع لأقطاب جهويا وإقليميا لم يتم إرساءها كاملة قبل حلول الكارثة التي وقعت بجهة سوس ماسة درعة في الأيام الأخيرة. وكل ما تم إنجازه لحد الساعة وما تمت معاينته من مصالح هذه المؤسسة العمومية مجرد تشخيصات للوضع بالإمكانيات الذاتية من الموارد البشرية واللوجيستيكية تزود بنتائجها المصالح الجهوية التي ترفعها بدورها إلى المصالح المركزية في انتظار قرارات تدخلية فعلية قد تاتي أو لا تأتي، ويبقى الواقع الذي لا يرتفع هو أن آلافا من المواطنين المستضعفين المتضررين من الظروف الطبيعية حالت دون استمرار المرفق العام في أداء مهامه بشكل مطَّرد مما يطرح علامات الاستفهام حول الجهة التي ينتظرها المتضررون لإنصافهم وتسريع تشغيل مرافق التزود بالماء والكهرباء، وقد نرى تحركات مدنية للترافع في هذا الاتجاه وربما حتى أمام المحاكم بما يلزم القائمين على المصالح العامة بالوفاء بالخدمة العمومية.