تختزل الذاكرة الجماعية لبلدة أقا عادات وتقاليد ظلت راسخة حتى وقتنا الحالي، بينما كان مآل الكثير منها هو النسيان والاندثار بسبب الإهمال وغياب الاهتمام بها من طرف الجهات والجمعيات المهتمة بالمحافظة على التراث، وصيانة الموروث الشعبي والثقافي لمنطقة ضاربة جذورها في عمق التاريخ. ومن بين تلك العادات التي نود من خلال هذه الأسطر الوجيزة التذكير بها، عسى أن يتحقق مراد لفت الانتباه إلى إحياء مثل تلك المناسبات الدينية التي تشكل رافد من روافد الهوية الوطنية الغنية بقيمها الحضارية والتراثية، نحيلك أيها القارئ الكريم على طقس احتفالي ذو صبغة دينية واجتماعية يقام من طرف مرتادي الكتاتيب القرآنية المنتشرة بربوع واحة أقا ومجال باني الخصب. "بيضة بيضة لله.."، مطلع ابتهال محلي لطالما صدحت به حناجر رواد المساجد والكتاتيب القرآنية التي يسهر أئمتها وشيوخها على تحفيظ ما تيسر من سور القرآن الكريم، وهو بالمناسبة فرصة سانحة لجمع الهبات والتبرعات العينية والنقدية من طرف الساكنة الأقاوية التي تعتز أيم اعتزاز بالتعليم العتيق، والسهر على تعظيم الفقهاء ومشايخ العلم. صفوة من تلاميذ المسيد "امحضارن"، يتقدمهم الطالب النجيب الذي يحمل معه لوح كبير مزخرف بآيات قرآنية كريمة، ونصوص من الحديث الشريف، تفنن الفقيه/ الإمام في زخرفتها وحبك كلماتها بعناية وإتقان. إرسالهم من طرف "الفقيه" قصد جمع التبرعات كما أسلفنا، غالبا ما يتم زمانيا مع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك، أو كلما تخرج على يديه طالب جديد. فمن كان وراء ذلك الطقس الاحتفالي الذي يختلف من منطقة جغرافية نحو أخرى؟ ومن أوحى إلى طلبة العلم بتلك الأشعار لترديدها وسط مجتمع يستوعب جيدا الحمولة الروحية لتلك الكلمات؟؟ لا نستطيع أن نتحدث بما لا يدع مجالا للشك عن البدايات الأولى لتلك العادة التي لم يكتب لها الاختفاء إلا في اواخر ثمانينيات القرن الماضي، كما لا نعرف منشد تلك الأشعار التي توظف لاستمالة قلوب الأقاويين، ودعوتهم لإكرام طلبة العلم ورموزه؛ بيد أننا نستطيع أن نضع رهن إشارة المطلع على هذه الأسطر المتواضعة النص الكامل "لمقامات توسلية" حفظها الأهالي عن ظهر قلب لكثرة ترديدها بصوت مسموع، ونغم خاص بين أحياء ومداشر أقا الممتدة. بيضة بيضة لله باش نصلص لوحتي لوحتي عند الطالب والطالب في الجنة والجنة محلولة حالها مولانا مولانا مولانا يا سميع دعانا لا تقطع رجانا من حرمة نبينا نبينا ..نبينا محمد وأصحابه في الجنة ينصابو اليهود والنصارى طاحو في خطارى ضربتهم خسارة وعلى زين الحالة صلوا يا رجالا لا إله إلا الله محمد رسول الله… وللإشارة، فالتبرعات والهبات التي تجمع تسلم للفقيه مباشرة مكافأة له على المجهود الجبار الذي يبذله في سبيل تلقين القرآن الكريم والتربية الدينية الصالحة للناشئة. وبقدر ما تعكس تلك العادة التي اختفت في الوسط الأقاوي بشكل تدريجي الطابع التضامني بين أفراد المجتمع المتضامن؛ بقدر ما يحق أن نتساءل اليوم عن سبل إحيائها والمحافظة عليها من الزوال.