يعلمنا علماء الطير أن العصافير حينما تغرد وترفع عقيرتها بالصراخ فليس من أجل متعة آذاننا ، وإنما من أجل إثبات ذواتها في منطقة نفوذية معينة تماما كما تتبول جوارح الحيوانات على تخوم مناطق صيدها ، كما يعلمنا علماء الاجتماع أن الأشخاص حينما ينفقون ويحرقون باستعراء فليس شفقة بالبؤساء والمحتاجين وإنما من أجل تجذير مكانتهم الاجتماعية داخل النظام وإعلان التفوق على المنافسين . فرق كبير إذن بين من يرى توزيع الزيت والدقيق بعيون الدين المبرقعة فيرفض مناقشتها خارج دائرة الاحسان ، وبين من يتعامل مع عملية التوزيع كلعبة للحقيقة الاجتماعية فيخضعها للتشريح تحت مشرط السؤال السوسيولوجي… إذا كان العمل الخيري أو كما يشاع تسميته ( الاحسان ) هو بطبيعته وغايته موجه للفقراء والمعوزين ، فما الغاية إذن من إغراق المنطقة بكميات الزيت والدقيق واستهداف المنطقة دوار دوار، ودار دار ؟ إذا علمنا أن عدد سكان أولادجرار يناهز 13 ألف نسمة ، وأن عدد الأسر بها ( لكوانين ) كما نسميها محليا ، تقدر بحوالي 3000 ثلاثة آلاف أسرة مع افتراض 4 أفراد كمعدل للأسر ، وإذا استحضرنا كمية الحصص الموزعة على الأسر الجرارية والتي بلغت 2600 حصة ، ألا يعني ذلك بالحسابات البيانية أن % 87 من الساكنة الجرارية تعيش بمؤشرات المجاعة بدل مؤشرات الفقر العشرة المتعارف عليها إحصائيا ؟ ألا نسوق للمنطقة الجرارية إعلاميا صورة للبؤس والفقر المدقع حينما تتداول بعض الصفحات والمواقع الالكترونية خبر توزيع الدقيق بتلك الكمية ؟ ألا يسيء التوزيع بهذا الشكل لأولادجرار بدل أن يعلي كعبها بين الجماعات والمناطق الأخرى ؟ بين الأسئلة والتساؤلات المطروحة وغير المطروحة واقع يكشف بالمضمر مظاهر الصراع وتقاطع الرهانات في المنطقة حول الدقيق : رهان من يوزع على إشهاره المتواصل للإنفاق وتوسيع دائرته إلى أكبر نطاق من أجل إظهار التفوق وكسب مراتب الوجاهة في السباق . رهان بعض المنتخبين من أجل إثبات قوة وساطتهم في جلب القوت والاسترزاق لدوائرهم ضمن مجال التنافس والسباق . رهان الكسب والغنيمة لمن استرخصوا كرامة القناعة في نفوسهم تحت غاية ( عضة ف الفكرون لا إهرب ) . تتعدد الرهانات بتعدد اللاعبين وأهدافهم نحو بلوغ الغنائم والأرباح ، لكن الخاسر الأول والأخير ضمن هذا الصراع يبقى هو أولادجرار البائسة بجشع غالبية ساكنتها وأهلها ، الغنية بمواردها وخيراتها و …خميرها رمضانكم كريم بالعفة والتعفف والتأفف ، ورمضانهم كريم بالزيت والدقيق والنقيق