يجري الثور هائجا في ساحة كبيرة واسعة، وسط حشد من آلاف الجماهير، تتعالى أصواتهم تحية للماتادور، تحية تشجيع وإعجاب بشجاعته وجرأته على مواجهة الثور الضخم الغاضب الهائج، هكذا كانت ساحة الثيران بطنجة أو ما يقال لها باللهجة العامية "بلاسا طورو" ساحة شكلت معلمة من معالم التاريخ في طنجة الدولية، ساحة أضافت للمدينة علامة أدخلت المدينة إلى التاريخ وأكدت شهادتها على تنوع الحضارات التي مرت منها، حضارات عرفتها على الخارطة العالمية وجعلتها قبلة للباحثين عن كل ما هو قديم ونفيس، ليس من الناحية المادية إنما من الجانب الثقافي المتنوع. ساحة الثيران التي شهدت رياضة اعتبرت من التراث الثقافي والهوية التاريخية لإسبانيا حيث يعود تاريخ هذه الرياضة إلى العصور السبعة الغابرة والموغلة في القدم، مما جعل من الساحة الوحيدة في القارة الأفريقية شاهدة على فترة رفاهية مر بها المستعمر، وجعلها تحظى بشهرة واسعة نظرا للإهتمام الكبير بهاته الرياضة الغريبة، الشهرة التي اندثرت مع مرور الأيام والأعوام ولم يتبقى من ساحة ردد فيها الآلاف صيحات تشجيع للماتادور، بعد أن أسقط الثور تلو الآخر ليأتي الدور على إسقاط معلمة شهدت أزهى فترات رقيها، معلمة صارت في طي النسيان، بعد أن تطاولت عليها الأيادي دون أي التفات من الجهات المعنية بالمآثر التاريخية، لتدخل حلبة المصارعة إلى مقارعة الزمن وتتهاوى بطعنات ماتادور النسيان متلاعبا بمنديل التسويف نحو مرحلة ما قبل القتل، ليسيل الدم منها بقايا جدران، أزاحت عنها الهوية بعد أن تحولت إلى مبولة للمارة، وتتوالى الطعنات بروح الثقة وحب التأمل في سقوط كل إنش منفردا دون أي ضجيج، ممزقة الأمعاء لتتهاوى الأسوار معطية الإذن لإنطلاق "الأولِي تلو الأولِي". هكذا صارت ساحة الثيران، التي ما باتت إلا جحرا للفئران فالمرتاد على الفضاء في الوقت الحالي سيشك أن الماضي كان عظيم، فلا المنظر الخارجي ولا الداخلي يوحي بذلك، فقد انهارت الأسوار المحيطة بالساحة لأسباب طبيعية وبشرية، واستوطنت شركة الماء والكهرباء ساحتها، وأصبحت حجزا لمعتقلي الهجرة السرية. فيا رحمتاه على الماضي، ماض رسمه إغريق، فينيقيون، رومان، أسبان وأوروبيون، فكانت عن حقيق طنجة الدولية، في حين أن الحاضر يقبر كل معلمة في المدينة. نشر بجريدة "صوت الحرية" العدد 6 دجنبر 2009