أصبحت الثيران الإسبانية و الحيرة تطغى على مشاعرها، فبين عشية و ضحاها و بفعل فاعل ترك الإهتمام بها ساحات االمصارعة ليتحول إلى الساحات السياسية. ورغم تعلق الأمر بالعجول و الثيران و البقر عموما، فإن الصدع بين اليمين السياسي و اليسار السياسي لم يلتئم، بل ازدادت شرارته، فبينما منطقة كاطلونيا تسير حثيثا نحو منع هذه الاحتفالات التاريخية و لا ترى فيها إلا جرائم منكرة، فإن منطقة مدريد قد أعلنت قتل الثيران "منفعة ثقافية عمومية". ولمزيد من دهشة الثيران، طلع عليها الفيلسوف خيسوس موسترين برأي يؤكد فيه أن قتل الثور في ساحة المصارعة يساوي ختان النساء، و لما كانت الثيران اسم على مسمى فإنها لم تدر ما علاقة الثور بالمرأة المختونة. وهنا حسم النزاع، و حكم حاكمها بأن تتوجه الثيران الجبانة و المفؤودة، وتلك القعدة الجثمة التي لا تسعى لمعالي الأمور إلى كطالونيا. بين تتوجه البواسل الشجيعة التي لا تخشى حر السيف إلى مدريد. هكذا فبينما فتح النقاش بالأمس بالبرلمان الكتلاني لمناقشة إمكانية إلغاء مهرجانات مصارعة الثيران، ردت إيسبرانثا أغيري رئيسة منطقة مدريد بأنها ستعمل على إعلان مصارعة الثيران "منفعة ثقافية عمومية"، و سيعتمد في هذا الإجراء "قانون التراث التاريخي الفني"، و عما إذا كانت هناك علاقة بين هذه المبادرة و مايجري في كطالونيا أكد نائب أغيري، إيغناسيو غونثالث " أن الأمر بديهي، فهناك علاقة وثيقة". ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل دخلت الأكاديمية على الخط، فالفيلسوف الفرنسي من جامعة السوربون أعلن بأن "مصارعة الثيران لم تعد مهرجانا وطنيا إسبانيا، بل تحولت إلى تراث عالمي". فيما عارضه فيلسوف القانون المدريدي بابلو دي لورا، مؤكدا بأن مصارعة الثيران لا تزيد عن كونها "وحشية ممأسسة"، ينبغي حظرها. وعضده فيلسوف الأخلاق خيسوس موسترين بتصريحه في البرلمان الكطالاني، بأن قتل الثيران لا يختلف في كثير عن ختان النساء، أو التعامل معهن بعنف، أو الإختطاف، أو محاكم التفتيش، ولم يقم فحسب بخلط الحابل بالنابل في عرف إنسان الشارع الذي لا يفقه من الفلسفة حرفا، بل تجاوز ذلك، و دون أن يدري قام بتشبيهات ممجوجة توازي بين الثور و المرأة، وهو ما أثار زوبعة من ردود الفعل في الرأي العام الإسباني الشديد الحساسية لهذا الموضوع، وردت عليه لايري باخين الكاتبة التنظيمية للحزب الإشتراكي بقوة مؤكدة بأنه "من غير المقبول المقارنة بين معانات الثور وبين العنف ضد المرأة". وتجدر الإشارة، إلى أن الضجة التي أثارتها الثيران بلغت حتى المدن و البلديات الفرنسية، و صرح عمدة آرلي الفرنسية بأن "هذه المهرجانات هي عنصر في هوية الكثير من مدن الجنوب الأوروبي والكثير من المدن الفرنسية". يذكر أن هذا النقاش يستعيد بعد خمس قرون من المنع الإسلامي حسب بعض المصادر التاريخية لمصارعة الثيران في إسبانيا المسلمة أو الأندلس، بسبب التعذيب الذي يتعرض له الثور في ساحة المصارعة.