الشعار الذي اختارته وزارة التربية الوطنية للدخول المدرسي الحالي 2009/2010 يبدو بعيدا كل البعد عن الواقع الذي تعيشه المدرسة العمومية ، لقد اشترت الوزارة الوصية ود الآباء من خلال منح أبنائهم الكتب والدفاتر لكنها أخذت منهم ما هو أهم من هذه الأشياء وأثمنها لقد أخذت منهم المدرسين والأساتذة وتركت هؤلاء الأبناء يتكدسون في فصول لا يمكن أن يقال عنها أنها فصول دراسية ، فهم يتجاوزون 45 تلميذا في الفصل الواحد وقامت الوزارة عبر نياباتها الإقليمية بضم المستويات إلى حد غير معقول وغير مسبوق وهدفها من كل هذا إعادة توزيع هؤلاء المعلمين والأساتذة إلى مدارس أخرى لتغطية الخصاص، عجبا من هذه الأفكار ومن أين تنبثق يريدون أن يعالجوا مشكل ونسوا أنهم خلقوا مشاكل... وكي لا يكون كلامنا فضفاضا ويضنه البعض ضربا من الخيال لابأس من أن نسوق مثالا عن هذه المعاناة.هناك مدرسة تدعى مدرسة العتيق بنيابة طاطا تعاني من نقص حاد في الأطر التربوية في وقت انتزعت منها النيابة الإقليمية معلمين وعينتهم في مؤسسات أخرى في إطار ما يسمى " تكليف بمهمة" فالمؤسسة تعاني اكتضاضا مهولا داخل الفصول ولها فرعية أخرى بالدوار الجديد بها عوض أن يدرس بها على الأقل ست معلمين تتوفر فقط على ثلاثة أما الفرعية الأخرى التابعة لنفوذها بسيد علي وعزا فتتوفر فقط على معلم واحد يدرس كل المواد لكن الغريب هو القرار الذي أصدرته نيابة طاطا هذه الأيام والقاضي بتقليص المستويات وضم بعها البعض في كل المؤسسات التعليمية رغم ما تعانيه أصلا هذه المؤسسات من نقص في الأطر ، والمشكل لا يخص فقط مجموعة مدارس العتيق بل كل المؤسسات التابعة لإقليم طاطا إذن وسط هذه الأجواء أحمق هو من يبحث عن الجودة وأبله من يعتقد أن الهذر المدرسي سيتقلص وغافل من يظن أن المخطط الاستعالي الجديد الذي يعرف سنته الأولى جاء بجديد ، فالمشاكل التي اعتقد الجميع أنها ستزول إلى غير رجعة أو على الأقل ستتقلص حدتها فالواقع يشير إلى أنها لازالت تراوح مكانها فالاكتضاض باق وفي كل المؤسسات و غياب أو انعدام الأطر التربوية في أخرى في ارتفاع... على العموم المشاكل والإشكالات البنيوية التي يعرفها القطاع لازالت باقية والحلول الترقيعية والمناسباتية التي تقدم عليها وزارة التربية الوطنية لا تزيد الوضع إلا تأزما وتفاقما ولن تفرز في النهاية الا تعليما هشا ومستوى متدني ... ناقوس الخطر الذي دقه البنك الدولي من خلال تقريره الذي وضع المغرب في مراتب متأخرة من حيت جودة التعليم لم يتم استعابه من طرف الأوصياء على القطاع بل كان هذا التقرير بالنسبة إليهم غير منصف وغير عادل ومفبرك الخ من النعوت التي كالوها إليها . والحقيقة لا يمكن حجبها فالكل يعرف مستوى التعليم في المغرب، فالأحرى بهؤلاء المسؤولون أخد هذا التقرير بعين الاعتبار وعلى محمل الجد ودراسته من كل الجوانب للوقوف على النواقص التي تعرفها المنظومة التربوية وكذا الإشكالات والاختلالات ( وما أكثرها) فالوقوف على المشكل هو في حد ذاته اكتشاف للطريقة المثلى للتصدي له. لقد توسم كل الفرقاء والفاعلين التربويين والشغيلة التعليمية خيرا في المخطط الاستعجالي وبالخصوص في النسب والارقام التي تضمنتها ميزانية قطاع التعليم المدرسي والتي بلغت 39 مليار و 785 مليون درهم أي بزيادة بلغت 23 في المائة لكن الأمور للأسف تسير على نحو معاكس رغم هذه المبالغ الهامة . لكن ليس غريبا فنفس الآمال علقت ذات يوم على الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكثرت الأقاويل حوله وكأنه خاتم سليمان الذي سيحل كل المشاكل على حين غرة لكنه لم يكن يحمل سوى مصطلحات جديدة معظم الاطر الادارية التربوية لم يفهموا معناها ومغزاها كالكفايات ،البيداغوجيا ، الطرائق البيداغوجية، الشراكة .... نحن هنا لسنا بصدد تصحيح أخطاء وزارة التربية الوطنية لكننا كغيورين على قطاع من المأمول فيه أن يكون في طليعة كل القطاعات وأي تنمية منشودة لا يمكنها الاستقامة دون تكوين العنصر البشري وايلائه المكانة اللائقة من خلال تعليمه تعليما نافعا ، لها لابد من الإشارة إلى خطأ في هذه السياسة المتبعة من خلال المخطط الاستعجالي والذي ركز على إلزامية التعليم إلى سن 15 سنة . نعم هذا جيد لكن تم توفير المناخ اللازم لهذا المبتغى؟ فالالزامية لا تعني بالضرورة أن نمنح المقررات الدراسية للأطفال والزي الموحد ونضع أخماسا في أسداس ونقول للرأي العام لقد حققنا نسبة 100 فالمائة من إلزامية التعليم . لا ليس من هنا تؤكل الكتف يا وزارة التربية الوطنية ان التلاميذ يحتجون إلى مدرسين ويريدون أن لا يتجاوزون في الفصل الواحد 25 إلى 30 تلميذا وان زادوا على ذلك فلا تبحثوا عن الجودة ، فكيف لأستاذ يريد أن يدرس مادة القراءة مثلا والمدة المخصصة لها هي 45 دقيقة على أبعد تقدير وعنده في القسم 45 تلميذا فهل تكفي دقيقة لكل تلميذ لكي يقرأ النص؟ أما الفهم والتحليل والإجابة على الأسئلة المتعلقة بالشرح والتركيب فمتى سيقوم بها؟؟؟ ورغم ذلك فهؤلاء حالفهم الحظ حين وجدوا معلم فقط يحرسهم كي لا يتعاركوا وما أكثر أمثالهم الذين لم يظفروا بطلعة معلم السنة الماضية ولا عجب قد يكون لهم نفس المصير هذه السنة، فالإحصائيات تشير إلى نقص حاد في الأطر التربوية وكذلك في الحجرات الدراسية ... إن إصلاح التعليم في المغرب لن يستقيم ما لم يتم إصلاح الأكاديميات والنيابات التعليمية ، هذه الأخيرة التي صارت فضاءا لقضاء المآرب الشخصية والتعيينات المشبوهة ومكانا للصراعات الداخلية فالبعض يزرع الأشواك للإيقاع بالبعض الآخر و تنامي ظاهرة الرشوة والفساد . إن نواب التعليم يعرفون جيدا الأوضاع المزرية التي تتخبط فيها المؤسسات التعليمية وهم على اطلاع بكل صغيرة وكبير وكذلك مديري الأكاديميات واغلبهم يدرسون أبنائهم في مدارس خصوصية لأنهم يدركون جيدا أن المدرسة الوطنية لا تنتج إلا الفشل والأمية فكيف أذن يرجى خيرا من هؤلاء؟؟ [email protected]