التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب    الرجاء يحقق فوزًا ثمينًا على شباب المحمدية بثلاثية نظيفة    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ أوس الرمال في حوار شامل مع "التجديد" : أحداث 16 ماي لا دخل لها في تعديل المناهج التربوية و الفوارق الاجتماعية ترتبط بتعدّدية نظام التّعليم وليس بتعدّدية ألوان الزي الذي يرتديه التّلاميذ
نشر في التجديد يوم 23 - 09 - 2002

مع كل دخول مدرسي جديد تتجدد إشكالات المنظومة التربوية ببلادنا وتطفح أسئلة واقع التعليم وأسئلة محاولة الخروج بهذا الواقع إلى مستوى يعيد لهذه المنظومة قيمها وأدوارها، في منأى عن أي مزايدة سياسية أو أي توظيف لأحداث ما تفرغ كل مشروع إصلاح تعليمي من أهدافه الجوهرية. في الحوار التالي، نلملم مع الأستاذ أوس رمّال، مفتّش التّعليم الثانوي من الدّرجة الممتازة، مختلف إشكالات مجال التربية والتكوين، وكذا مختلف قرارات خرجت بها وزارة التربية الوطنية والشباب مع الدخول المدرسي الحالي.
الملاحظ أن عملية الإصلاح التربوي التي كان مقررا مباشرتها، طبقا لما نص عليه ميثاق التربية والتكوين، منذ 1999 شهدت تعثرا في تطبيقها لحد الآن، ما المعيقات التي تَحُول دون تطبيق عملية الإصلاح هذه؟
الكلّ يفهم أنّ الإصلاح في ميدان التّربية والتّكوين هو إصلاح مصيري يرتهن به مصير أجيال متتالية. وبالتّالي من الطّبيعي أن يسير هذا الإصلاح بخطى متثبّتة ورزينة، لكن في الوقت ذاته هذا النّوع من الإصلاحات يحتاج أيضا في تدبيره والإشراف عليه إلى قناعات راسخة وإلى كفاءات متخصّصة جرّيئة قادرة على تحمّل المشروع الإصلاحي وتبنّيه بكلّ قوّة والدفع فيه بكامل الفاعلية. وهذا في اعتباري من أهمّ أسباب الارتباك الذي طبع هذه المرحلة الأولى من العشرية (2000 2010) التي اختار المغرب أن تكون فيها الأولوية الوطنية الأولى إلى جانب الوحدة التّرابية - للتّربية والتّكوين. وكما لكلّ ميدان رواده (رجالا ونساء) الذين يعيشون فعليا قضاياه ويتتبّعون تطوّراته في انفتاح حقيقي على كلّ ما هو إيجابي ممّا وصلت إليه دول العالم من إبداع وإنتاج، فلميدان التّربية والتّكوين أهله الذين يجب أن يوكل إليهم أمر تدبيره بعيدا عن المزايدات السّياسية وعن المجادلات الفلسفية العقيمة التي تُفرغ كلّ مشاريع الإصلاح من مضامينها الجوهرية وتبحث عن التّوافقات التي ترضي مختلف الفرقاء، أكثر ممّا تحرص على التّحقيق الفاعل والإجرائي لمراحل
الإصلاح المتّفق عليه. والحالة أنّ الثّوابت في هذا الميدان واضحة لا غبار عليها ولا سبيل إلى التّحايل عليها. فهي مبيّنة في جلّ الرّسائل والخطابات الملكية المرتبطة بالمجال، كما أنّها مؤطّرة دستوريا في إطار الثّوابت العامّة للمملكة، كما أن عموم الوثائق الرّسمية الصّادرة في شأن التّربية والتّكوين تتصدّر بها في صفحاتها الأولى. وبالتّالي فإنّ مجال التّربية والتّكوين الآن ليس في حاجة إلى من يخوض في هذه المبادئ والتّوجّهات العامّة ولكن في حاجة إلى من يحسن تدبير الإجراءات العملية القمينة بتنزيل مقتضيات الميثاق الوطني للتّربية والتّكوين ومتابعة تطبيق مضامين الكتاب الأبيض.... لأنّ هناك نزعة نحو التّهرّب من مقتضيات هذا الميثاق بل هناك توجّه رسمي في بعض المرافق نحو تهميشه والاشتغال بقضايا هامشية ليست من أولويات المرحلة في شيء.
على مستوى الإصلاح دائما، جرى الحديث عن تغيير في المناهج التربوية، على أي أساس جاء هذا التغيير؟
إنّ مراجعة وتغيير المناهج والبرامج التّربوية جزء لا يتجزّأ من الإصلاح الشّامل الذي تعرفه منظومتنا التّربوية المغربية. ولا يمكن ادّعاء إصلاح حقيقي إذا لم يتمّ الانتباه إلى المناهج والبرامج وإدخال الإصلاحات الضّرورية عليها. وفي هذا الصّدد جاءت هذه المراجعة الأخيرة.
ما هي قراءتكم للمناهج التربوية الجديدة مقارنة مع سابقتها؟
قضية البرامج والمناهج لم تكن أبدا قضية مركزية في مشاكل التّعليم ببلادنا، إذ كلّ ما يُمكن أن يُدرّس يمكن أن تحصل منه الفائدة إذا ما استفاد تدريسه من الإمكانات البشرية والمادّية اللاّزمة. فلا يكفي أن تتوفّر لديك تصاميم نموذجية لتصنع أنواعا ممتازة من الأثاث الخشبي ولكنّ تحتاج إلى خبرة وتجربة وإلى معمل مجهّز بالضّروري من الأدوات والآلات... وهكذا. المشكل ليس في المناهج لكن في آليات تنزيل هذه المناهج في واقع التّعليم الحالي: مؤسّسات وملحقات تدرّس العلوم في غياب مختبر العلوم، وإذا وُجد المختبر انعدمت الوسائل والوسائط التّعليمية، وإذا وُجد شيء منها انعدم المحضّر الذي يعتني بها ويصونها....
وهذه السنة سيعاني تنزيل المناهج الجديدة من عدّة جوانب، منها على الخصوص التّأخّر الحاصل في إنزال الكتب المدرسية إلى السّوق وما يطرحه تعدّد هذه الكتب في نفس الموادّ ونفس المستويات من إشكالات طارئة على الحياة المدرسية؛ إذ تمّ تحرير التّأليف المدرسي وصادقت اللّجنة الوزارية المكلّفة على عدد من المؤلّفات التي تراعي الشّروط الضّرورية التي نصّت عليها دفاتر التّحمّلات، وتقترح الوزارة التّعامل مع كلّ هذه المؤلّفات بنفس الأسلوب، وهذا وإن كان يخنق مبدأ التّنافسية الذي لا يخلو من جوانب مفيدة، فقط تحتاج الحياة المدرسية أن تكيّف معه شيئا فشيئا.
أكان لأحداث السادس عشر من ماي الإرهابية تأثير على هذه المناهج التربوية؟
المناهج والبرامج كانت في عمومها مُعدّة قبل أحداث 16 ماي الإرهابية. وبالتّالي لا دخل لهذه الأحداث فيها، اللّهمّ إلاّ ما يُفكّر فيه البعض من إضافة بعض الملحقات التي تعالج الموضوع. لكن في العموم البرامج والمناهج يتمّ إعدادها في سياق التّطوّر التّربوي والتّعليمي العامّ الذي تشهده البلاد وليس على ضوء أحداث طارئة شاذّة وعابرة.
في إطار المناهج دائما، لوحظ أن مادة التربية الإسلامية حُمِّلت إلى حد ما مسؤولية ما وقع بالدار البيضاء شهر ماي الماضي بتشجيعها على التطرف كما يزعم البعض، هل يمكن أن نقبل مثل هذا الطرح؟
هذا طرح لا يقول به عاقل. فالتّربية الإسلامية - وإن كانت لم ترقَ في مناهجها إلى الشّكل المطلوب - كانت دائما تُدرّس القيم الأصيلة للمغاربة، وتُهذّب أخلاقهم وتُرشّد سلوكاتهم بعيدا عن تطرّف الغلاة وعن استهتار المتحلّلين، وأحداث الدّار البيضاء لا علاقة لها بالتّربية الإسلامية بقدر ما هي نتيجة التّسرّب الدّراسي والأمّية والجهل بحقيقة هذا الدّين وما يدعو إليه من الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتّي هي أحسن.
فالعكس هو الذي يجب التّفكير فيه. وهو أن تصبح التّربية الإسلامية تربية حقيقية وليس مادّة دراسية فقط. وأن تُصبح روحا تسري في جميع مستويات التّربية والتّكوين في بلادنا وفي كلّ الشّعب والمدارس بما فيها العليا، لأنّ البلد في حاجة إلى الطّبيب الملتزم الذي يعرف قدر القَسَم الذي أدّاه حين استلم شهادته، والمهندس المتّزن الذي يقدّر ما ينتج عن كلّ إفراط أو تفريط في عمله، والمسؤول في الدّولة الأمين الذي يتّقي الله في عباده، و...و...وكلّ هذا لا يُخرّجه إلى منهج تربوي راق تحضر فيه قيم وتعاليم الإسلام في مختلف أطواره وأقطابه.
هل فعلا جرى تحجيم لمادة التربية الإسلامية في المناهج التربوية الجديدة؟
لا أظنّ، وأعتبر أنّ الحصص التي قرّرها الكتاب الأبيض في إطار نظرة شمولية لما يجب أن تكون عليه الجدولة الزّمنية المقرّرة في مختلف الأقطاب والشّعب هي التي يتمّ اعتمادها الآن. والموادّ التي تمّ بالفعل التّقليل من حصصها لأجل إدراج اللّغة الأجنبية الثّانية هي اللّغة العربية واللّغة الفرنسية والرّياضيات وذلك في السّنة الأولى إعدادي فقط. أمّا التّربية الإسلامية فلم يصبها تغيير حسب علمي.
هناك أيضا الارتكاز على تشجيع اللغات الأجنبية انطلاقا من السنوات الأولى ابتدائي، ألا يشكل ذلك مزاحمة للغة العربية باعتبارها اللغة الأم في بلادنا؟
لا أحد يعارض تشجيع تعليم اللّغات الأجنبية منذ سنّ مبكّرة، لكن لا ينبغي أن يكون هذا على حساب موادّ أخرى وخصوصا على حساب اللّغة الأمّ التي تعاني هي بنفسها من تدنّي في المستوى لدى المتمدرسين. وهذا التّقليص الذي طرأ هذه السّنة على حصص اللّغتين العربية والفرنسية والرّياضيات في السّنة الأولى إعدادي غلب عليه في حقيقة الأمر هاجس قلّة الموارد البشرية في هذه الموادّ، فكان هذا التّدبير التّرقيعي لربح أعداد من المدرّسين، ولا أظنّ أنّ الغرض منه مزاحمة اللّغة العربية. ولكن أعتبر أنّ هذا في حدّ ذاته فيه إخلال كبير إذ الأصل هو البحث عن الموارد البشرية وتوظيف الشّباب المعطّل في هذا الإطار وليس التّنقيص من الحصص الدّراسية، كما أنّ الأصل في المثل المغربي الشّائع هو توفير الحذاء من الحجم المناسب وليس تقطيع الرّجل والتّنقيص منها ليستوعبها الحذاء الضّيق.
لوحظ مع تعاقب الوزارات على قطاع التعليم المراهنة على الكم دون الكيف أي المراهنة على دخول أكبر عدد من التلاميذ لمدارس دون التفكير في عدد هذه المدارس ولا في جودتها، هل تصلح مثل هذه المقاربة لحل إشكالات التعليم؟
إنّ الأعداد والتّقييم العددي أمر لا بدّ منه لأنّه يقدّم مؤشّرات إحصائية حقيقية على مدى نجاح أو فشل أي مشروع من المشاريع. لكن إذا كان هذا صحيحا وينطبق على عدد من المجالات، فإنّ التّقييم في ميدان التّربية والتّكوين لا تكفي فيه التّقارير العددية. إذ لا عبرة بعدد المسجّلين المدخولات بل العبرة بعدد الشّواهد الممنوحة المخروجات و بنوعية التّخريج. وإلاّ فلا معنى للحديث عن تدنّي المستوى أو ارتفاعه ولا معنى أيضا للحديث عن قيمة الشّهادات التي تقدّمها السّلطة الوصية المعنية وعن قيمتها التّنافسية في سوق الشّهادات.
وبالفعل في بداية كلّ موسم دراسي نلاحظ حرصا كبيرا على تقديم أرقام مرتفعة فيما يتعلّق بأعداد المسجّلين الجدد، خصوصا منها المرتبطة بتمدرس الفتاة، وبالأخص الفتاة القروية. ولكنّنا لا نسمع بنفس الحرص أرقام التّسرّب الدّراسي الذي لا سبب له إلاّ التّردّي المستمرّ والمتزايد لأحوال التّمدرس وخصوصا في العالم القروي، حيث انعدام الكهرباء وشبكة الماء الصّالح للشّرب والمرافق الصّحية (الصّرف الصّحي) والشّبكة الطّرقية والسّلامة والأمن المرتبطين بها وشحّ المنح الدّاخلية وتردّي المرافق الدّاخلية وإن وجدت ........إلخ. وبالتّالي لا يكفي أن نفرض التّسجيل على آباء وأولياء التّلاميذ في إطار إجبارية التّعليم الابتدائي، ولكن يجب أن نفكّر في الإجراءات التي نستطيع أن نحافط بها على كلّ المسجّلين والمسجّلات داخل الّنظام المدرسي. وهذه القضايا حقّا هي التي تشغل بال النّاس - كلّ النّاس - وإن كانت في نوعيّتها تختلف حسب المدينة والقرية ...
يتميز الدخول المدرسي لهذا العام ببداية تطبيق قرار تعليم اللغة الأمازيغية، هل هناك من إشكالات يطرحها هذا القرار؟
من حيث المبدأ، ليس هناك إشكالات، فالأمازيغية مكوّن من مكوّنات بلدنا الحضارية، وفي تدريسها صيانة لهذا المكوّن العريق. لكن هناك إشكال على المستوى العملي، حيث تمّ اللّجوء إلى بعض المدرّسين إمّا لأنّهم من أصول أمازيغية، أو لأنّه تمّ إقناعهم بشكل أو بآخر بأنّهم قادرين على تدريس الأمازيغية، عوض التّفكير المعقول في تخريج أطر قادرة مقتدرة على التّدريس الجيّد. ويبدو أنّ الأمر ازداد ارتباكا حين تمّ تعيين هؤلاء المدرّسين من أصول أمازيغية إلى جهات الوطن بغضّ النّظر عن نوع الأمازيغية التي ينتمون إليها إذ تمّ تعيين البعض من سوس للتّدريس في المغرب الشّرقي وهكذا، لكن بلغني أنّ هناك تداركا لهذا الأمر الآن.
على المستوى اللوجيستيكي هل مدارسنا قادرة على تدريس هذه الّلغة بما لديها من إمكانات بشرية ومادية؟
بالطّبع لا، ولكلّ شيء بداية، ولذلك سينطلق تدريس الأمازيغية هذه السّنة في حوالي 317 مدرسة فقط على أن يتمّ التّفكير مستقبلا في الموارد البشرية والوسائل والوسائط التربوية الضّرورية للتوسّع أكثر.
تميز الدخول المدرسي بإقرار العديد من القررات الأخرى منها توحيد الزّي المدرسي، البعض اعتبره جاء بالنية في منع بروز بعض التمظهرات لتيارات معينة على لباس التلميذ. هل يمكن أن يكون ذلك صحيحا؟ وما رأيكم في مسألة توحيد اللباس؟
هذه أيضا من القضايا الشّكلية الهامشية التي لا علاقة لها بالأولويات الملحّة لمنظومتها التّربوية، والتي في رأيي لا تستحقّ أن يُضيّع فيها الوقت ولا أن يُصرف فيها الجهد، فقط أَعتبر أنّ التّبريرات الرّسمية التي تُقدّم في شأنها من قبيل ضرورة التّقريب بين الفواق الاجتماعية و تحسيس النّاشئة بتكافؤ الفرص وكذا التّقليل من تأثير المستوى الاجتماعي على التّلميذ كلّها تبريرات واهية لا حاجة إليها بل إنّها تحمل مغالطات جوهرية.
فالفكرة في حدّ ذاتها ليست إبداعا نوعيا يستحقّ أن يُعتبر مميّزا للموسم الدّراسي، بقدر ما هي محض تقليد لتجارب سابقة.
ثمّ إنّ توحيد الزّي - الذي هو في النّهاية مجرّد توحيد للّون - لا يلغي على الإطلاق الفوارق الاجتماعية، لأنّ الحرير ليس هو القماش الخشن ولأنّ أشكال البدل المدرسية أيضا تختلف وتتراوح بين النّوع الجيّد الجذّاب الثّمين والنّوع الرّديء الرّخيص ولو كان اللّون موحّدا. والمشكل يزداد أهمّية حينما يعجز الأب الفقير والأرملة المحتاجة عن شراء بدلة أو عدّة بدل جديدة وفق مواصفات الوزارة الوصيّة فيكون أبناؤهم عرضة لعقوبات المدرّسين ولاستهزاء وازدراء الزّملاء؛ في حين كان كافيهم أن يلبسوا ما تيسّر لهم من بِدل السّنوات الماضية. والعبرة في التّحصيل لا في ثمن اللّباس.
والدّور الذي يمكن أن تلعبه البدلة في تذويب الفوارق الاجتماعية وفي ستر اللّباس الشّخصي لا حاجة فيه إلى توحيد اللّون؛ إذ تؤدّي البدلة نفس الدّور مهما كان لونها.
أمّا إذا شئنا حقّا الكلام عن الفوارق الاجتماعية وعن علاقة ذلك بالمنظومة التّربوية فيجب الحديث بصراحة عن دواعي تَعدّد الأنظمة التّعليمية في بلادنا؛ هذا تعليم عمومي لعامّة المغاربة وهذا تعليم خصوصي بدرجات متفاوتة حسب عدد النّجوم التي ترسمها اللاّفتات الإشهارية للمؤسّسات التّعليمية الخاصّة، وهذا تعليم لخواص الخواصّ في البعثات الأجنبية .. لأنّ الفوارق الاجتماعية ترتبط بتعدّدية نظام التّعليم وليس بتعدّدية ألوان البِذل التي يرتديها التّلاميذ.
أضف إلى كلّ هذا أنّ هذه السّنة عرفت انطلاقة العمل بعدد من الكتب المدرسية الجديدة وهو ما يضيّع على الفقير فرصة اقتناء الكتب المستعملة وبالتّالي يُحوجه إلى توفير كُلفة مالية هامّة للدّخول المدرسي. فكان من الأجدى أخذ هذا بعين الاعتبار وإعفاؤهم من كلفة إضافية وتأخير فكرة توحيد الزّي إلى فرصة أخرى.
أمّا القول بأنّ توحيد الزي جاء بنية منع بروز أشكال من الزّي تعبّر عن تيارات معيّنة، فلا حاجة بنا إلى هذا الظّن، فالمدرسة المغربية تستقبل أطفالا أبرياء خصوصا في السّلك الابتدائي الأوّلي والمتوسّط، وهؤلاء لا يمكن أن يقصدوا بلباسهم إبراز تيّارات معيّنة لأنّهم لا يفهمون شيئا من هذا، كلّ ما في الأمر أنّهم يلبسون ما تيسّر لهم وما تعوّدوا على لباسه في أسرهم وفي أحيائهم وأوساطهم التي يقضون فيها معظم أوقاتهم.
لوحظ تشجيع لافت للنظر من طرف الوزير لمسألة الاختلاط، أليس في الأمر تضخيم فقط على خلفية أحداث الدار البيضاء دائما، وواقع الحال أن مؤسساتنا تعيش الاختلاط دائما؟
قضية الاختلاط هذه بالفعل من القضايا الهامشية التي يُراد لها أن تشغل بال النّاس على حساب القضايا الحقيقية التي ينتظرون فيها إجراءات عملية تجيب على تساؤلاتهم وتعتني بهمومهم الحقيقية.
نعم هي قضية هامشية؛
أوّلا: لأنّها غير مطروحة أصلا؛ إذ كلّ أو جلّ فصول الدّراسة في بلدنا هي مختلطة فعليا في كلّ المستويات.
ثانيا: لا أعلم أنّ في نظامنا الدّاخلي للمؤسّسات التّعليمية ما يفرض فصل الذّكور في قسم والإناث في قسم آخر. وبالتّالي ليس هناك قرار في الشأن نحتاج إلى تعديله أو نسخه.
ثالثا: إذا كان المقصود هو طريقة جلوس الأطفال في الفصل الدّراسي وأن يجلس بالضّرورة كلّ تلميذ مع تلميذة على نفس الطّاولة - ولا أظنّ هذا هو المقصود - فهذه قضيّة مرتبطة براحة التّلميذ وبحرّيته الفطرية التي يتعامل بها بكامل البراءة ولا يحقّ لأحد - كان من كان - أن يفرض عليه شيئا من هذا القبيل، كما أنّ المدرّس في الفصل أَولى من غيره بالعناية بهذه الأشياء وفق ما يقتضيه الواقع الاجتماعي المحلّي والتّتبّع التّقويمي لنتائج الفصل.
رابعا: إذا كان المراد هو الادّعاء بأنّ هذه الفكرة هي ممّا وصل إليه وأبدعه الفكر التّربوي المعاصر، أقول لا؛ بل على العكس هناك تيّار تربوي قويّ الآن يسير في اتّجاه الرّجوع إلى الأقسام غير المختلطة، إلى درجة أنّ الرّئيس الأمريكي جورج بوش - وإن كان ليس مرجعا في الشأن التّربوي - وهو يتزعم النّظام الدّولي الجديد بكلّ أبعاده السّياسية والعسكرية والاقتصادية والتّعليمية، فإن إدارته في إطار مشروعها الإصلاحي لنظام التّربية تريد فصل الذّكور عن الإناث في المدرسة وتُشجّع على الرّجوع إلى الأقسام غير المختلطة، وهي بتقديم هذا المشروع تتراجع عن قوانين عملت بها المدرسة الأمريكية خلال أكثر من ثلاثين سنة.
أيضا في كندا وزير التّربية Sylvain Simard لم يستبعد إمكانية الرّجوع إلى الأقسام غير المختلطة كحلّ لعدد كبير من المشاكل التي تعيشها المدرسة الكندية وللتّدهور الكبير الذي يعرفه مستوى المتمدرسين، الذّكور منهم على الأخصّ، ولم يتردّد في الإفصاح عن جودة النّتائج التي حصّلتها المدارس التي تعتمد الأقسام غير المختلطة في بعض الجهات من كندا وأمريكا في إطار حرّية واستقلالية الإدارة التّربوية التي تتمتّع بها المدارس عندهم.
وعليه، فإنّ قضية اختلاط الأقسام إذا كان من الضّروري فعلا مناقشتها - وهذا ليس من الضّروري في شيء الآن - يجب أن يتمّ ذلك في إطار البحث التّربوي الهادف، وألاّ تكون مجرّد ردّة فعل مِزاجية على ما يشاهد هنا أو هناك في بعض الأقسام والمدارس.
أجرى الحوار: يونس البضيوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.