الأصل أن التقديس يشمل البشر على اختلاف مواقعهم ومستوياتهم وأدوارهم ، فالفلاح مقدس ، والتاجر مقدس ، والعامل مقدس ، والرئيس مقدس والمرؤوس مقدس ...وقدسية المرء ليست حكرا على شخص دون غيره من البشر ، إذ في ذلك خراب للعمران وانتشار للظلم الممارس في حق المحكومين تحت ذريعة عدم التطاول على الحكام . ولم تشرعن القوانين السماوية والوضعية ،عبر مسار طويل من الزمن ولحقب زمنية مختلفة تميزت بالانتقال من أطوار الظلمات إلى أطوار الأنوار ، إلا لتعيد للإنسان إنسيته المسلوبة ، فكل كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، وحرمة دم الإنسان وماله وعرضه قاعدة ثابثة وحق مقدس لايمكن نفي وجوبه اعتمادا على المعطيات العقلية والنقلية التي يزخر بها الواقع العقلي والكم النقلي ... وإذا تم الانتقال من العام إلى الخاص يصبح الخلل واضحا والفساد مستشريا ، ففي الخروج من التعميم إلى التخصيص خروج عن مقاصد المقدس وما يهدف إليه من حفظ للأنفس من طمس للمقدس الإنساني . و”الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي .حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة” كما أن “شخص الملك مقدس لاتنتهك حرمته” . واعتبارا لأن الملك يمارس الديني والدنيوي فإن هذا ما يجعل من القدسية تطرح تناقضا صارخا يخرج بها من معناها الإنساني إلى حمولتها الروحانية ، لتتساوى ذات الملك مع ذوات الرسل والأنبياء ، علما بأن الملك يمارس سلطات دنيوية تحتمل الصواب حينا والخطأ أحيانا أخرى . ولأن قدسية الإنسان أصل ثابث، أي إنسان ، فإن المقدس يهدف إلى الحفاظ على دم الإنسان وماله وعرضه دون تجاوزهذا الإطار لكون الفعل الإنساني معرض دائما وأبدا للخطإ والصواب ، وقدسية الملك ليست حكرا عليه وتدخل ضمن القاعدة التي تقول بأن القدسية يحق للفلاح أن يتمتع بها في ضيعته والتاجر في متجره والعامل في معمله ، وكذا الملك في مملكته ، مع تحمل كل واحد مسؤولية قراراته ، حيث أن القدسية حق إنساني مقرون بواجب إنساني أكبر منه وأجل منه شأنا وقدرا ، وهذه هي القاعدة التي يجب استحضارها في علاقة الحاكم بالمحكوم .