شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    الدورة الثانية للمعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2024.. مشاركة 340 عارضا وتوافد أزيد من 101 ألف زائر    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقف المغاربة بالقدس والتدمير الصهيوني
نشر في التجديد يوم 05 - 06 - 2002

القدس مثلها مثل المدن التاريخية القديمة، توالت عليها أقوام وشعوب وطوائف من كل بقاع الأرض. ونظرا لأهميتها الدينية والتاريخية على اعتبار تقديسها من أصحاب الديانات الثلاث. ونحن المسلمين، تعني لنا القدس الكثير فهي مرتبطة بعقيدتنا الإسلامية من حيث أنها قبلتنا الأولى ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وثالث المساجد التي تشد الرحال إليها..
وبدخول الإسلام إلى شمال وسط إفريقية عن طريق الفتوحات والتجارة دخل معظم الأفارقة في المغرب العربي في الدين الجديد، وارتبطوا بالدين الإسلامي عقيدة وتاريخا وثقافة، وحضارة ونظام حياة، وكان المسلمون الأفارقة العامل الرئيسي في نشر الإسلام في أوروبا وفتح الأندلس.
ولإتمام شعائرهم الدينية أخذوا يحجون إلى بلاد الجزيرة العربية (مكة والمدينة) وأخذوا يتوافدون على بيت المقدس للتقديس في أرض الإسراء والمعراج ليتشبعوا تلك الروحانية التي وجدت بقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه من بيت المقدس إلى السماء.
ولاشك أن المسلمين المغاربة قد دأبوا على المجيء إلى بيت المقدس منذ العصور الإسلامية المتأخرة، ولكن معظم الكتب المؤرخة للمدينة لا تذكر على وجه الخصوص متى بدأ استقرارهم هنا. إلا أن هجرة المغاربة إلى الشرق بوجه عام ترجع إلى أيام الدولة الفاطمية. فمن المعلوم أن الفاطميين قد اعتمدوا في تأسيس دولتهم في المغرب على قبائل البربر المتعربة، وكان في جيشهم فرق منهم، لذا يعد العصر الفاطمي مرحلة هامة في تاريخ الهجرات المغربية إلى مصر. حيث استقر المغاربة في غربي الدلتا والفيوم، والواحات، وسائر الجهات القريبة من صعيد مصر.
وبما أن بيت المقدس كانت قد خضعت للفاطميين في مصر، فمن المرجح أن تكون هجرات المغاربة ترجع إلى هذا العهد، ويرجح أيضا أن يكون عدد هؤلاء المغاربة قد ازداد في بيت المقدس عقب الفتح الصلاحي لها، نظرا لما يتمتع به هؤلاء المغاربة في عصره من احترام، وعاش المغاربة في بيت المقدس وغيرها من مدن فلسطين وكان لهم شيخ يسمى شيخ المغاربة ومسؤول عن شؤونهم وأوقافهم وغير ذلك وكان معظم المغاربة المقيمين في القدس من أتباع المذهب المالكي ويقيم معظمهم في حارة المغاربة الموقوفة عليهم من قبل الملك الأفضل بن صلاح الدين.
هذا وقد حفظت لنا كتب الأدب أسماء مئات من رجال العلم والأدب والدين الذين رحلوا من المغرب إلى المشرق في طلب العلم والتفقه، وكتاب "نفح الطيب" أفرد لهؤلاء العلماء نحو ثلث الكتاب، وكان هؤلاء العلماء يسمعون العلم في المسجد الأقصى فضلا عن المدارس والزوايا. وربما فضل كثير من هؤلاء المهاجرين الحياة في بيت المقدس لغلبة الطابع الديني عليها ولعل ما تيسر لإخوانهم المغاربة من رغد في العيش والحياة الكريمة فيها كان عاملا مشجعا لجذبهم إليها خصوصا بعد أن قامت القوى المسيحية في غرب أوروبا من استرداد بلاد الأندلس ومهاجمة موانئ بلاد المغرب، مع عدم استطاعة القوى الإسلامية الصمود أمامها كانت من العوامل التي ساعدت على هجرة أعداد كبيرة من المغرب والأندلس إلى بيت المقدس، وليس أدل على كثرة هؤلاء المغاربة في بيت المقدس مما يذكره مجبر الدين الحنبلي عن كثير من علماء المغاربة الذين تولوا كثيرا من المناصب الهامة في المدينة منها القضاء، ومشيخة زاوية المغاربة وإمامية المالكية بالأقصى ومشيخة القادرية (إحدى الطرق الصوفية)، وهذه لمحة موجزة عن المغاربة وهجرتهم واستقرارهم في بيت المقدس.
الوقف في حارة المغاربة
بالرجوع إلى كتب التاريخ وسجلات المحكمة الشرعية بخصوص وقف المغاربة وجدنا أن أقدم وقفية للمغاربة في بيت المقدس هي وقفية الملك الأفضل نور الدين علي بن سلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي وذلك في رجب سنة 666 ه /1267م.
ولأهمية الوقفية نذكر نصها كما وردت في كتاب "المنهل الصافي" في الوقف وأحكامه.
بسم الله الرحمن الرحيم:
يشهد من أثبت اسمه وشهادته آخر هذا المحضر وهم يومئذ من الشهود الأمناء الأحرار العقلاء المسلمين الذكور الأخيار من أهل علم ومخبرة بما يشهدوا به شهادة عرفوا صحتها وتحققوا معرفتها وعلموا حقيقتها لا يشكون فيها ولا يرتابون (..) ويلقون الله بأدائها أنهم يعرفون جميع الحارة المعروفة المسماة بحارة المغاربة الكائنة بمدينة القدس الشريف ويحدها ويشمل (..) بالحدود (..) الحد الأول وهو القبلي ينتهي إلى سور مدينة القدس الشريف وإلى الطريق المسلوك إلى عين سلوان وغيرها والحد الثاني وهو الشرقي ينتهي إلى حائط الحرم الشريف، والحد الثالث وهو الشمالي ينتهي إلى القنطرة المعروفة بقنطرة أم البنات، والحد الرابع وهو الغربي ينتهي إلى دار الفاضل وإلى سفل الدار المعروفة بالمولى القاضي الإمام العالم شمس الدين قاضي القدس الشريف كان، ثم إلى دار الأمير عماد الدين بن موسكي ثم إلى دار الإمام حسام الدين قايماز الحد الغربي ينتهي إلى حارة اليهود الشرف ويشهد شهوده أن هذه الحارة المعينة المحدودة أوقفها السلطان الملك الأفضل نور الدين علي بن السلطان (..) الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي رحمهما الله تعالى، علي جميع طائفة
المغاربة على اختلاف أوصافهم وتباين حرفهم ذكورهم وإناثهم كبيرهم وصغيرهم فاضلهم ومفضولهم ليسكنوا فيها في مساكنها وينتفعوا بمرافقها على قدر طبقاتهم وما يراه الناظر عليهم وعلى وقفهم من ترتيب ذلك وتفضيل من يفضله وتقديم من يقدمه بحيث لا يتخذ شيء من المساكن التي (..) ملكا ولا احتجازا ولا بيعا. وقفا مؤبدا شرعيا ماضيا جاريا على هذه الطائفة المغاربة كان من كان، ويشهد شهوده أن الناظر في ذلك وفي كل جزء منه وفي ترتيب أحواله ووظائفه وأموره، راجع إلى من يكون شيخا قدوة من المغاربة المقيمين في كل عصر وأوان بالقدس الشريف يتولى ذلك بنفسه وينظر وله أن يولي من اختار وآثر ويستنيب عنه من يقوم مقامه وله عزله إذا أراد (..) وإذا رأى أوقف وحبس (..) ويشهدون به وبذلك كتبوا شهاداتهم في اليوم الرابع والعشرين من شهر رجب الفرد سنة ست وستين وستمائة. تقيدت بتاريخ 26 شعبان سنة 1004 ه/1595م. (صورة طبق الأصل مجلد 77 ص 588).
وكما نرى فإن الملك الأفضل أوقف جميع حارة المغاربة بالقدس بحدودها المعلومة ولم يتجمد وقف المغاربة عند ذلك الحد، بل زاد عن ذلك فأوقف بعد ذلك الشيخ عمر بن عبد الله بن عبد النبي المغربي المصمودي المجرد زاوية المغاربة (زاوية الشيخ عمر المجرد) الواقعة بأعلى حارة المغاربة من الجهة الشمالية الغربية. أنشأ الشيخ عمر المجرد هذه الزاوية من ماله الخاص وأوقفها على الفقراء والمساكين من المغاربة بتاريخ 3 ربيع الآخر سنة 703 ه 1303م (1) زاوية أخرى في الخليل، والزاوية في القدس تتكون من عشرة غرف وأوقف ثلاث دور تصرف عليها وأشكل على الكثيرين الآن لاعتقادهم بأن هذه الزاوية هي نفس زاوية أبو مدين الغوث وسنأتي إلى تفصيل ذلك في محله.
وتوسع وقف المغاربة مرة أخرى سنة 720 ه /1320 م عندما أوقف (.. الشيخ الصالح العالم العامل المجاهد أبي عبد الله محمد بن الشيخ الإمام بركة المسلمين بحجة الله بقية السلف الصالحين أبي مدين شعيب المغربي العماني المالكي نفع الله ببركاته وفسح بمدته الوقف.. (... الواقف المذكور من أحفاد أبو مدين الغوث شعيب بني الحسين الأندلسي لأن المذكور لم يدخل القدس حسبما أجمعت على ذلك المصادر التاريخية وكانت وفاته بتلمسان ودفن فهيا سنة 594ه /1197م.. إنه وقف وحبس وسبل..جميع قرية عين كارم من قرى مدينة القدس الشريف.. لها حدود أربعة تجمعها وتحصرها. الحد القبلي ينتهي إلى المالحة الكبرى، والحد الشمالي ينتهي إلى بعض أراضي عين كارنت وقلونية وحاراس وصاطاف وزاوية البختياري، والحد الغربي ينتهي إلى عين الشقاق والحد الشرقي ينتهي إلى بعض أراضي المالحة الكبرى وبيت مدميل بجميع حقوقها..
وأما المكان الثاني الموقوف فيه فإنه بالقدس الشريف بخط يعرف بقنطرة أم البنات باب السلسلة المشتمل على إيوان وبيتين وساحة ومرفق خاص، وسفلي ذلك مخزن وقبو.. وقفا صحيحا شرعا قاطعا ماضيا مرعيا..
وقفه هذا على السادات المغاربة المقيمين بالقدس الشريف والقادمين إليها من السادات المغاربة على اختلاف أوصافهم وتباين حرفهم ذكورهم وإناثهم.. لا ينازعهم به منازع ولا يشاركهم به مشارك.. وقد أعد المكان الثاني المندرج في هذا الكتاب زاوية سكنا للواردين الذكور من المغاربة ليس لإناث المغاربة الواردين ولا لذكور المغاربة المقيمين ولا لآبائهم السكن في المكان المذكور أوقف الواقف المذكور وقفة هذا في اليوم المبارك التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة عشرين وسبعمئة أحسن الله تنظيمها في خير وعافية والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وعترته الطيبين الطاهرين. ومن هنا أضيف قرية عين كارم إلى وقف المغاربة يتصرفون بها غلة واستغلالا لجهة الوقف.
وأنشأ الواقف في هذه السنة 720ه/1320م زاوية أبي مدين الغوث وهي غير زاوية المجرد لأن زاوية أبي مدين الغوث تقع في الجهة الشمالية الشرقية من حارة المغاربة شرقي قنطرة أم البنات وكانت تتكون من غرفتين وإيوان ومرتفق وحاكورة به بعض الأشجار كما ورد ذكر بالوقفية وبقيت كذلك حتى الاحتلال الإسرائيلي وتدمير حارة المغاربة كما أكد ذلك الرواة.
القبة أوقفها الملك الأفضل نور الدين وذلك على فقهاء المالكية بالقدس ويقع بقرب المدرسة المذكورة ضريح الشيخ العيد وهو ضريح لشيخ من الصالحين، كما كان يوجد في حارة المغاربة مسجد البراق ويقع بالجهة الشرقية من الحارة قرب المغاربة مسجد البراق ويقع بالجهة الشرقية من الحارة قرب سور الحرم الشريف وسمي بالبراق نسبة إلى براق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ربط بالمكان عند الإسراء والمعراج.
كما ذكرت أصبحت حارج المغاربة تعج بالناس وعامرة بأهلها وزاد بها الوقف وتتشعب ليشمل إيقاف أراض ومساكن ودكاكين في الحارة نفسها لصالح الصخرة المشرفة والحرم الشريف كما يوجد في تلك الحارة وقف ذري لبعض العائلات المقدسية أمثال صنع الله الخالدي وزاد المغاربة على وقفهم داخل الحارة وخارجها، فهنالك أوقاف على المغاربة بسوق الدلالين سنة 1252ه/1836 وبحارة اليهود المجاورة لحارة المغاربة سنة 1118ه/1609م وبحارة السرايا سنة 1192ه/1778م، دار باب العامود موقوفة لسنة 1171ه/1767 دار بحارة الأرمن سنة 1127ه/1812م، وقف بالرملة سنة 1077ه/1666م، كرم باللد سنة 1255ه/1839ك، دار بباب حطة سنة 1171ه/1757م، عقارات بباب حطة سنة 1278ه/1861م، وقف بغزة سنة 1183ه/1759م، دار باب العامود سنة 1181ه/1767م، أرض بعين السلطان خارج القدس سنة 1187ه/1773م، وغيرها الكثير من العقارات والأراضي أوقفت جميعها على فقراء المغاربة المقيمين بالقدس الشريف وعلى المغاربة الواردين إلى القدس الشريف وكان يصرف ريع هذه الأوقاف في إطعام المغاربة وإيوائهم وعلى الزاوية (زاوية أبي مدين لغوث، وزاوية عمر المجرد) ويصرف على الوقف نفسه إلى ما فيه
بقاء عينه.
ووقف المغاربة بأغلبية من الأوقاف الخيرية كان دار من قبل المتولين وكان غالبا ما يكون المتولي هو شيخ المغاربة في بيت المقدس حسب شروط الواقفين وكانت إدارة الأوقاف أو المحكمة الشرعية تشرف على تدقيق حسابات الوقف فقط، استمرهذا الحال حتى سنة 1333 ه/1914م بالتحديد 10 صفر حيث رفع محاسبه جي مالية القدس حول صحة وقفية أبي مدين الغوث لقرية عين كارم وأنها من أوقاف صلاح الدين وليست وقفية أبي مدين ونظرت القضية أمام محكمة القدس الشرعية، وأخذت دورا بارزا في إثبات الوقفية حيث ثبت بالحجة القاطعة صحة الوقفية على فقراء المغاربة المقيمين بالقدس.
علاقة اليهود بحارة المغاربة
لم يكن لليهود أي علاقة بحارة المغاربة وكان عددهم بحارة الشرف أو حارة اليهود المجاورة محدودا جدا في العصر التركي إلا أن أعدادهم ازدادت في حارة اليهود مع نهاية العصر التركي وكان لهم (لليهود بشكل عام) حرية الاستطراق إلى حائط البراق الذي يعتبر من أملاك المسلمين باعتباره جزءا لا يتجزأ من المسجد الأقصى وكان الاستطراق يتم من وقف أبي مدين الغوث بالقرب من زاويته التي أوقفها إلى ملك الملك الأفضل أي إلى حارة المغاربة القسم الشرقي منها بعرض يبلغ 11 قدما أي ما يقارب ثلاثة أمتار وهذه الأمتار الثلاثة كانت من أملاك المسلمين الخالصة سمحوا بها لليهود للوقوف أمام حائط المسجد الأقصى الغربي للتأمل والصلاة هناك لهذا منع المسلمون اليهود من تعمير تلك الساحة في نهاية العهد التركي ومنعوا اليهود من إحضار أدوات العبادة والكراسي في بداية العهد الانجليزي أيضا إلا أن بوادر الفتن ظهرت في هذا العصر من قبل اليهود بدعم من الانجليز وظهرت مشكلة البراق والتي حلت أمام اللجان العالمية بصحة ملكية المسملين للحائط وحرية الاستطراق حسب نظام الستاتيكو. وذلك بعد حوادث سنة 1348ه/1929م في فلسطين والحوادث الدامية في 1354ه/1936م.
وبالرغم من ثبوت حارة المغاربة بإسلاميتها وفلسطينيتها منذ عشرات القرون، وهذا الأمر مثبت بالوثائق والوقفيات الإسلامية كما أن قرارات هيئة الأمم تدعم هذه الحق والحقيقة.
كما أن قرار هيئة الأمم الذي صدر عام 1930 أثبت الحق العربي الفلسطيني في حائط البراق وحارة المغاربة، وأنه لا حق لليهود في هذين المكانين سوى الاستطراق لحائط البراق على مساحة ثلاثة أمتار فقط. حيث أن هذين المكانين أي حائط البراق وحارة المغاربة هما عربيان فلسطينيان وأمام هذه الحقيقة تسقط كل الادعاءات المزورة التي تطلقها وتروج لها سلطات الاحتلال. وبالرغم من كل الحقائق التي تثبت الحق العربي الإسلامي الفلسطيني في هذين المكانين إلا أن سلطات الاحتلال قامت بهدم حارة المغاربة بكاملها وأقامت على أراضيها المدارس اليهودية الدينية وبنت العمارات عليها دون اكتراث بالحق العربي والإسلامي الفلسطيني معتمدة على غرورها وعنجهيتها العسكرية والدعم الاستعماري لها مستغلة التفكك والضعف والشتات العربي والإسلامي.
استمر الأمر في مد وجزر بين المسلمين واليهود سنة 1368ه/1948 عين خرج اليهود من القدس القديمة عقب هذه الحرب والحصار الشديد الذي تعرضت له حارة اليهود المجاورة لحارة المغاربة.
بعد حرب سنة 1948 نزح كثير من اللاجئين الفلسطينيين إلى حارة المغاربة إثر نزوح أهلها إلى مناطق أخرى جراء الحرب التي وقعت وحصار حارة اليهود والدمار الذي أصاب الحارة نفسها من جراء هذه الحرب فأهلها العرب غادروها إلى الخليج العربي بحثا عن الرزق وحل محلهم غادروها إلى الخليج العربي بحثا عن الرزق وحل محلهم اللاجئون القادمون من المناطق التي احتلها اليهود فامتلأت الحارة من جديد وقام المتولون بتأجير عقارات الوقف إلى هؤلاء اللاجئين بمبالغ زهيدة وذلك مساعدة لهم من قبل الوقف وتحقيقا لرغبة الواقفين. وبنت الوكالة (وكالة الغوث) مدرسة بنات في الجهة الجنوبية الشرقية من حارة المغاربة تسهيلا لهؤلاء اللاجئين. ولكن الأمور لم تسر بهذا الشكل لفترة طويلة حيث حلت سنة 1387ه/1967م وجاء حرب حزيران.
الاحتلال الإسرائيلي والاعتداءات على حارة المغاربة
بعد دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة القدس يوم 6 حزيران سنة 1967 فإن أول ما اتخذته السلطان هو قيامها بأعمال تتنافى مع الحقوق المقدسة للشعوب والأفراد وحق المحافظة على المقدسات والأماكن الدينية والأثرية وحق الملكية الشخصية للأفراد والمؤسسات، وهي الحقوق التي قررت في مؤتمر جنيف الدولي لسنة 1369ه/1949م.
ولا تزال سلطات الاحتلال تعمل المزيد من الاعتداءات والاستفزازات مما أدى إلى إثارة مشاعر المسلمين في هذا البلد على مقدساتهم وأوقافهم وأملاكهم التي أخذت تتعرض وتعرضت للاعتداء عليها من قبل السلطات، ومن سلسلة هذه الأعمال التعسفية وغير القانونية ما حصل لحارة المغاربة، ذلك الحي الإسلامي الفلسطيني العريق والذي هو أحد أحياء القدس الملاصق مباشرة للمسجد الأقصى المبارك. ففي مساء 10 حزيران سنة 1967 وفي تمام الساعة الثامنة قامت السلطات الإسرائيلية بهدم مئة وخمسة وثلاثين بيتا من أوقاف المسلمين وإمعانا في الضرر لم يمنح السكان وقتا لإخلاء أمتعة منازلهم قبل هدمها. وكان من الحوادث المفجعة أن امرأة عجوزا توسلت المسؤولين بتأجيل هدم بيتها إلى الصباح فتظاهروا بالموافقة إلا أنهم عاقوا وهدموا بيتها عليها. وفي صباح اليوم التالي اجتمع أصحاب البيوت التي لم تهدم واستفسروا من المسؤولين المحتلين عما إذا كانت نيتهم مواصلة عملية الهدم، فأجابوهم بالنفي، إلا أنهم في الساعة العاشرة عادوا وطلبوا إليهم إخلاء منازلهم وأعطوهم مدة ساعة لإخلائها إلا أنها تضاءلت فأخذوا يمنعون كل من يخرج من بيته أن يعود إليه، وكان من بين ما هدم
مسجدان إسلاميان قديمان، أحدهما مسجد البراق وكذلك مدرسة الركالة للبنات وزاوية أبي مدين الغوث وغيرها الكثير من العقارات الوقفية الأخرى.
وقد تم كل ذلك في جو إرهاب بين لعلعة الرصاص ونباح الجنود، ولم تكتف السلطات الإسرائيلية بذلك، بل استولت بالقوة على باب الحرم القدسي الشريف المسمى (باب المغاربة) بواسطة الجيش بالرغم من احتجاجات المسلمين ودائرة الأوقاف الإسلامية وأخذت سلطات الاحتلال تدخل الزوار الإسرائيليين وغيرهم دون أن تتم موافقتهم من قبل موظفي الأوقاف الإسلامية، الأمر الذي سبب انتهاكا لحرمة المسجد الأقصى المبارك وإحداث الكثير من الإرباك والفوضى في ساحات الحرم الشريف.
وكان من مسلسل الاعتداءات على حارة المغاربة أن السلطات الإسرائيلية أبلغت أصحاب ما تبقى من عقارات وقفية إسلامية إخلاءها بحلول موعد 1976/12/28 من أجل توسيع منطقة ساحة المبكى على حساب العقارات والبيوت الإسلامية في المنطقة.
حارة المغاربة في وقتنا الحاضر
اليوم عندما يطل المرء من الجهة الغربية من المسجد الأقصى وينظر صوب الغرب فلا يرى أثرا لذلك الحي الإسلامي المسمى بحارة المغاربة بعد أن كان أحد أحياء القدس العربية المزدحمة بالسكان المسلمين الفلسطينيين، أصبح هذا الحي بمنازله ومساجده وأزقته أثرا بعد عين وقد سويت الحارة مع الأرض فأصبحت قاعا صفصفا والآن هي ساحة واسعة مبلطة تستعمل أرجائها ولم تقتصر الاعتداءات على هدم حي المغاربة وإزالته من الوجود وإنما تعدته الاعتداءات على الأماكن المجاورة للحي والملاصقة للسور الغربي للحرم القدسي الشريف، وكان أهمها في 1969/6/16م ودون سابق إنذار خرجت وزارة الأديان الإسرائيلية ببيان تعلن فيه أن أعمال هدم زاوية أبي السعود المحاذية للحرم القدسي الشريف والملاصقة لحارة المغاربة قد بدأت بالفعل وادعت سلطات الاحتلال بأن هذا الهدم لأغراض "السلامة العامة" ولهذه الزاوية ذكريات جميلة عند سيادة رئيس دولة فلسطين السيد ياسر عرفات أيام طفولته" وهي تسمى بالزاوية أو الخانقاه الفخرية، وهي مجاورة لجامع المغاربة على بعد مائتي متر من المسجد عند الباب الذي يخرج منه إلى حارة المغاربة. وقفها القاضي فخر الدين أبو عبد الله ناظر الجيوش
الإسلامية، توفي سنة 732 ه/1331 وكانت في القرن العاشر الهجري مدرسة وكان ناظرها وشيخها في سنة 937ه/1530م بهاء الدين بن حامد وكان تعيينه بأمر من السلطان مادام على قيد الحياة وكان لصلف وغنجهية الناطق بلسان وزارة الأديان الإسرائيلية أن صرح أن وزارته بدأت بهدم المباني المجاورة للجهة الجنوبية من حائط المبكى وأن جميع المباني التي ستهدم مهجورة ولا يسكنها أحد وهذا ادعاء زائف ومغالط للحقائق.
وأخيرا فإن محو حارة المغاربة والاعتداءات المتكررة على القدس عامة والمسجد الأقصى المبارك بشكل خاص هي أعمال يراد بها تهويد مدينة القدس والعمل على تقليص الوجود الإسلامي العربي فيها ولكنهم يمكرون والله سبحانه وتعالى يصد مكرهم وهو كفيل بحماية بيته من دنس الكافرين والحاقدين.
* رئيس قسم إحياء التراث/ القدس
(1) أورد أحمد العلمي في كتابه "وقف المغاربة" أن تاريخ إيقاف زاوية عمر المجرد كان سنة 730ه/1339م وأظنه واهما لأن تاريخ إيقافها هو 70.ه/1303م.
بقلم الدكتور حمد أحمد عبد الله يوسف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.