فند الشيخ القاسمي الأكاذيب المحدقة بالدين الإسلامي من قبيل نشر الإسلام بالسيف، وذلك في المحاضرة التي ألقاها بقاعة العروض بغرفة التجارة والصناعة لإقليم اسطات، حيث قال إن نشر الإسلام يعتمد على التبليغ بالإقناع وتوفير الحرية في الاعتناق. ووضح فضيلة الشيخ أن المقصود بسماحة الإسلام هي السهولة والليونة في الدخول فيه، وفي تناوله، وفي تصوراته وعباداته وأحكامه وأخلاقه. سماحة الإسلام قدم فضيلة الشيخ بلقاسم القاسمي، عضو خلية المجلس العلمي لجهة الشاوية ورديغة، تعريفا لغويا للسماحة والتي تعني الكرم والجود والسهولة والليونة والتذلل. وأكد الشيخ على أن الإسلام هو السباق إلى التسامح والمتفرد به من بين سائر الأديان السماوية، والمذاهب الفكرية مشيرا إلى أن لفظة التسامح أضحت في الوقت المعاصر رائجة بشكل كبير في حين لم يكن لها وجود في تراثنا كمشكلة ومصطلح مضيفا "إنما وفد علينا من الغرب ببروز عامل القوميات والوطنيات والقطريات والجاليات في أوروبا مما طرح معارك فكرية حول التعامل مع مختلف الطوائف في المجتمع الواحد". وأردف أن هذا التسامح كمصطلح عند الغربيين وغيرهم إنما يعالج مشاكل اجتماعية من زاوية واحدة وهي التعايش مع أقليات داخل مجتمع يريد أن يفرض سلطته وقوته عليهم في حين أن التسامج في الإسلام هو مبدأ يهيمن على كل جوانب الحياة الدينية والدنيوية، وسواء منها الخاصة والمتعلقة بالآخرين. وقال الشيخ القاسمي " ليس لمكابر أو جاهل أن يصف الإسلام بالهمجية أو الإرهاب. لأن الإسلام لا يعرف ولا يعترف بأي لون من ألوان الإرهاب بل يقر العدل والأمن والسلام على كل بني جلدة الإنسان (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). شهادة التاريخ وأعطى الشيخ أمثلة عن أقوام في علاقتهم وتصوراتهم لمبدأ التسامح من خلال تاريخهم، خصوصا اليهود الذين عرفوا بالكيد والمكر والخديعة والإساءة والبخل والانحراف عن شرع الله مع كل بني الإنسان؛ فارتكبوا المجازر الجماعية والفردية والقتل بكافة الصور البشعة والدنيئة. كذلك الاضطادات الدينية التي عرفتها أوروبا في القرن 71، وقتل المسلمين في إسبانيا... بينما لم يحصل في تاريخ الإسلام أن المسلمين قاموا بمذابح وطردوا السكان وارتكبوا أعمال القسوة في حق الشعوب والبلدان التي دخلوها فاتحين، بل كانت فتوحاتهم شريفة نقية. وقد كشف الشيخ القاسمي الأكاذيب المحدقة بديننا من قبيل نشر الإسلام بالسيف حيث قال: >إن نشر الإسلام مستقل عن الفتوحات الإسلامية ولم يعتمد عليها؛ وإنما يعتمد على التبليغ بالإقناع وتوفير الحرية في الاعتناق؛ قال تعالى: (لا إكراه في الدين)652 البقرة. (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين)99 يونس، أما الفتوحات الإسلامية فإنها موجهة إلى الحكومات الظالمة الكافرة المتحكمة في رقاب الناس فحالت بينهم وبين الطريق إلى فهم واختيار للإسلام بعد فهم مبادئه وعن اقتناع وحرية كاملتين قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) 93 الأنفال... فحمل الإسلام للسلاح يضيف الشيخ إنما هو لمنع المعوقات التي تمنع كلمة الحق أن تصل إلى الآذان... ولكي تكون الفرص متساوية: يسمع الناس حجة هؤلاء وهؤلاء، وبعد ذلك يختارون ما يشاؤون بإرادة حرة وإن الإسلام يعامل فئات المجتمعات معاملة حسنة، فيضمن لهم الأمان التام والتمتيع بالحريات الدينية، ولا يطلب منهم في المقابل سوى الجزية وهي مبلغ زهيد يدفع مقابل قيام المسلمين بالحماية وتوفير الأمن والسلام. إرادة الله اليسر بعباده النصوص من القرآن ومن السنة النبوية الدالة على التسامح وقد قسمها الشيخ إلى ثلاثة أنواع: نوع يدل على إرادة الله تبارك وتعالى اليسر بهذه الأمة يقول الله عز وجل: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) 581 البقرة، (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة 682، (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) 82 النساء. (ونيسرك لليسرى) 8 الأعلى. أما النوع الثاني فيدل على نفي الضيق والحرج؛ يقول الله عز وجل: (وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم) 87 الحج. أما النوع الأخير فهو ينهي عن الغلو في الدين مصداقا لقوله عز وجل: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق) 171 النساء. دلالات التسامح بالمثل كذلك هناك ثلاثة أنواع من نصوص السنة النبوية: النوع الأول يدل على يسر هذا الدين: روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أحب الأديان إلى الله فقال: الحنيفية السمحة. (البخاري الطبراني والبزار وأحمد) . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: >إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا...<(البخاري والنسائي). النوع الثاني يدل على خشيته صلى الله عليه وسلم المشقة على أمته. جاء في البخاري ومسلم في باب التراويح قوله صلى الله عليه وسلم >قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، وفي رواية فتعجزوا عنها. النوع الأخير يدل على أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتخفيف وإنكاره التعمق والتشدد والغلو عليهم؛ جاء في قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن: يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا (البخاري ومسلم وغيرهم). كما ذكر الأستاذ بلقاسم أثرا واحدا عن الصحابة وهو ابن مسعود رضي الله عنه قال: إياكم والتنطع، إياكم والتعمق، وعليكم بالعتيق. إن هذه النصوص القرآنية والنبوية والآثار السلفية يضيف الشيخ تدل على إرادة الله تبارك وتعالى اليسر لهذه الأمة في تشريع الأحكام وتطبيقاته؛ فأمر هذا الدين كله يسر، قراءة القرآن ميسرة، وعبادته ميسرة، وحفظه ميسرة، وخيرات الدنيا كلها ميسرة في ظل هذا الدين. وتدل كذلك هذه النصوص بإجمال على تفضيل هذا الدين على سواه بنفي الحرج عنه وتيسير العمل به والمداومة عليه ثم السعادة بامتثاله قال ابن عباس رضي الله عنهما: >إنما ذلك سعة الإسلام وما جعل الله فيه من التوبة والكفارات (روح إطحاني 7/012)، وتدل أيضا علي أن المراد من التشريعات ليس هو الإعنات ولا المشقة وإنما هو تكليف للتطهيروإتمام النعمة، وتدل أيضا على مرفع الحرج عن كل الناس والاستبعاد عن الغلو في جميع مجالات الحياة الدينية والدنيوية، والأخذ بالأيسر ولو كان قليلا في نطر الناس. مظاهر السماحة في الإسلام الوسطية بين الشيخ مفهوم الوسطية في الاعتقاد حيث قال إن الإسلام جاء وسطا بين الخرافيين الذين يسرفون في الاعتقاد وبين الماديين الذين ينكرون كل ما وراء الحس ولا يستمعون لصوت الفطرة ولا يؤمنون قط بإله. أما الوسطية في العبادات فجاء الإسلام وسطا بين النحل التي ألغت الجانب الرباني من فلسفتها وواجباتها كالبوذية التي اقتصرت على الجانب الأخلاقي الإنساني وحده، وبين النحل التي طلبت من أتباعها التفرغ للعبادة والانقطاع عن الدنيا بالمرة كالرهبانية المسيحية يقول الله عز وجل: (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنص نصيبك من الدنيا). الوسطية في الأخلاق والنظرة إلى الوجود جاء الإسلام وسطا بين غلاة المثاليين الذين تخيلوا الإنسان ملكا أو شبه ملك وبين غلاة الواقعيين الذين حسبوه حيوانا فأباحوا له كل ما لا يليق بإنسانيته، فجاء الإسلام وسطا فأمره بتزكية نفسه وأباح له تلبية رغباته ، ما لم تنزل بإنسانيته إلى الحضيض الممقوت. وأخيرا الوسطية في الحقوق الفردية والجماعية، فينظر الإسلام إلى الفرد والجماعة نظرة مازدواجية مترابطة فبدون الفرد لم يكون المجتمع وبدون المجتمع لا يقوم الفرد ومن هنا اعتنى بالإثنين ولم يغلب أحدهما على الآخر بل وازن بينهما وجعل من قتل نفسا واحدة كمن قتل الناس جميعا. العدل والمساواة أكد فضيلة الشيخ أن هذا الدين العظيم جاء بتشريعات عادلة يطمئن إليها كل من ينظر إلى حق الحياة بإنصاف، ويستظل بظل عدالتها كل من لم يواجهها بالعداء والعناد، لذلك لم تغفل هذه التشريعات أحكاما تضمن الحقوق الكاملة للمسلمين وغير المسلمين وعليه فعلى من انتمى إلى هذا الدين واعتنقه أن يلتزم حيال إخوانه في الإنسانية بآداب عديدة منها: الإنصاف والعدل مع الكافر الجار وغير الجار والغير المحارب وإسداء الخير له، رحمته الرحمة الكاملة كإطعامه إن جاع وسقيه إن عطش. وعدم إذايته في ماله أو دمه أو عرضه إن كان غير محارب مصداقا للحديث القدسي : >إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم كمحرما فلا تظالموا..<، والإهداء إليه وقبوله هديته وأكل طعامه إن كان كتابيا لقول تعالى: (وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم)، ومعاشرتهم بتزويج الكتابيات من نسائهم لقوله تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم...) (المائدة). التأدب معه في الدعوة والحوار، التساوي بين المسلمين وغيرهم أمام القضاء والقانون، التساوي كذلك بين المسلمين وغيرهم في الحقوق العملية أي جعل لغير المسلمين فرصة العمل وحرية التوظيف في الوظائف المختلفة، وجعل التميز العلمي كمعيار أساسي لتوزيع الفرص. وأشارالشيخ إلى غياب الميز العنصري في الإسلام ساردا عدة نماذج توضح ملامح المساواة في الإسلام مع التطرق إلى مظاهر الميز العنصري التي طبعت الدول "الراقية" المتشبعة بشعارات ومبادئ حقوق الإنسان. نماذج تطبيقية للتسامح في الحضارة الإسلامية وذكر الشيخ القاسمي بتعامل الرسول يوم فتح مكة مع قريش وقولته المشهورة اذهبوا فأنتم الطلقاء، وكذلك في غزوة أحد حين أحاط به الأعداء وكسروا رباعيته. فقال له بعض الصحابة لو دعوت عليهم يا رسول الله فقال لهم >إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعية ورحمة. اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. ونجده صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه نصارى الحبشة أنزلهم في المسجد وقام بنفسه على ضيافتهم وخدمتهم، وكام مما قاله يومئذ: إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، فأحب أن أكرمهم بنفسي، وكذلك من وصاياه للمسلمين استوصوا بالقبط خيرا فإن لكم فيهم نسبا وصهرا. ونجده صلى الله عليه وسلم قد عاد غلاما يهوديا مريضا حتى إن والده لم يملك تقديرا لهذا الجميل إلا أن يشجع ولده على قبول الدعوة النبوية واعتناق الإسلام. كما أوضح القاسمي أن العلماء السياسيون والعوام حرصوا على الاهتمام بهذه المبادئ والتوجيهات وأنزلوها موضع التنفيذ في جميع المجالات: العلمية والتاريخية والثقافية والسياسية. وضرب الشيخ مثالا على ذلك ما حصل بالأندلس الذي أظل فيها التسامج حياة تلك الأقليات خلال وجود الإسلام، ونقل التاريخ أن اليهود في ظل الحضارة الإسلامية بالأندلس جمعوا سجلات علومهم فدونوا النحو وأنشأوا المعاجم وأعدوا تركيب حقبهم المنسية وتأثروا كثيرا بالتراث الإسلامي، وعلى العكس من ذلك كانت الأندلس مثالا لتطبيق نقيض التسامح مع المسلمين المتبقين بها أثناء اجتياح الغرب الصليبي لها فقد تم الإخلاء بالبنود الموقعة بين المسلمين والنصرانيين وكان الإيغال في الوحشية والهمجية هي السمة الطاغية. وأضاف إن الإسلام جاء لينقذ الشعوب كلها من الشقاء ولم يميز جنسا من آخر ولا لونا من لون، شعاره قول الله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). وقد أعطى كل هذا حضارة سميت بالإنسانية إلى أرفع مستوى فكانت النتيجة أن الفتوحات الإسلامية إنما كانت حركات تحريرية إنسانية ورحمة للبشرية. إعداد محمد معناوي