تم عقد مؤتمر في قاعة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، في مدينة رام الله، على مدى يومين، دعى اليه، من اطلقوا على انفسهم ملتقى أو تيار اليسار الديموقراطي،وكان موضوع المؤتمر بعنوان:(تجارب توحيد احزاب حركات اليسار في فلسطين والعالم)، والمؤسف ان اليسار الفلسطيني، والمتمثل بالمؤتمر، بحزب الشعب الفلسطيني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديموقراطية، اعتبروا انفسهم وحدهم هم اليسار الفلسطيني في الساحة، واغفل منظمي المؤتمر، دعوة الكثير من التنظيمات الفلسطينية سواء عن قصد او بدون قصد، مثل الأتحاد الديموقراطي (فدا) وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وجبهتي التحرير العربية والفلسطينية وغيرها من الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية، وعلى راسها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وحقيقة، والمستغرب والمستهجن، كيف تم اعتبار هذه التظيمات المتمثلة بالمؤتمر، تنظيمات يسارية دون غيرها، واستثنيت باقي التنظيمات، وما هي الأسس التي اعتمدوها لتصنيف من هو في اطار اليسار، ومن هو في اطار اليمين الفلسطيني، علما بان التمايز بين كل هذه التنظيمات، يعتبر في اطار التباين البسيط جدا، وليس في اطار التناقض، بمعنى انه، لا إختلاف لا بالمضمون ولا بالشكل بين هذه التنظيمات، وحقيقة في معظمها، تتناقض كلية، مع منهج وخطاب حركة المقاومة الأسلامية (حماس)، فحركة فتح، كبرنامج وممارسة، تتناقض بالكامل مع حركة المقاومة الأسلامية (حماس)، وليس هناك اي اختلافات موضوعية تذكر بين هذه التظيمات، والتي تتناقض في برامجها مع حركة حماس، على الأخص، على الصعيد العملي، اذن كيف يمكننا استثناؤها من كونها يسارا؟؟؟ وهناك مقولة مأثورة تقول : (اذا كان في الساحة، تنظيمين يساريين، فلا بد ان يكون احدهما انتهازي)، فكيف تعددت التنظيمات اليسارية في الساحة الفلسطينية. الساحة الفلسطينية، تحتوي خطابين سياسيين هامين، لا ثالث لهما، شئنا ام ابينا، على الرغم من ادعاء اليسار، بوجود خط ثالث لهما متميز ومتمايز عن الباقي، ويتمثل بهم. الخطاب الأول: وهو الخطاب الوطني الفلسطيني، والمتمثل بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ومن دار بفلكها من كافة التنظيمات الفلسطينية، سواء صنفت يسارا أو لم تصنف بعد، عدا حركتي حماس والجهاد الأسلامي. الخطاب الثاني، تمثله حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومن يدور في نهجها وفلكها نسبيا كحركة الجهاد الاسلامي، وهناك ايضا، حركة حزب التحرير، ذات الخلفية الدينية المعروفة للجميع، والتي تنشط بالخفاء بفعالية، ولا تظهر على ارض الواقع، والتي تختلف عن حركة حماس، بآليات العمل والأهداف نسبيا، وان كان جوهر الفهم، لكليهما ذو طبيعة دينية واحدة، وهو الخطاب السياسي الديني، وتعتمد حركتي حماس والجهاد الأسلامي، الكفاح المسلح، بفهمهم الخاص له، آلية العمل الوحيدة، لتحقيق اهدافهما، كما يعتبر برنامجهما السياسي مبنيا على اساس أن (الأسلام هو الحل). حقيقة هذين الخطابين السياسيين، متميزين ومتمايزين، وهما واضحين كل الوضوح، كوضوح الشمس، للقاصي والداني، فالأول لديه برنامج سياسي وطني، يعمل ويؤمن بتحرير الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، على اساس حدود الرابع من حزيران، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بعاصمتها القدس الشريف، وبحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى اراضيهم التي طردوا منها في فلسطين التاريخية، مع حق التعويض أيضا، ويعتمد في نضاله الكفاح المسلح، والمفاوضات، وكافة آليات وأشكال النضال المتنوعة والشرعية، حسب الظروف الموضوعية والمحيطة. تناول المؤتمر بشكل عام، في يومه الأول، تجارب قوى اليسار في بعض دول امريكا اللاتينية كبوليفيا والسلفادور والبراغواي وغيرها من الدول، كما طرح ايضا تجارب بعض اليسار في اوروبة كألمانيا وفرنسا واليونان. وعلى الرغم من اهمية ما طرح، الا انه لم تتم مقارنة ما طرح، مع الظروف الموضوعية والذاتية الفلسطينية، ولم ترد اي ملاحظات موضوعية من المتحدثين عن ملاحظاتهم على اليسار الفلسطيني ودوره واسباب ضعف فعاليته، وعدم نجاحه في توحيد صفوفه ايضا، واين نجح واين فشل، وما يمكنه اكتسابه، من خبرات وتجارب اليسار العالمي في دول أمريكا اللاتينية واوروبة، ومدى تشابه الظروف الفلسطينية وظروفهم الأخرى ايضا. كذلك طرح ممثلي اليسار الفلسطيني المعتمدين بالمؤتمر، وجهة نظرهم في فشل توحيد اليسار الفلسطيني، وكان حديثهم اقرب الى التنظير والتبرير غير الواقعي، منه الى الأسباب الموضوعية والحقيقية، لفشل توحيدهم وتوحدهم، وغلب على ما قدموه من طرح، الطابع الدبلوماسي المجامل، وخلا من الجدية والموضوعية والصدق. علما بان تجارب اليسار الفلسطيني في معظمها، لم تكن جدية، ولم تدفعهم الظروف الموضوعية والأحتلال الصهيوني نحو الوحدة، وهذا يعود لجمود اليسار، وترهل قياداته عبر عشرات السنين الماضية، وعدم قدرتها على مواجهة الظروف بواقعية وموضوعية، وبأساليب ابداعية وخلاقة، وبآليات عمل مجدية وفعالة، كما انها لم تستفد من موضوع النظرية والتطبيق، في عملها اليومي، حيث نحن نعيش مرحلة تحرر وطني، وليس صراع طبقي واجتماعي، فهذه المرحلة، تتطلب جهود توحيد كافة القوى بشتى توجهاتها وافكارها لمواجهة عدو شرس ونازي وعنصري، لا يميز بين يسار او يمين، فالكل مصنف في حلف الأعداء من قبل اليهود الصهاينة. اليسار الفلسطيني، منذ هزيمة العرب في حرب يونيو حزيران في العام 1967م، والمتمثل في الحزب الشيوعي الفلسطيني، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي انبثقت عن حركة القوميين العرب، ثم تشرذمت فيما بعد، وتمخض منها الجبهة الديموقراطية والأتحاد الديموقراكي (فدا) والقيادة العامة وغيرها من التنظيمات الأخرى، بدل من ان تتوحد، كلها في حزب يساري واحد، أو جبهة وطنية ديموقراطية وشعبية، تعتمد النضال، بشتى اشكاله وصوره، لدحر الأحتلال، تراجعت كثيرا على الصعيد الشعبي كما ونوعا، في عدد رفاقها والمؤيدين لها، وايضا في اطروحاتها السياسية، ولم تكن فاعلة بشكل مؤثر أو ملحوظ، خلال المراحل النضالية السابقة، ولم تكن تملك آليات للعمل مجدية، حتى لم تتمكن من طرح برامج سياسية ونضالية تستقطب الجماهير من حولها، وبدت معزولة نسبيا عن جماهير شعبها انعزالا ملحوظا، وهذا يتمثل في النسب التي حصلت عليها في الأنتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، حيث حصدت (حماس) اعلى الأصوات، وتلتها حركة (فتح) ومن ثم حركات اليسار، والتي لم تتحصل على ما نسبته 5-7% من اصوات الناخبين، بينما حصلت حماس على اكثر من 45% وحركة فتح على 37%. حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) هي من قادت منظمة التحرير الفلسطينية عبر مراحل النضال السابقة والى اتفاق اوسلو، وهي التي اقامت السلطة الوطنية الفلسطينية على الأراضي المحررة الفلسطينية، وهي ايضا اعتبرت السلطة الفلسطينية هي (كعكة فتح) لوحدها، كون معظم التنظيمات الفلسطينية اليمينية واليسارية، رفضت إتفاق (اوسلو) واعتبرته تنازلا عن الحقوق الفلسطينية الثابتة، لذلك، فان حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، والتي امتلكت السلطة والمال على ضوء الأتفاق، ملكت كل شيء، وكان بامكانها اكتساح الساحة الفلسطينية بالكامل، لولا فساد بعض القيادات الفتحاوية، والتي شوهت من سمعة ومصداقية ووطنية الحركة. حيث انتشر الفساد كثيرا بصفوف الحركة، وعمت الأنانية والعنصرية، ابناء التنظيم الواحد وضد التنظيمات الأخرى، مع انها استفاقت في وقت لاحق، لمنح ما تبقى من كعكة السلطة، للقوى التي تدعي اليسار وخلافه، والتي تصطف الى جانبها، أو التي لا تنحاز بأطروحاتها لليمين السياسي الديني، واهم ما قدمته لهم حركة (فتح) بطاقات (الفي. آي. بي) VIP)) وادخالهم الى اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعيينهم بوظائف للسلطة، كمدراء عامين ومدراء وحتى في وقت لاحق، وزراء في حكومات السلطة، كل هذا تحت سقف اتفاقية (اوسلو)، التي اعتبروها تخليا عن الثوابت الفلسطينية، والبعض، صورها بنكبة العام 1948م. اما حركة حماس، فقد اعتبرتها سلطة عميلة، والأحتلال هو من شكلها، بهدف ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية، ومع هذا، فان حركة المقاومة (حماس) دخلت الأنتخابات تحت سقفها، وشكلت حكومة تحت ظلها، وبهذا ينطبق على أتفاقية (اوسلو) المثل القائل: (مذمومة ومرغوبة). انا لست بصدد الدفاع عن اتفاقية (اوسلو)، الا انني اعتبرها هي محصلة لموازين القوى الفلسطينية والعربية والدولية، وليس بالامكان احسن مما كان على ضوء ذلك. مع أن القيادة الفلسطينية، قدمت كل استحقاقات (اوسلو) للطرف الأسرائيلي على طبق من ذهب، وزادت كثيرا عليها من تنازلات، كرما وغباءا، بينما القيادة الفلسطينية، لم تتمكن من الحصول بالمقابل، من الطرف الأسرائيلي على استحقاقاتها من الاتفاقية، لأنحراف تفكيرها بالسلطة، وكعكة السلطة، وبطاقات (الفي. آي. بي) (VIP) والوظائف المختلفة، والأستوزار وخلافه، وكان الأجدى من القوى التي تعتبر حالها يسارا واكثر ادراكا وفهما لطبيعة الصراع مع العدو، ان تفضح الفساد والتنازلات من قبل السلطة الفلسطينية للكيان الصهيوني، على ضوء اتفاقية اوسلو، وكان الأجدر بها أيضا، تصحيح مسار حركة (فتح) وتدعيمها للمفاوض الفلسطيني، بمواجهة القيادات الصهيونية، وسياساتهم العنترية، وتصليب عود (فتح) والقوى الأكثر صلابة بها ووطنية، وتصليب المفاوض الفلسطيني بشكل عام ايضا. بدل التفكير بالبطاقات المذكورة والوظائف والترقيات والأستوزار وخلافه. يكفي اوسلو حقا، انها مكنت السلطة من ادخال اكثر من اربعمائة الف مواطن فلسطيني من الشتات، الى ارض الوطن، وادخلت العشرات من قيادات وكوادر اليسار أيضا، كما ان السلطة الفلسطينية باسم اتفاقية (اوسلو) بنت مئات المدارس وعشرات المستشفيات، وشقت وزفتت مئات الكيلو مترات من الطرقات بين محافظات وقرى الوطن، واقامت البنية التحتية للكثير من المؤسسات والوزارات للدولة الفلسطينية المرتقبة وخلافه. ومع هذا، بدلا من تدعيم ومؤزارة المواقف الفلسطينية الأيجابية للقيادة وتطويرها وتدعيمها، نلقي كل فشلنا وفسادنا وقصورنا على اتفاقية (اوسلو)، مع أن اليسار الفلسطيني منذ اكثر من اربعين عاما من الأحتلال الصهيوني، ما زال يفكر بكيفية توحيد صفوفه، وعلى ضوء ذلك، فان اليسار، اتوقع له ان يتحد بعد مائة عام، لذلك كنت ناصحا له بالمؤتمر، ومبديا له وجهة نظري الشخصية، بأن ينضم الى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، كتنظيمات أو جماعات، هذا اذا ما قبلت بهم (فتح)، حيث لا أنهم لا يمثلون الا نسبه قليلة جدا من الجماهير الفلسطينية لا تتجاوز 10% في أحسن الظروف، وهم سيمثلون عبئا ماليا واداريا على (فتح) اذا ما قبلت بهم، وبما ان (فتح) تملك المال والسلطة، ومن ملكهما يملك كل شيء، فأعتقد ان اليسار، يمكنه من خلال اختراق حركة (فتح) سواء كانوا افرادا أو جماعات، قيادة هذه الحركة و تصحيح مسارها، ومحاربة ما بها من فساد، وتصحيح ايضا مسار دفتها، بما يخدم المصالح الفلسطينية الوطنية، بدلا من ان يستولي اليمين الفلسطيني على السلطة بالمرحلة القادمة، وعلى كل شيء، بعد ان اصبحت (فتح) كالرجل المريض، بشهادة ابنائها، ويبقى هذا وجهة نظر، قد لا تعجب قيادات اليسار، حفاظا على ما حققوه من مكاسب شخصية في ظل السلطة، وحقيقة، فان وجود قاذورات على الطاولة، لايمكنها ان تزول بذاتها أو بمفردها، بل تحتاج الى من يكنسها كنسا.