ان الدعوة الى المشاركة في الحوار الوطني حول المجتمع المدني دعوة باطلة بعد أن عملت الحكومة على تنصيب السيد اسماعيل العلوي رئيسا لها ، ولن ندخل في ممارسة غيبة ونميمة حول الرجل ، فهو ككل الرجال له وعليه . لكنه رجل خبر العمل السياسي منذ مدة طويلة ، ولم نعرف عنه كونه اشتغل على موضوعة المجتمع المدني في يوم من الأيام كحقل مستقل برؤيته ومنهجيته وتفاعلاته المباشرة واللامباشرة . فهل يمكن مثلا أن نجد للسيد اسماعيل العلوي كتبا وبحوثا تتعلق بما يتماس بمفهوم المجتمع المدني ، كي نعزز قناعاتنا برئاسته وتشريفه لهذ الهيأة ؟ ، طبعا قربته فارغة ، وهذا لايستقيم البتة مع اختيار الرجل ، ثم ان الدعوة في أساسها باطلة ، لأن الأجدر والأصوب أن تقوم هيآت مدنية للدعوة لمثل هذا الحوار وان تم تحت اشراف الحكومة فان الأمر قد يهضم في اطار الانفتاح على جميع المكونات التي تتقاطع مع اهتمامات قوى المجتمع المدني التي هي في أصلها قوى مستقلة عن الحكومات وعن المؤسسات الرسمية الا في اطار تشارك وطني يلبي انتظارات واستراتيجيات القوى المدنية . وقد يكون للسيد حامي الدين بعض الصواب في التماهي مع مقاصد الدولة أو الحكومة باعتبارهم يعتمدون النظرة الكلاسيكية لمفهوم المجتمع المدني ؛ التي تختزل المجتمع المدني في المجتمع السياسي ، لكن هناك تطورات كبيرة خضع لها هذا المفهوم وتعريفاته ، وهو ما نلاحظه مع "ايدموند بيرك " الذي يعرف المجتمع المدني باعتباره الأسرة الكبرى . 1-، و هو ما يتقاطع قليلا مع "التفضيل الأخلاقي لدى الليبراليين التقليديين للمجتمع المدني ،وهو ما يظهر في الرغبة في تعضيد عمل الأجهزة التنفيذية في الدولة عن طريق النشاط في المجال الخاص.2- . فتطور المجتمع المدني كممارسة لم يتم عبر يوطوبيا ايديولوجية أو وهم ايديولوجي ، بل كان انبثاقا من حاجة الانسان الى الانسان خارج الاعتبارات المؤسساتية الرسمية ، وان تحول المجتمع المدني نفسه في خضم التفاعل الاجتماعي الى مؤسسة ، لكنها غير رسمية بأي حال من الأحوال . وحين تمنح الدولة مكرمة تشكيل أو عقد حوار وطني بكل هذه المباشرية ، فان هذا المفهوم نفسه يفقد حسه وشكله المدني الى شكل حكومي رسمي تعمل الدولة بمفهومها العتيق ، كما هو شأن الدولة المغربية على تدجينه وتنميطه حسب هواها ، وبما يخدم أجنداتها وأهدافها . ان المقاربة الحقوقية والفلسفية والمعرفية هي الكفيلة بفرش الأرضية النظرية والواقعية لمفهوم وتطبيق نظرية المجتمع المدني . ولا يمكن أن نستعير أو نستنسخ المفاهيم والمصطلحات دون تجذيرها في أرض التكون الاجتماعي المحلي ، كسابق الايديولوجيات الميتة . والا فاننا سنكرر نفس أخطاء اوهام اليسار ، وأوهام المتأسلمين . وأظننا في غنى عن جر نكسات الماضي بعدما تجلى بما لايدع شكا خطل وخطأ تجارب الأولين . لم يكن نشوء مفهوم المجتمع المدني نشوءا قديما على ضوء ما راكمه من مجهودات حقوقية وفلسفية وعلمية -علم الاجتماع - . " فالمجتمع المدني .... في حقل النظرية الفلسفية والحقوقية أو في حقل التاريخ الاجتماعي الواقعي يتضمن ، على الغالب ، التعدد والتكثّر ، بل يتضمن الاختلاف والتناقض والتنازع ، في حين تتضمن الدولة والحق الوحدة والانسجام " -3- . لسنا هنا في مأدبة الكشف عن جدل السياسي والمدني ، بقدر ما نحاول أن نفصل بينهما ، مع وعينا العميق بتداخل الحقلين ، لكن نشأة المجتمع المدني كمفهوم معاصر ، وخاصة في الدول الاشتراكية كان جراء تلك الهيمنة المطلقة للدولة على المجتمع ، أما في المجتمعات الليبرالية الكلاسيكية -بدءا من القرن الثامن عشر - فان انتفاضة الفرد والجماعة ضد هيمنة دولة الملك المتواطئة مع الكنيسة ؛ كانت كافية لظهور مطالب اجتماعية وفردية ترمي تحقيق نوع من الاستقلالية والتمايز عن الدولة . وليس اعادة دور الأمير السياسي ، ليعيد عقارب التاريخ ويلعب دور الوصي أو الأب ثانية -4. فقد عرف حجم المنظمات غير الحكومية ما بين سنة 1990 و2006 أضعافا مضاعفة ، حيث انتقل الرقم من 6000 الى 50.000 -5- . وربما أصبح اليوم يتجاوز عدد المنظمات غير الحكومية الرقم الخير بكثير . مع نمو هذا العدد استطاعت هذه المنظمات المدنية أن توسع من مجالات مساعداتها المادية والعملية الخدماتية ، والأرقام خير معبر عن هذا التطور والدور المتعاظم لهذه المنظمات والجمعيات المدنية . فهل نأتي اليوم نحن ونقوم بردة تعيد للدولة وتعزز دورها في الهيمنة على مختلف القطاعات المدنية والاجتماعية ؟ ، في حين أن الدولة الليبرالية الكلاسيكية لم تصدق نفسها وهي تتخلص من ثقل وتبعيات أعباء المجتمع أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 ، بعدما استلم المجتمع المدني بأفراده وجماعاته أدواره في تنظيم شؤونه وتوسيع مهامه وتدبير معظم أحواله . من هنا تصبح دعوة الحكومة المغربية الى حوار حول المجتمع المدني دعوة تحمل شبهة الردة والهيمنة على قطاع أصبح شريكا وليس تابعا ، في تدبير أحوال المجتمع والاهتمام بأوضاع الوطن ، وتقديم الخدمات المدنية وتأطير الجماعات والأفراد ومشاركة الدولة ، بل ومنافستها في كثير من القطاعات بهدف الارتقاء والازدهار والرخاء . وبتنوع قطاعات المجتمع المدني التي أصبحت تتغلغل في تلابيب المجتمع المعاصر ،يمكن الحديث اليوم عن فضاء منح الدولة كثيرا من المساحات كي تقوم بأدوارها الادارية والسياسية دون أن تلتفت الى أمور أدنى ، ولعل " الميزة المشتركة التي تجمع بين منظمات المجتمع المدني كافة، على شدة تنوعها، فهي تتمثل باستقلالها عن الحكومة والقطاع الخاص أقله من حيث المبدأ. ولعل هذا الطابع الاستقلالي هو ما يسمح لهذه المنظمات بأن تعمل على الأرض وتضطلع بدور هام في أي نظام ديمقراطي" 6- . الهوامش والمراجع * مقال للأستاذ عبد العالي حامي الدين بعنوان " حوار المجتمع المدني " 1-ويكيبيديا ...مجتمع مدني 2- نفسه 3- مفهوم المجتمع المدني :الواقع والوهم الايديولوجي .. د.عبد العزيز لبيب ..مجلة الوحدة ..عدد 81 ..السنة السابعة ...ص 60 4- نفسه ص: 62 5-مجلة البك الدولي الالكترونية ، محور المجتمع المدني 6- ويكيبيديا ..مرجع سابق