استهجنت عدد من المواقع الالكترونية قرار اعتذار كل من رئيسي البرلمان، كريم غلاب، ورئيس الحكومة، عبد الإله ابن كيران، للبرلماني عن حزب العدالة والتنمية، والناشط الحقوقي في منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، عبد الصمد الإدريسي، على خلفية الاعتداء، الذي قيل بأن هذا الأخير، قد تعرض له بالشارع العام بسبب احتجاجه على عنف القوات العمومية في حق الأطر العليا المعطلة أمام البرلمان. فبعد أن مهدت بعض المواقع الالكترونية المحدودة الانتشار والمقروئية لدى المغاربة، استنادا إلى تصنيفات الموقع العالمي " أليكسا.كوم"، الطريق لحملة استهجان القرار المشترك المرتقب لمؤسستي الحكومة والبرلمان من خلال تقارير إخبارية، نشر موقع "كود" وهو من المواقع الإخبارية الأكثر مشاهدة في المغرب إلى جانب موقعي "هسبريس ولكم" مقالا للرأي استغرب صاحبه لخطوة الاعتذار للبرلماني عن حزب العدالة والتنمية عبد الصمد الإدريسي، بل ذهب إلى حد اتهام هذا الأخير، بتجاوز صلاحياته و مهامه، و محاولة منع رجال الأمن من القيام بواجبهم في الشارع العام، وكيل سيل من الإهانات لهم وتحريض المعطلين عليهم استنادا إلى شهادة ما عاين الحدث ! الغريب في الأمر في هذا السياق، أن مقالات الرأي والمقالات الإخبارية، التي نشرت بهذه المواقع، كانت متشابهة من حيث مضمونها وأسلوبها وأفكارها الأساسية. من غير المستبعد جدا، بأن تكون الجهة التي تقف وراء الأخبار والمقالات التي نشرت إلى حدود الآن واستهجنت القرار المشترك والمرتقب الصدور لكل من رئاستي الحكومة والبرلمان، جهة واحدة، ترمي إلى خلط الأوراق، وتسعى بكل الوسائل المتاحة لديها، إلى طمس الحقيقة في موضوع التعنيف الذي تعرض له الإدريسي، بمبرر أن الاعتذار مسيس "فيه السياسة أكثر من القانون" ومسيء لهبة وزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية الخاضعة لسلطتها ونفودها. الشريط، الذي بث في بعض المواقع الالكترونية، لتبيان كيف كان الإدريسي يسخر من أفراد القوات العمومية ويهين مسؤوليها، لا يفي بالغرض، ويبدو أن المقاطع التي ظهرت أو سربت إلى حدود الآن، مقاطع توثق فقط اللحظة الأولى من الاحتكاك بين النائب ورجال الأمن. على كل حال، وزارة الداخلية من حقها أن تدافع عن مؤسساتها الأمنية، وعلى حرمة وكرامة موظفيها " رجالا ونساء" ، لكن، منطق الحكامة الأمنية على خلفية ما يروج الآن من أخبار وأشرطة فيديو، يستدعي بعض الشفافية في التواصل بخصوص هذا الموضوع لتنوير الرأي العام بعيدا عن صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية. إذا كانت الداخلية متأكدة من أنها تملك الحجج الدامغة في مواجهة اتهامات برلماني العدالة والتنمية، لمسؤوليها الأمنيين بممارسة العنف والشطط في استعمال السلطة، فالمنطق والقانون في مثل هذه الحالات، يستدعيان ضرورة كشف الحقائق أمام الرأي العام، وكشف زيف اتهامات الإدريسي للقوات العمومية بممارسة العنف عليه وعلى المعطلين، واللجوء إلى القضاء من أجل إجراء المتعين قانونيا وقضائيا لرد الاعتبار. التسريبات إلى المواقع الالكترونية، أي كانت الجهة التي تقف ورائها، بغاية التعبير عن موقف الاستياء من القرار المرتقب لرئيسي الحكومة والبرلمان، والقاضي بالاعتذار للنائب البرلماني، أمر يمكن قراءته من زواية متعددة. إما أن تلك التسريبات تعكس بالفعل قلقا داخل وزارة الداخلية من لجوء مؤسستين دستوريتين وازنتين إلى الاعتذار لبرلماني العدالة والتنمية، مع ما يترتب عن ذلك من مسؤولية مباشرة لمسؤولي وزارة لداخلية في الاعتداء على الإدريسي، ما دام أن رئيس الجهاز التنفيذي هو رئيس الحكومة، التي تعد وزارة الداخلية أهم قطاعاتها الوزارية بحكم الاختصاصات والمهام والوظائف التي تقوم بها والقطاعات التي تشرف عليها. وإما أن الغاية منها "التسريبات"، هي امتصاص غضب الرأي العام الوطني، وإظهار الداخلية بمظهر الضحية الذي حولته رئاسة الحكومة والبرلمان إلى جلاد، بعد اعتذارهما لبرلماني العدالة والتنمية، الذي رفضت الداخلية الاعتذار إليه، وأكدت بأنه قام بعرقلة مهام قواتها العمومية في الشارع العام، سيما ، وأن اتهامات البرلماني الإدريسي، أثارت نقاشا كبيرا في المجتمع، واتخذت أبعادا سياسية وحقوقية غير مسبوقة في المغرب. عموما اعتذار الحكومة والبرلمان تخريجه ترد شيء من الاعتبار للبرلماني الإدريسي من جهة، وتحفظ في نفس الوقت ماء وجه الداخلية من جهة أخرى. وما التقارير الإخبارية ومقالات الرأي، إلا زوابع في فنجان. وإذا كان تحليلنا، الذي يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ، يفتقد إلى الدقة أو الموضوعية بحسب القراءات التي يمكن أن تعطى له، فالمطلوب من وزارة الداخلية، في ظل التسريبات الصحفية الرائجة في بعض المواقع، توضيح موقفها من إمكانية اعتذار كل من رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، إذا كانت تتوفر على الحجج الدامغة، التي تقطع الشك باليقين، وتفيد بأن برلماني حزب العدالة والتنمية، عبد الصمد الإدريسي، هو من اعتدى على القوات العمومية وتدخل في عمل مسؤوليها، مادام أن قواعد القانون تنص على أنه "لا يعذر أحد بجهله للقانون" وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته..