ما شهدته الرياضة المغربية(كرة القدم) في الأيام القليلة المنصرمة لجرم واضح، أحزن المغاربة وآلمهم أجمعين على اختلاف ميولاتهم وانتماءاتهم، لكونه عصا في عجلة هذه اللعبة وتقدمها وتنميتها، وممارسة أساءت للديموقراطية ببلادنا، ومست كل ما تمثله لنا من كرامة وأمن واستقرار. ورغم أن الحكمة تقول بأن "العجلة من الشيطان" و"أن الوقت كفيل بأن يداوي جميع الجروح"، فإنه ليس من الحكمة في شيء التروي وانتظار تفاقم الأمور وازديادها سوءا وتدهورا، بل إن الحكمة تفرض اتخاذ التدابير لحل المعضلة الجديدة /القديمة التي واجهتها الرياضة الوطنية مند عقود وخاصة أنه قدر أخيرا للشعب أن تكون له حكومة جديدة ومجلسا جديدا جل مكوناتهما منه فكرا وتصورا وانتماء، وأنه (الشعب) ينتطر منهما تحركاً سريعاً لتطبيق القانون، ولا شيء غير القانون، السبيل الوحيد للخروج مما تعيشه الرياضات عامة والكرة خاصة، من نحس وبؤس ومؤامرات، والطريق الوحيد الذي يكفل الحقوق والواجبات ويزرع الأمل والمساواة، كما وعد بذلك وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأستاذ مصطفى الخلفي، بقوله: "إن الحكومة ستنخرط في تحقيق نهضة رياضية ترتكز على قواعد الحكامة الجيدة والشفافية"، وأضاف "أن تحقيق النهضة المنشودة مستقبلا ستنطلق من تشخيص عميق للواقع الرياضي الراهن ووضع آليات لتتبعها وتقييمها" بدل الصراخ والشتم وممارسة العنف والتأجيج الذي ينتج عن تناحر الأغلبية والمعارضة حين الخوض في الأسباب والمسببات ومن هو المخطئ ومن هو المبتدئ، والذي لن تفيد البلاد ولا العباد، حتى لو صدقوا فعلا بأن ما يفعلونه صيانة للكرة وحماية لها، والشك في ذلك اكبر من ان يكون تخمينا. فكل ما ينشده المواطن العادي من حكومته الجديدة التي بدأ انفتاح أعضائها الإسلاميين، على بعض قضايا المواطنين كمؤشر على التغير المسلكي المرغوب، هو عدالة اجتماعية تطبق القانون على الكبير قبل الصغير، وتعجل بحل جذري يستأصل الأورام الخبيثة التي نبتت على جسد هذا الوطن، وتحكمت في دواليب شأنه الكروي المغربي، دون خبرة أو دراية أو معرفة بقيمتها ووزنها ومقدارها، ردحا من الزمان، فرضت خلاله قراراتها الفوقية المتداولة في العلب المغلقة، وعلى أساس المجاملات والترضيات بين كل من لديهم واسطة من النخب والأعيان وعائلاتهم وأهليهم وزبانيتهم، التي لا تعرف إلا الأمر والنهي في كل الأمور دون استشارة المواطن المغربي، وكأنّ هذا الأخير ليس مواطنا إلا بالرقم الذي تحمله بطاقة هويته الجديدة فقط، وليس بانتمائه إلى هذه الجغرافيا كلّها، وإلى هذه التربة المحلية والإقليمية وإلى هذه الدولة التي لا يريد المواطن المغربي منها جميعها بكل مؤسساتها وبرامجها وسياستها، مجاملات ولا ترضيات، بقدر ما يريد منها أن تتحمل مسؤوليتها في تثمين هذا الانتماء والاحتفاء به وتبجيله عبر احترام المواطن بجعله جزءا من الحل للقضايا المرتبطة بمصائره، التي لا يعرف قدرها إلا هو، المكتوي بنارها والمنفطر فؤاده في سبيل إعادة صياغة المشهد الرياضي على قاعدة إملاءات التنظيم الجاد، ووفقا لاستدعاءات الحكامة، والتخطيطات وخرائط الطريق التنظيمية الرزينة المشركة لنخب ورواد هذه الرياضة الكبار الذين لن يستطيع أحد التنكر لهاماتهم الباسقات المعانقة للسماء شموخًا، والأخذ بالأمثلة والتجارب والمشاهد الرياضية العالمية الناجحة. فماذا هي فاعلة حكومة الإسلاميين، والأدلة أمامها قاطعة لا مجال للتشكيك بها؟ فهل ستكشف للمجتمع وللتاريخ عن الجهات العابثة بعواطف المواطنين، بغيير الوجوه المسيئة للرياضة الوطنية، وفضح كل الذين استمرأوا اللعب بمصالح البلاد والعباد، عملا بالقاعدة الذهبية المشهورة "المغرب أهم وأبقى من الأشخاص" سواء كانوا من المعارضة أو من المؤيدين للحكومة. أم أنها (الحكومة) ستكون صورة طبقا للأصل من الحكومات السابقة، فتتغاضي عن عملية الاعتداء على المال العام، وتسوف في النظر في جرائم الفساد المكررة "على عينك يا ابن عدي"، وتؤجل تنفيذ خطط التنمية والإصلاح التي نادت بها خلال الحملة الانتخابية، بأعذار واهية ودرائع بلهاء ومبررات سخيفة لم تعد تنطلي على أحد، كتلك التي تحجج بها وزير الشبيبة والرياضة، والتي فندتها الفيفا على لسان مسؤولتها بالقسم الإعلامي، التابع لها بسويسرا، والتي صرحت لصحيفة "ألف بوست" الالكترونية، بأن "الفيفا تمر من فترة حساسة للغاية نتيجة الأخبار والأحداث المتعلقة بالفساد والزبونية، وهي تعمل على إضفاء الشفافية على كل تعاملاتها، وطردت مسؤولين تورطوا في الفساد، وتشجع على الكشف عن مرتبات المدربين واللاعبين، وإذا كان هناك اتفاق يخضع للسرية، فهي غير ملزمة خاصة عندما يتعلق الأمر بالأموال العمومية في حالة المنتخبات الوطنية." وأقرت المصادر نفسها "بعدم وجود أي بند في قوانين الفيفا يعاقب بلدا ما بالطرد في حالة الكشف عن مرتب المدرب" الذي تعاقد معه، خاصة و"أن العقود تكون خاضعة للتصريح الضريبي الذي ينص على الشفافية"، وسيكون أمرا فاضحا طرد أي دولة عضو من الاتحاد لمجرد الكشف عن مرتب مدربها". وقد اعتبر البعض حجج السيد الوزير هروبا من محاسبة الجناة ووقوفا للحكومة إلى صف الجناة الذين ظلموا الرياضة المغربية مع علم بل يقين كل رجالات الحكومة خريجة الحزب الإسلامية، قول الله تعالى في من يعين الظالم ويناصره حيث يقول وهو أصدق القائلين:" كتب عليه أنه من تولاه فأنَّه يضله" ويعلمون حق المعرفة أنه سبحانه وتعالى، يسلط نفس الظالم على من أعانه ويجعله شريكا له في الذنب والمعصية، ويفضح أمره بين عامة الناس وخاصتهم ويجعلهم يستشعرون بل يتيقنون، بما لا يحتاج إلى تخمين أو طرح احتمالات، بأن شأنه يسير كما كان من قبل في عهد الحكومات السابقة، حيث لم يكن هناك، مع الأسف، أي شعور بوجودها، لغير فاعليتها، وتردد وزاراتها في تطبيق القانون، بالرغم من أن روائح الخروقات وجرائم الاعتداء على المال العام قد فاحت، وزكمت الأنوف، دون أن تجد من بين القيادات السياسية من يحمل أمانة الحفاظ على المجتمع وصونه من سوس الفساد الذي نخر جسده وانتشر فيه بقوة وبقلة حياء، إلى أن وصل حدا لا يُطاق، وتحول إلى قناعة راسخة عند الكثيرين بأن الفاسد المختلس والمرتشي وكل من نهبوها الوطن يمينا وشمالا من فوق ومن تحت، يجازى بالترقيات والعلاوات ويشير إليهم بالبنان، ويعيشون حياتهم عادية، وكأن سرقة البلد شيء عادي ومقبول وحق من حقوقه، وتجدهم أكثر من يتكلم بلا حياء عن الأمانة مرفوعي الرأس، كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته -كما يقولون- إلى أن أصبح الفساد لصيقا بنا ومنتشرا بيننا بسبب المحاور الثلاثة التي تدير الأوضاع في البلاد والمتمثلة في: "الظلم وعدم تطبيق القانون والإفلات من العقاب" التي تمكن الكثير من ذوي المناصب والنفوذ والتاريخ، من تغطية ما يرتكبون من جرائم بنفوذ مناصبهم، بخلاف ما يعرف عن الشعوب والأمم الأخرى التي تطبق القانون ولا تسمح لأي كان أن يستغل نفوذه ومنصبه مهما علا منصبه وقوي نفوذه، لتجاوز القوانين وارتكاب أي الجرائم والتستر عليها للإفلات من العقاب. فما قرأناه عن محاكمة جاك شيراك رئيس فرنسا السابق بتهمة التلاعب بالمال العام، وإصدار في حقه حكما بالسجن سنتين رغم ما أدى لها من خدمات جليلة، ومحاكمة ايطاليا رئيس وزرائها سيلفيو برلوسكوني، بتهم متعددة لم تشفع مها خدماتهم الكثيرة.. وكذلك محاكمة إسرائيل حكما رئيسها السابق موشي كاتساف بالسجن 7 سنوات بتهمة اغتصاب جنسي.. ليصيبنا بالإحباط وخيبة الأمل، لأن ذلك لا ولن يحدث عندنا، ولن نرى متنفذاً واحداً فقط اعتدى على المال العام حوكم وسُجن لكي يكون عبرة، وليشعر الناس بأن هناك حكومة جديدة جاءت لكسر القاعدة لتدافع عنهم وعن الوطن، وتسعى نحو تطبيق القانون على الجميع. فهل هذا المطلب كثير على المغاربة يا ترى؟! الجواب عن هذا السؤال لن يكون إلا واحدا وذكره لن يكون إلا مجرد تحصيل حاصل، وهو أن ما قيل عن الحكامة ومحاربة الفساد وتغيير الأوضاع والإصلاح، لم يكن إلا كلام نهار يمحوه الليل، وشعارات انتخابوية لن تجد طريقها إلى التبلور على أرض الواقع في بيئة يتمسك فيها الفساد بأذرعه الأخطبوطية التي لا تحصى ولا تعد، والتي لا تفيد معها الموعظة الحسنة وينطبق عليها مدلول المثل الشعبي "شحال قدك من استغفر الله يا البايت بلا عشا" .