قال محمد المسكاوي، نائب المنسق الوطني للهيئة الوطنية لحماية المال العام إن أجهزة الدولة ودائرة صناع القرار بالدولة ليس لها الإرادة الحقيقية في معالجة ملف الجرائم الاقتصادية، وبمعنى أدق أن العديد من الجهات ليس لها مصلحة في فتح هذا الملف، وأضاف المسكاوي في حوار أجرته معه ''التجديد'' أن إرادة إصلاح الدستور أيضا لم تواكبها إجراءات مصاحبة تؤشر على نية حقيقة في الإصلاح وتعيد الثقة للمجتمع كإحالة ملفات ثبت تورط أصحابها في استغلال النفوذ والإغتناء على حساب المال العام. في ظل الحراك الشعبي المتواصل المطالب بمحاسبة المسؤولين عن نهب المال العام، وفي ظل الخطاب الملكي الواضح المنادي للإصلاح نجد الجهات المعنية صامتة حيال ملفات الفساد المالي التي عرفتها مجموعة من المؤسسات الوطنية والتي تم اكتشافها من جهات وازنة ..ما تعليقكم؟ لقد قامت الهيئة الوطنية لحماية المال العام منذ تأسيسها بمطالبة أجهزة الدولة بالوقف الفوري لنهب المال العام، والمحاسبة وإرجاع الأموال المنهوبة من خلال الحكم في الملفات الرائجة الآن في المحاكم، أو من خلال تقارير المجلس الأعلى للحسابات ولجان التفتيش التي تحل بالجماعات المحلية، لكن ما لمسناه طيلة هذه المدة أن أجهزة الدولة ودائرة صناع القرار بالدولة ليس لها الارادة الحقيقية في معالجة ملف الجرائم الاقتصادية، وبمعنى أدق أن العديد من الجهات ليس لها مصلحة في فتح هذا الملف، لإنها جهات فاسدة اغتنت على حساب الشعب المغربي وثرواته وهي ليست مستعدة للتنازل عن كل هذه الثروات وتعتقد أن الحراك الشعبي ومسيرات 20 فبراير وما تلاها لن تؤثر على وضعهم، وأن الانتقادات الموجهة الى الحكومة والبرلمان كافية بإبقائهم بعيدا عن الأضواء، لكنني أقول لهم أنكم مخطؤون فالشعب المغربي بكل فئاته قد سئم منكم ، وأنتم في مرمى بصره، ونعدهم أن المسيرات المقبلة ستتجه لهم وبأسمائهم من أجل المطالبة بمحاكمتهم وإرجاع الأموال المنهوبة ورفع يدهم عن مقدرات الشعب المغربي. فالحقيقة التي توصلنا لها في الهيئة أن هناك من ينهب بشكل مباشر وفئة أخرى تنهب لصالح فئة أخرى عن طريق الصفقات العمومية وحتى بعض القوانين التي تخدم مصالح تلك الفئة. كشفتم أخيرا عن العديد من الملفات المتعلقة بالنهب والتبذير والاختلاس وسوء التدبير الذي مس بعض القطاعات وبعض الأنشطة ذات التأثير في المجالات الاقتصادية والاجتماعية منذ سنوات، هل حاولت الجهات الرسمية التواصل معكم للإدلاء بالوثائق التي تحتكمون عليها من أجل استجلاء الحقيقة؟ كما قلنا دائما ونعيدها هنا، الارادة السياسية ليست متوفرة بالشكل المطلوب من طرف دائرة صنع القرار وتكتفي ببعض الملفات المرتبطة بالجماعات المحلية من خلال تقديمها للقضاء فمن جهة يسكتون بعض الأصوات ويعتبرون أن المغرب يحارب الفساد ومن جهة أخرى يسهمون في تسفيه الأحزاب السياسية من خلال إظهارها المسؤولة الوحيدة عن النهب، وهنا لا أدافع عن الجماعات المحلية لإنها أيضا من بؤر الفساد بالمغرب. الجهات الرسمية متمثلة في وزارة العدل بالأساس كان عليها الى جانب المتابعات الحالية التي أطلقتها ببعض الجماعات المحلية أن تبت في الملفات الموجودة بالمحاكم والتي تصل حجم المبالغ المختلسة منها 213 مليار درهم، بالإضافة الى مبلغ 136 مليار سنتيم التي لم تسترجع وهي نتيجة حكم محكمة العدل الخاصة، إضافة الى الملفات التي نراسل بخصوصها الجهات المعنية وما يتم نشره عن طريق الاعلام الوطني. لقد طالت جرائم الغش والنهب والتبذير المالَ العام وثروةَ البلاد خلال أكثرمن50 سنة التي تلت استقلال المغرب وقد استفحلت داخل الإدارات العمومية والمؤسسات العمومية والشبه عمومية والجماعات المحلية بشكل يكاد يكون عاما، إضافة إلى تفشي التلاعب وسوء التدبير بالنسبة للمشاريع التنموية والاقتصادية بتواطؤ مع المؤسسات المالية الدولية، والامتيازات الممنوحة لبعض لخواص وللشركات الخاصة ورجال الأعمال وبعض الهيئات السياسية وبعض قادتها، مما يشكل دعما وتسترا لممارسات نهب المال والاغتناء غير المشروع. ومن بين الآثار التي ترتبت عن هذه الجرائم، كون حوالي نصف المغاربة المحرومين من حقهم في التمدرس، والأغلبية الساحقة من الشعب لا تشملهم التغطية الصحية، ملايين الشباب يعانون من آفة البطالة، وفئات واسعة من المغاربة تعاني العزلة والفقر والتهميش وانعدام أبسط مقومات الحد الأدنى للعيش الكريم مما يدفع بالعديد من هؤلاء الضحايا إما للتسول أو الدعارة ولكل أشكال الانحراف الاجتماعي، بل دفع بعضهم إلى المغامرة بحياتهم كما هو الحال بالنسبة لظاهرة قوارب الموت. وتعتبر الهيئة الوطنية لحماية المال العام كل مظاهر الفقر والتخلف التي تعانيها فئات واسعة من الشعب المغربي جراء النهب والتبذير، بمثابة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان نظرا لانعكاساتها الخطيرة على الحقوق الأساسية والمتطلبات الضرورية للاستمرار في الحياة. وعليه نعتبر أن أجهزة الدولة المغربية المتورط الأول والمسؤولة مسؤولية كاملة عن جرائم نهب وتبذير المال العام، باعتبارها متسترة وحامية لناهبي المال العام بسبب عدم تطبيقها للقانون وتعطيل تفعيل الآليات والإجراءات الموضوعة رهن إشارتها للحيلولة دون ارتكاب هذه الجرائم ومتابعة مقترفيها، وتسهيل إفلات الجناة من العقاب، وإدانتهم، فهذه هي نتيجة الاختلاسات والتستر على أصحابها. قضت محكمة سلا المكلفة بقضايا المال العام أخيرا بالسجن في حق ''محماد الفراغ'' على خلفية ملف ''التعاضدية العامة''، إلا أن هذا الأخير لازال طليقا بل ويحضر لاجتماعات رسمية علنا ما تعليقكم؟ لقد كانت الهيئة الوطنية لحماية المال العام من الأوائل الذين انخرطوا في لجنة التنسيق الوطنية ضد رئيس التعاضدية السابق بعد توصلنا بملف ضخم حول الخروقات المالية، وطلبنا وزارة العدل بالتحرك من أجل إجراء تحقيق في الموضوع، وهو ما قامت به متأخرة تحت ضغط المجتمع المدني ولجنة التنسيق، أما الحكم الصادر في حقه ابتدائيا فهو يدعو الى الاستغراب والضحك شخص يدان بتهمة اختلاس المال العام صباحا وتستقبله اللجنة المكلفة بالتعديلات الدستورية مساء، هل المختلس سيسهم في إصلاح البلاد ألا يعد هذا الحضور ثقبا في بكرة الدستور المتوقع، لماذا لم يتم إلقاء القبض عليه مباشرة بعد الحكم ومباشرة الحجز على ممتلكاته وإرجاعها الى خزينة الدولة، وهذا الأمر من بين الأسباب التي دفعت بنا الى مقاطعة اللجنة المكلفة بالدستور. وجهت لكم الدعوة من قبل اللجنة المكلفة بالدستور وقمتم برفضها لماذا؟ بالفعل وجه لنا السيد رئيس اللجنة المكلفة بإعداد الدستور دعوة من أجل الاستماع الى تصورتنا حول الحكامة وتخليق الحياة العامة، وبعد دراستنا للموضوع في اجتماع طارئ ومشاورات مع الإطارات المشكلة للهيئة تم رفض الدعوة كون هذه اللجنة لم تراع تمثيلية كل الآراء الداعية إلى تغيير شامل للدستور، يستجيب للمطالب المشروعة للشعب المغرب في الولوج إلى ديمقراطية حقيقية و يكرس دولة الحق والقانون مع عدم الإفلات من العقاب في حالة ارتكاب الجرائم الاقتصادية و السياسية، كما أن إرادة إصلاح الدستور لم تواكبها إجراءات مصاحبة تؤشر على نية حقيقة في الإصلاح وتعيد الثقة للمجتمع كإحالة ملفات ثبت تورط أصحابها في استغلال النفوذ والإغتناء على حساب المال العام، واستمرار انتشار الريع الاقتصادي و تراكم أموال ضخمة تم نهبها و تهريبها خارج المغرب و داخله، كما أن أجهزة الدولة لا زالت توفر الحماية لناهبي المال العام، و آخر مثال عن ذلك كما قلنا سابقا هو استقبال اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، للرئيس السابق للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، غداة الحكم عليه بأربع سنوات من طرف غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بملحقة محكمة الاستئناف بسلا، بتهمة اختلاس أموال عمومية وخيانة الأمانة واستغلال النفوذ وتبييض الأموال. فكيف يمكن الكلام عن تخليق الحياة العامة في وقت تستقبل فيه هذه اللجنة الاستشارية شخصا مدانا بعقوبة حبسية، لتقديم ''مقترحاته'' لتعديل الدستور؟ ورغم مقاطعتنا فقد نظمنا ندوة صحفية قدمنا فيها الى الرأي العام تصورتنا بخصوص تغيير الدستور في الجانب المتعلق بحماية المال العام. ما هي في نظركم الإجراءات الواجب اتخاذها للتصدي لهذا المشكل، بالتالي محاربة ظاهرة الإفلات من العقاب؟ من خلال المذكرة التي تقدمنا بها في الندوة الصحفية فقد طالبنا بتلاث محاور يتعلق الأول بإجراءات استعجالية لا بد من اتخاذها الآن بعيدا بمعزل عن النقاش الدستوري يتمثل أهمها في:حل وتفكيك كل شبكات مافيا المخزن الاقتصادي ومصادرة ما راكمته من أموال وثروات المتأتية من عائدات اقتصاد الريع والامتيازات التي استفادت منها خارج القانون بغير حق متابعة المتورطين في نهب وتبذير المال العام والمخططين والموجهين والمشاركين والمنفذين و إرجاع الأموال المنهوبة ومصادرة ممتلكات وأموال المدانين، على قاعدة عدم الإفلات من العقاب، وكذا الاعتراف بأن جرائم نهب المال العام لا تنحصر في تبديد المال العام فقط، بل تتضمن كل أشكال النهب وإفساد الحياة السياسية والغش الضريبي، وكل ما يحيط بهذه الجريمة الخطرة، كجرائم الاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ على من ثبت تورطهم من وزراء ومساعديهم ومديري المؤسسات العمومية ورؤساء الجماعات المحلية والولاة والعمال ...الخ، ومصادرة أموالهم، وأن من ثبت في حقهم ارتكاب جرائم نهب المال العام، تسقط عنهم حقوقهم السياسية والمدنية ويتم إبعادهم عن مراكز المسؤولية، وإطلاق سراح المعتقلين الشهود والمبلغين على قضايا نهب المال العام مدنيين أو عسكريين، وضرورة القيام بافتحاص شامل ودقيق لكل الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية من طرف أجهزة الافتحاص تتمتع بالاستقلالية والصلاحيات اللازمة للكشف عن الاختلالات المتعلقة بالانحرافات المالية باعتبارها ظاهرة بنيوية تعم جميع المرافق العمومية. أ ما المحور الثاني فيتعلق بالمبادئ التي يجب التنصيص عليها في الوثيقة الدستورية من خلال إقرار دستور ديمقراطي والقيام بإصلاحات سياسية تكرس الفصل الحقيقي للسلط،، وتمكين السلطة القضائية من القيام بدورها بكل ما يلزم من نزاهة واستقلالية، وإحداث مؤسسات للمراقبة المالية قوية قادرة على المراقبة الفعالة القبلية والبعدية للمال العام، وكذا ملائمة وتفعيل المقتضيات القانونية والمواثيق الوطنية وفق المعايير المعتمدة دوليا في مجال مكافحة الفساد، مع التنصيص على أن مقتضيات الدستور لا تتعارض مع مقتضيات المحكمة الجنائية الدولية، وحذف الفصل 19 من الدستور مادام يسمح باحتكار سلطة التعيين، والإفلات من العقاب وغياب الشفافية وغياب المحاسبة، وإلغاء كل أشكال الحصانة والامتيازات باعتبارها خرقا لمبدأ المساواة واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمحاربة ظاهرة اقتصاد الريع و تفكيك شبكة اللوبيات المستفيدة منه ، بالإضافة الى إجراءات أخرى تتعلق بالسلط التنفيذية والتشريعية والقضائية في مجال حماية المال العام. وبالنسبة للمحور الثالث فهي إجراءات مصاحبة تتعلق بالقوانين التي يجب أن تاتي بعد الدستور كتكملة وشرح للوثيقة الدستورية. في نظركم، أين يكمن موقع الخلل، هل في القوانين أم الأشخاص أم اللامحاسبة؟ مكمن الخلل في المغرب منذ الاستقلال يتجلى في سياسة الافلات من العقاب وسن قوانين فارغة من المحتوى وغير قابلة للتطبيق والتي لم تظهر إلا خلال سنوات التسعينات، المغرب بإمكانياته البشرية والطبيعية كان بإمكانه أن ينافس الدول المتقدمة ويوفر العيش الكريم لمواطنيه. ونتمنى من خلال الحركية الحالية أن يتحمل الجميع مسؤوليته في نقل المغرب الى بلد القانون والمحاسبة والديمقراطية الحقيقية وليست ديمقراطية ''العام زين''.