ظل الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين طيلة حياته معاديا لتوجه المغرب الرامي لاسترجاع أقاليمه الجنوبية ، بل يمكننا القول بأنه كان ينظر إلى كل خطوة كان يخطوها المغرب لتحرير أراضيه التي استقطعها المستعمر الفرنسي و الاسباني بعد مؤامرة دولية كبرى تعرض لها المغرب في نهاية القرن التاسع عشر بمثابة استهداف مباشر للجزائر ، خاصة وأن الجزائر استفادت من ذلك على مستوى إقليمها الترابي بعد أن ضمت فرنسا مناطق توات وبشار و تندوف و أدرار المغربية لمستعمرتها الجزائرية ، و الشواهد التاريخية تثبت ذلك بما لا جدال فيه إلا من جاحد ، والنظام الجزائري الحالي لازال وفيا لنفس المنطق بعد مرور أزيد من 33 سنة على وفاة بومدين . لذلك لم يتورع هواري بومدين عندما أعلن الملك الحسن الثاني عن تنظيم مسيرة خضراء سنة 1975لتحطيم الحدود الوهمية بين شمال المغرب وجنوبه واسترجاع الصحراء المغربية من الاسبان ، عن طرد الآلاف من المغاربة الذين كانوا مقيمين بالجزائر وسلبهم كل ما يملكون حتى وثائقهم و صكوك ملكياتهم صادرها بدون وجه حق ، متناسيا ما قدموه من تضحيات من أجل استقلال الجزائر وبناء اقتصادها . و يالغرابة صدف التاريخ فقد كان ذلك صبيحة عيد الأضحى ، في سلوك فاشي عدواني مقيت ضد أناس أبرياء لم يقترفوا ذنبا سوى أنهم مغاربة أو من أصول مغربية فيما أطلق عليها المسيرة السوداء ، معتقدا أنه بمثل هذا التصرف اللا إنساني و اللا أخوي سيضغط على المغرب و يزعزع ثوابته و إيمانه بوحدة أراضيه . وبطبيعة الحال فهذه الفعلة الشنعاء التي اقترفها نظام بومدين في حق المواطنين المغاربة الذين كانوا مقيمين بالجزائر والتي بقيت كبقعة سوداء في تاريخ العلاقة بين البلدين ، كافية بمفردها لتشهد على عدوانية النظام الجزائري القائم ومدى حقده على المغرب وعلى تاريخه و جغرافيته . تلك العدوانية التي تستمد أسبابها من طبيعة النظام الجزائري نفسه وظروف تكوينه الما بعد كولونيالية ومرجعيته التاريخية المرتبطة بجدل الاستقلال و التبعية ، و قراءاته المغلوطة لعلاقات الدولة المغربية بالإطار الجغرافي المسمى حاليا بالجزائر عبر التاريخ. ولم تكن المسألة كما يتصور البعض مجرد صراع بين نظامين سياسيين كل منهما يتبنى إيديولوجية مناقضة للأخر على مستوى التموقع الدولي خاصة و أن العصر إبانه كان عصر حرب باردة ومعسكرات و تقاطبات عالمية ، أو أنه نتيجة لخلاف شخصي بين بومدين و الحسن الثاني وسباق من أجل نيل الزعامة في العالم العربي انتهى بوفاتهما ، لأن الأمر استمر بعد ذلك بظهور جبهة البوليساريو المناوئة للوحدة الترابية المغربية و التي جعل النظام الجزائري من دعمها و إيوائها إحدى مقدساته التي لا يمكن المس بها. إلا أنه رغم ذلك فالمسألة لم تكن تخلو من شخصنه خاصة من جانب بومدين الذي عرف عنه هواجسه وخوفه الشديد من المغرب كدولة عريقة وأصيلة وذات نظام سياسي متجذر ، في حين كانت الجزائر لازالت تبحث عن النموذج الهوياتي للدولة و المؤسسات على النمط الاشتراكي مقابل ارث استعماري ثقافي و اجتماعي ثقيل امتد لعدة قرون وكذلك غيرته الشديدة من الحسن الثاني التي لم تكن خافية على كثير ممن عرفوه وخبروه عن قرب . ويحكي الأستاذ الصحفي مصطفى منيغ الذي اشتغل كإعلامي بالتلفزيون الجزائري في بداية السبعينيات ، أن معارضة بومدين للمسيرة الخضراء دفعت به إلى أن طلب من الكاتب الجزائري الشهير ياسين كاتب أن يقوم بكتابة مسرحية ضد المغرب و مطالبه في الصحراء سماها المسيرة الحمراء بشرط أن يكون الممثلون من جنسية مغربية ، يصور فيها أن المسيرة هي عملية عسكرية دموية لا مسيرة سلمية مدنية عمادها مواطنون مغاربة عاديون ولكي يثبت كذلك أن المغاربة يعارضون توجه الحسن الثاني الداعي لتنظيم المسيرة خاصة وأن بعض عناصر اليسار الراديكالي المغربي المعارض ممن كانوا مقيمين بالجزائر كانوا يبدون اعتراضهم على كل ما يقوم به النظام المغربي آنذاك . و بالفعل قام عدد من مساعدي بومدين بجمع بعض المغاربة ممن يفترض فيهم أنهم معارضون وتلقينهم نص المسرحية لكي تعرض عليه ، إلا أن مفاجئة بومدين كانت قاسية عندما اكتشف يوم العرض فرار الفريق المسرحي بعد أن تركوا له رسالة قصيرة مفادها )ستكون مسيرة خضراء برغم أنفك يا بومدين (، ردا على أوهامه الفارغة بأن المغاربة يمكن أن يبيعوا وطنهم في يوم من الأيام حتى ولو كانوا معارضين للنظام ، فقام بعد ذلك بطرد المغاربة من الجزائر انتقاما منهم على وفائهم لوطنهم وتمسكهم بوحدتهم الترابية.