اتفقت جميع الفرق النيابية على ألا يشك أحد أن جبهة البوليساريو، التي احتضنتها الجزائر، بعد تنازل النظام الليبي عن حلم تصدير ثورته الجماهيرية إلى المغرب، تخوض حربا بالوكالة لفائدة النظام العسكري الجزائري. ولكي نفهم هذا التدخل، علينا الرجوع إلى التاريخ القريب ، إذ أن الجزائر خاضت حرب الرمال سنة 1963 ضد المغرب، بدعم من مصر، حيث اعتقلت قوات الجيش المغربي، ضباطا مصريين، مما اعتبر في القمة العربية بالقاهرة سنة 1964 هجوما جزائريا على التراب المغربي، وليس العكس، حسب ما روجته وسائل الإعلام، وجاءت هذه الحرب لوجود خلاف حدودي، لأن النظام الجزائري أراد ترسيم الحدود كما تركها الاستعمار الفرنسي، الذي استولى على الصحراء الشرقية المغربية، وضمها إلى نفوذه، حينما بدا لفرنسا أن الجزائر أضحت مقاطعة تابعة لها، ولم تكتف بذلك، في إطار التوسع الاستعماري، وخوفا من المقاومة، قامت بضم باقي الأراضي المغربية، حيث بلغت مساحة الجزائر قبل استقلالها بأربع سنوات 2 مليون و400 ألف كلم مربع. وفي مقابل ذلك، طالب المغرب بترسيم تلك الحدود قبل مجيء الاستعمار، والتي تتمثل في معاهدة مغنية الموقعة في 18 مارس 1845 ، وهي المعاهدة التي وقعها المغرب مع فرنسا بعد هزيمة معركة إسلي، بسبب دعمه ثورة الأمير عبد القادر في الجزائر، وتنص على استمرارية الحدود المعترف بها بين المغرب وتركيا ( الإمبراطورية العثمانية)، لتصبح هي الحدود التي ينبغي أن تقوم بين المغرب والجزائر، إلا أن المغرب الذي توغل جيشه في حرب الرمال، إلى مناطقه المحتلة، تندوف ، وتوات وتيديكت، وكلوم بشار وغيرها، لم يقم باسترجاع أراضيه، إذ كأنما تنازل عن تلك المنطقة بالصحراء الشرقية، في إطار مجموعة من الاتفاقيات كان آخرها تلك المنبثقة عن مفاوضات 1972 ، التي نصت على اعتراف المغرب بجزائرية تندوف، وبالمقابل من ذلك اعتراف الجزائر بمغربية الصحراء الغربية، حيث قال الرئيس الجزائري، الراحل الهواري بومدين في مؤتمر القمة العربية بالرباط في أكتوبر 1974، إن مشكلة الصحراء لا تهم سوى المغرب وموريتانيا، بل إن الجزائر تؤيد تحرير كل شبر في الأرض في الصحراء الغربية وكذا في سبتة ومليلية وكل الجزر، وهي الأراضي التي لا تزال تحت نير الاستعمار. وبعد تأسيس جبهة البوليساريو سنة 1973 من قبل طلبة مغاربة درسوا في أهم جامعات المغرب بالعاصمة الرباط، وكانوا متشبثين بالفكر الماركسي اللينيني، الذي يؤمن بقيام ثورة من الجنوب في اتجاه الشمال، كانت إسبانيا الاستعمارية تخوض حربا بدون هوادة ضد جيش التحرير المغربي، الذي كان مشكلا من مجموعات، كان على رأسها آباء وأشقاء مؤسسي البوليساريو، بينهم أب محمد عبد العزيز، زعيم جبهة البوليساريو، المغربي، إذ ذاك ظهر للجزائر أهمية التدخل المباشر، خاصة أنها من نظام اشتراكي يتقاسم والنظام الليبي أفكارا شتى، أهمها أنهما ضد التعددية الحزبية، فازداد النظام العسكري الجزائري حقدا حينما نجحت فكرة الملك الراحل الحسن الثاني، »المسيرة الخضراء» سنة 1975 ، حيث احتشد أزيد من 350 ألف مواطن، حاملين العلم الوطني والقرآن، في مسيرة سلمية، لاسترجاع الصحراء، بدون إسالة قطرة دم واحدة. وظلت المناورة الجزائرية قائمة على جميع المستويات العسكرية، والدبلوماسية والإعلامية حتى بداية الألفية الثالثة، لذلك كله تعي الجزائر أن إنفاقها سنويا قرابة 3 مليارات دولار سنويا على جبهة البوليساريو، ليس اعتباطا، ولكن من أجل تقوية نفوذها ومعاكسة وحدة تراب المغرب، عن طريق ما تسميه دعم حركة تحرير الشعب الصحراوي، إذ أنها عارضت الاتفاق الإطار الخاص بالحكم الذاتي، الذي اقترح سنة 2001 ، من قبل الأممالمتحدة، فاقترحت الجزائر مقابل ذلك ، مسألة تقسيم الصحراء، حيث ظهر جليا أن الجزائر لها أطماع في الصحراء، وظل الوضع متأزما، حينما رفض ساستها فتح الحدود، وتمسك عبد العزيز بوتفليقة، الذي وضع في الرئاسة، على أساس ممارسة نفس المناورات ضد المغرب، حيث اتهم في خطاب مباشر المغرب بأنه دولة استعمارية، وراسل محمد عبد العزيز وكأنه رئيس دولة، وشجع قوات الجيش على التدخل في المناطق العازلة مثل تفاريتي، وبئر لحلو، بل خصص نشرة أخبار القناة الثالثة الجزائرية، كي تكون بوقا ضد المغرب، حيث تتصدر أخبار جبهة البوليساريو تلك الأخبار، التي تسير في سب وقذف المغرب، بشتى النعوت القدحية، فيما تحشد الدبلوماسية الجزائرية كافة عناصرها لدعم الانفصاليين، سواء داخل المغرب أو خارجه، لذلك تشن جبهة البوليساريو حربا بالوكالة لفائدة النظام العسكري الجزائري، ومن أراد التأكد أكثر فليسأل مؤسسي وقيادة البوليساريو العائدين إلى أرض الوطن، فهم قادرون على فضح مناورات الجزائر.