ليلة الأربعاء اتصل بي زميل عمل يخبرني بأن قناة ميدي أ ستقوم بتسجيل برنامج بعنوان " مواطن اليوم " يتناول إشكالية حماية المستهلك المغربي ، حيث عرض عليّ التواجد في الإستديو .على الأقل لمعرفة كواليس وطريقة تحضير برامج القرب المغربية كما تقول عنها القناة ولأني فضولي أكثر من اللازم وافقت . في الواحدة والربع كنت بصحبة زميلي بعد أن تأنقت في ملابسي ولبست أحسن ما لدي وبعد مدة قصيرة اكتملت الرفقة بانضمام رئيس إحدى الجمعيات في مدينة طنجة حيث وقف الجميع في انتظار حافلة القناة المغربية التي حضرت في الثانية والنصف ، كل شيء بدا لي ممتازا إلى غاية هذه اللحظة . قبل توقف الحافلة بدقائق معدودة وجدت ) صديقا( كان قد سبق واشتغلت إلى جانبه في إحدى التجارب الإعلامية الجهوية الفاشلة حيث كنت أمده ببعض المقالات الأسبوعية لكن بعد مدة اتضح لي أن )الصديق ( ذو علاقات مشبوهة أو بالعربية الفصيحة سمسار فتوقفت بين وبينه جميع الروابط التواصلية اللهم بعض رسائله القصيرة التي كانت تصلني في المناسبات الدينية إلى ان توقفت نهائيا . استقبلني السمسار أي الصديق بالإحضان وبعض قبلات النفاق بطبيعة الحال وجدته يركب سيارة مستقلة عنا ولأني انسان شعبي وابن بيئة شعبية قلت مع نفسي " الله يحشرنا مع المساكين " فاستقليت كغيري حافلة القناة التي ضاقت بالراكبين ،غير أن المفاجاة الصادمة لي حين اكتشفت أن الحافلة قد ملئت بالصعاليك والشمكارة فقلت لزميلي ساخرا " الزين باين من حروفوا " وبالعربية الفصيحة " واقع الحال يُغني عن السؤال " تذكرت في تلك اللحظة أيضا أني صعلوك لأني كنت أكتب يوميات سميتها بيوميات صعلوك طنجاوي لكن الفرق بيني وبين هؤلاء الصعاليك أني صعلوك مكافح ومتمرد ومؤدب أيضا . في المنطقة الصناعية بطنجة كان مبنى القناة العريض يلوح في الأفق لكن قبل ذلك أوقفنا " السيكريطي " أي الأمن الخاص حيث خلت نفسي أدخل منطقة لتصنيع أسلحة الدمار الشامل . دخل الصعاليك الواحد تلو الأخر وأنا منهم وقد صدق الأولون حين قالوا " معابن شفتك شبهتك أو حوتة وحدة كتخنز الشواري " وبالعربية الفصيحة أيضا " قلي من يرافقك أقول لك من أنت ؟ ومن انا ؟ لا أدري حقا . داخل القناة انبهر الصعاليك وقد بدت علامات التهميش واضحة على محياهم وملابسهم وهذا التهميش دفع بالكثير من المتواجدين داخل القناة الطنجاوية للتحديق في القادمين وكأنهم آتون من العصر الحجري وبعضهم كان يبتسم ويضحك بينما بدت على ملامحي علامات الغضب والنربزة لأني أحسست بالإهانة فقلت لزميلي معاتبا إياه " زميلي لقد خدعتني إذن ، أنت تعلم أني أكره المزيفين ...أفضل الإنسحاب فورا ..." نظر إلي زميلي برجاء وقال " أخي عبدو رجاءا لا تذهب ماذا سيقولون عنا ؟ إفرض أنهم سألونا سؤالا معينا كيف سنجيبهم ؟ أنت الوحيد القادر على صفعهم بجرأتك " فقلت له على الفور " يا كاذب لقد ورطتني إذن " . داخل الإستديو أيضا كان أحد الصحفيين يوزعنا على مقاعد الجمهور حيث ابتدأ بي فزميلي بحكم قامتنا الطويلة كما قال، في ذهني فهمت ما يحدث لكن متأخرا بعض الشيء فقلت في نفسي " أه نحن كومبارس إذن " . كان البرنامج المعنون " بمواطن اليوم " وهو للحقيقة برنامج واقعي جدا بحكم عنوانه الذي انطبق على حال الكثير من المواطنين في المغرب ككل وجل الحاضرين / الكومبارس من خلال التهميش الذي تم إخفاءه في الصفوف الأخيرة والزوايا المعتمة حتى أن المصور لفرط ذكاءه الشديد كان يركز الكاميرا على شخص من الحضور ألبسوه ربطة العنق حتى يظهر في الواجهة بينما ظل الصعاليك يتفوهون الواحد تلو الأخر من شدة النعاس الذي أصاب رؤوسهم من أسئلة المذيع الأكاديمية المملة فقلت لزميلي همسا بعد ان سألني عن ماهية برامج القرب التي كانت القناة الطنجاوية تتغنى بها كثيرا " برامج القرب هي تلك البرامج التي تجمع الصعاليك من أمثالنا من الضواحي المهمشة وتملأ بها الإستديو لتسويق الوهم ودلالة على أن برامجنا تحصد النجاح تلو النجاح لكونها قريبة من المواطن بينما الواقع يقول إن هذه البرامج لا تعكس الوجه الحقيقي للمواطن بقدر ما تفضح رداءة المشهد الإعلامي المغربي المبني على الكذب والنفاق " ثم سألني زميلي مرة أخرى عن عنوان البرنامج الذي يحمل من التسميات " حماية المستهلك المغربي فأجبته ساخرا " وهل المستهلك المغربي يستهلك حتى نقول أن هناك استهلاك أصلا ؟ اللهم إن كانوا يقصدون المواطن المُستهلك بفعل ارتفاع حجم الأسعار وغلاء المعيشة . المثير للضحك في برنامج جمهور الصعاليك هذا هو اعتبار المذيع ماما فرنسا مضرب المثل للمغرب نفهم ذلك مادام ان القناة في توجهاتها فرنكوفونية لكن لماذا يتم تسمية برنامج حواري باسم مواطن اليوم تراهم كانوا يقصدون مواطنا أخرا قد يكون المواطن الفرنسي ؟؟!!. انتهى البرنامج في السادسة مساءا بحث عن )الصديق) قصدي السمسار لكني لم أجد له أثرا ربما لأنه أخد المحصول وانصرف قال الصحاف ذات حرب " إنهم مرتزقة على أية حال " بينما تكدس الصعاليك الواحد تلو الأخر في حافلة القناة حيث لم يستحي أحدهم من قذف الكلام النابي وآخر من إشعال سيجارة فقلت محتجا " إنه مواطن اليوم !!!" ثم انسحبت. [email protected] http://9isa.maktoobblog.com